يكون الممثلون غالباً مستعدين لتحمّل الكثير إرضاءً لمخرج يؤمنون بموهبته. تنازل الممثل مايكل فاسبندر وارتدى خوذة البطل الخارق إرضاءً للمخرج ماثيو فون في فيلم X-Men: First Class، وتنقّل بذكاء بين اللغتين الإنكليزية والألمانية إرضاءً للمخرج كوينتن تارانتينو في فيلم Inglourious Basterds. لكن لا تُقارَن تلك التجارب كلها بما هو مستعد لفعله لأجل المخرج ستيفن ماكوين.منذ أربع سنوات، عندما بدأ الممثل مايكل فاسبندر بالعمل مع المخرج ستيفن ماكوين في الفيلم الدرامي Hunger، خسر حوالى 16 كيلوغراماً لتجسيد دور بطل الجيش الجمهوري الإيرلندي بوبي ساندز. ثم اضطر فاسبندر، في آخر عمل جمعهما معاً (أي فيلم Shame)، إلى القيام بأمور كثيرة أخرى عدا فقدان الوزن، فقد وافق على الظهور عارياً، ذلك لأداء دور رجل يعجز عن الارتباط العاطفي.في الفترة الأخيرة، جلس فاسبندر مع المخرج في أحد فنادق بيفرلي هيلز، وقال: «لماذا أردتُ فعل هذه الأمور كلها مع ستيف تحديداً؟ لأنّ أفضل ما يميّزه هو أنه لا يلتزم بقواعد معينة عند تصوير الأفلام. لا شيء محظور بالنسبة إليه!».خلال موسم أفلام الخريف الذي يشهد إصدارات مُنتَظرة من إعداد أسماء مشهورة وموثوقة تعمل مع نجوم مألوفين في هوليوود (مثل سبيلبرغ وسكورسيزي وإيستوود)، تُعتبر أعمال المخرج ماكوين ونجمه الصاعد بداية واعدة في عالم الأفلام. يشكّل فيلم Shame الذي يبدأ عرضه أخيراً إضافة مهمة إلى سيرتهما الذاتية المتواضعة.في الأصل، كان ماكوين (42 عاماً) فناناً تشكيلياً لفترة طويلة وقد أثار جدلاً كبيراً في عالم الفنون في بريطانيا قبل أن يتجه نحو إخراج الأفلام منذ بضع سنوات. إنه فنان مميز لأسباب أخرى أيضاً، فهو مخرج أسود، لكنه يعمل على صناعة أفلام جدية تُعنى بأفراد غير منتمين إلى فئة السود.أما فاسبندر (34 عاماً)، فقد وُلد في ألمانيا ونشأ في إيرلندا وعمل في عالم الترفيه من دون إثبات نفسه طوال 15 عاماً تقريباً. لكن في السنة الماضية، أصبح أحد أبرز المهارات التمثيلية التي جذبت انتباه هوليوود، ويعود ذلك جزئياً إلى تعاونه مع ماكوين. مع ذلك، لم يلحظ أحد أنه شارك في بعض الأعمال الأخرى سابقاً، فقد شاهده الجمهور بدور روتشستر في فيلم Jane Eyre، وبدور ماغنيتو في فيلم X-Men: First Class، وجسّد دور كارل جونغ في الفيلم الجديد A Dangerous Method، وها هو يقوم بدور البطولة الآن في Shame. في الأشهر المقبلة، يؤدي دور عميل سري في فيلم التشويق والحركة Haywire، وسيكون نجم Prometheus الذي وُصف بأنه مقدمة لقصة الفيلم الخيالي Alien.إدمان مدمِّرفي Shame، يؤدي فاسبندر دور براندون، شاب ثري من مانهاتن يعاني حالة إدمان مدمِّرة. تتمتع شخصية فاسبندر بالصفات الجسدية المثالية، لكنها تخشى الارتباط العاطفي وتركّز على العلاقات العابرة. في أحد المشاهد، يرسل فتاة كان يمكن أن تصبح حبيبته (نيكول بيهاري) إلى منزلها بعد أن تبدأ بالتقرّب منه ليتمكن من الاتصال بامرأة أخرى لإقامة علاقة عابرة معها.يسلّط Shame الضوء على سلوكيات التدمير الذاتي ويذكّرنا بأشهر الأعمال التي تناولت مشكلة هذا النوع من الإدمان مثل Requiem for a DreamوDays of Wine and Roses. يقول ماكوين: «صنعتُ الفيلم لأن هذا النوع من الحالات يطبع ثقافتنا ولا أحد يتكلم عن المشكلة. أنا أردتُ التطرق إليها».يجمع Shame بين المشاهد الصادمة المزعجة والصراحة في التطرق إلى المسائل الجنسية، وقد أثار ضجة كبيرة في المهرجانات السينمائية وحاز فاسبندر جائزة أفضل ممثل عن دوره في مهرجان البندقية السينمائي. غير أن صراحة الفيلم في طرح المواضيع فضلاً عن إيقاع المشاهد الهادئة كادا أن يحرماه من جهة إنتاجية بارزة إلى أن اشترت شركة « فوكس سيرتشلايت» (Fox Searchlight) حقوق إصداره (يُذكّر أن هذه الشركة هي فرع من «فوكس للقرن العشرين» (20th Century Fox) التي أصدرت أفلاماً ناجحة غير تقليدية مثل Black Swan وJuno).يتّسم الفيلم بأجواء حالمة ومميزة، مع خصائص بصرية حادة اتفق عليها ماكوين مع المصور السينمائي شون بوبيت. كذلك، يعرض الفيلم مشاهد طويلة جداً، وقد أصبحت هذه الميزة تطبع جميع أعمال ماكوين. ركز ماكوين مثلاً على تصوير كاري موليغان التي تؤدي دور شقيقة براندون الضعيفة خلال خمس دقائق تقريباً فيما كانت تغني نسخة كئيبة عن أغنية «نيويورك نيويورك» (New York, New York).يقول إيان كانينغ، أحد منتجي الفيلم: «يجمع ستيف بين غريزة الإبداع والقدرة على طرح أسئلة مثل: لماذا يحصل هذا الأمر بهذه الطريقة؟ ما الذي يُجبرنا على تنفيذ الأمر بهذه الطريقة؟ لا يقبل جميع النجوم بهذه النزعة غير المألوفة».لم يتفق المخرج والممثل في أول لقائين جمعهما. لكن في اللقاء الثالث، في لندن، تقرّبا من بعضهما البعض حين اصطحب فاسبندر ماكوين في جولة على دراجته النارية. عن تلك التجربة، يقول ماكوين: «كانت تلك اللحظات أشبه بمشهد من فيلم Officer and a Gentleman (الضابط والرجل الشهم}.بعد سنوات عدة، بدأ المخرج وشريكته في كتابة السيناريو آبي مورغان بإجراء مقابلات مع مدمنين على الجنس قبل الشروع بكتابة السيناريو. كما أنهما تعاونا مع كانينغ وإيميل شيرمان (منتجا أفضل فيلم حائز على جائزة أوسكار The King’s Speech). لكن لم تتبلور معالم المشروع قبل إيجاد ممثل يقبل بالدور.قال ماكوين إنه كان يستطيع الاستعانة بممثلين آخرين لأداء الدور الرئيس، لكنه أكد أنه كان لينتظر سنوات عدة للعمل مع فاسبندر في هذا الفيلم. أضاف هذا المخرج الجدي: «مايكل يستطيع التعبير عنا. نحن نرى أنفسنا فيه. فهو يمثل ما نحن عليه. هو أشبه بالمرآة التي تعكس هويتنا».كان فاسبندر وماكوين يحتاجان إلى درجة معينة من المرونة والقدرة على الارتجال في فيلم Shame. كان الاثنان يصوران المشاهد في النوادي في وقت متأخر من الليل. كلّف الفيلم بضعة ملايين الدولارات وصُوّر خلال 25 يوماً فقط، ولم يكن النجم الصاعد مرشحاً للمنافسة على الجوائز.ابتُكر بعض مشاهد الفيلم بطريقة عفوية. عندما وصلت بيهاري (التي تؤدي دور حبيبة براندون) إلى الموقع لتصوير مشهد أول موعد غرامي، اكتشفت أن السطور التي كانت تحفظها لا أهمية لها. أراد ماكوين تجسيد الموقف الغريب والمرتبك نتيجة عدم حفظ السيناريو في مشهد الموعد الأول لإظهار الارتباك نفسه. فقالت بيهاري: «وصلتُ إلى هناك وقيل لي: لن نستعمل السيناريو بل سنرتجل المشهد».في حالات أخرى، كان ماكوين يكتفي بقول عبارة واحدة (يمكنكم ارتجال أي حوار شرط ألا تتحركوا عن الكنبة)، ثم ينتظر لرؤية كيف سيتعامل الممثلون مع الوضع!ختم فاسبندر قائلاً: «يرتفع عدد العاملين في مواقع التصوير الكبرى. لذا تكثر الآراء المتداولة. كنا نعمل على فيلم يكلّف 150 مليون دولار مثلاً وكنا أمام 150 مليون خيار أيضاً. ما كان يمكن أن تكون هذه التجربة أكثر غرابة وتميزاً!».
توابل - Movies
مايكل فاسبندر يكسر القواعد في Shame
10-12-2011