الدولة تنكشف أمام التعليم اليوم وسوق العمل والرعاية السكنية غداً كشفت أزمة القبول الاخيرة في جامعة الكويت اننا كدولة لا نحسن قراءة الارقام، خصوصا تلك التي تتعلق بالمستقبل.فعندما تكون لدينا مخرجات سنوية من التعليم العام معروف عددها سلفا، ولا تجد لها فرصا تعليمية في التعليم العالي يكون صانع القرار قد قصر ليس في مجرد توفير فرص التعليم بل في قراءة الارقام والتعامل مع المشكلة قبل حدوثها، إذ إن معظم التحديات التي تواجه الاقتصاد الكويتي معروفة سلفا، لكن صناع القرار لا يتحركون الا عندما تكبر كرة الثلج وتصبح الازمة واقعا على الجميع.تحديات غير مطمئنةتحديات الارقام التي تواجهها الكويت اليوم لا تتوقف عند مجرد ازمة القبول الجامعي، بل تتعداها الى ازمات ارقام حالية ومستقبلية ابرزها عدم قراءة الارقام القادمة لسوق العمل، مع احتمال ان يبلغ عدد القادمين لسوق العمل خلال 20 عاما ضعف عدد العاملين في الدولة حاليا، وما سيترتب على ذلك من ضغط على الموازنة، فضلا عن ارقام اخرى تتعلق بالرعاية السكنية والتي تناهز اجمالي الطلبات فيها 80 الف طلب، بينما تلبي الدولة سنويا ما بين 3500 و4000 طلب.ولعل الحديث عن الارقام وعدم فهمها او قراءتها سيفتح مجالات اخرى للحديث عن الاختلال بالتركيبة السكانية وخدمات الكهرباء وحتى الامن الغذائي، فهذه كلها مشاريع لأزمات مستقبلية ستكون يوما ما هاجسا حكوميا برلمانيا رغم ان الحل الآن يمكن ان يكون اسهل واقل كلفة اذا اتخذ دون ضغط.التعامل غير المدروسالقرار الذي يتخذ دون ضغط افضل بكثير من ذلك الذي يتخذ في وسط الازمة, ولعل المعالجة الحكومية لأزمة القبول الجامعي المتمثل في رفع الطاقة الاستيعابية لجامعة الكويت قسرا بـ2000 طالب، مع امكانية اضافة 1000 طالب آخر، فضلا عن بقاء 2000 طالب خارج نظام التعليم العالي، دليل على ان الحلول السريعة لا يمكن ان تكون طويلة المدى لاننا سنواجه العام المقبل نفس المشكلة مع عدد من الخريجين لن يقل عن عدد العام الحالي.لذلك, فإن اي حل لازمة القبول الجامعي- او اي ازمة اخرى- لن تكون الا بقراءة صحيحة للارقام, وبناء على الارقام المتوافرة التي تشير الى تخرج 8 الى 9 آلاف طالب سنويا من التعليم العام فان اقل ما يمكن عمله هو الاسراع في انجاز الحلول طويلة المدى الموجودة اصلا في الادراج الحكومية منذ ما لا يقل عن 20 عاما والتي تستوجب بناء جامعة جديدة ورفع ميزانية البعثات الداخلية والخارجية.الشباب والمستقبلإن تشكيل الشباب دون سن 25 عاما نسبة 60 في المئة من المواطنين الكويتيين يجب الا يكون عبئا على الدولة بل بالعكس يجب ان تكون هذه النسبة محفزا اساسيا للنمو الاقتصادي, فكلما زادت نسبة الشباب ارتفعت توقعات الانتاج في اي بلد، الا اننا في الكويت نتعامل مع الشباب ككرة ثلج، فاليوم نعاني الشباب كعامل ضغط على التعليم وغدا على سوق العمل وبعد غد على الرعاية السكنية ومختلف الخدمات الاخرى.إذن, يجب الا يكون تعاطي الدولة بمؤسساتها وسلطاتها خصوصا الحكومة والبرلمان مع الازمات المقبلة بمستوى التعامل مع ازمة القبول الجامعي، فالحلول الترقيعية الوقتية سرعان ما تتلاشى لتظهر بعدها مشكلات اكبر وعلاجها اعقد.معالجة الميزانيةإن الحديث عن الارقام المستقبلية في الكويت يستلزم الحديث مجددا عن آلية اتخاذ وتنفيذ القرار في الدولة، فضلا عن مناقشة الميزانية واختلالاتها الهيكلية، فبشكل عام لا احد في الكويت- خصوصا صناع القرار- يجهل التحديات التي تواجه الخدمات الرئيسية او البنية التحتية، فأزمة الجامعة كمثال يجب ان تكون معروفة سلفا لان الارقام السنوية المحددة للخريجين وكذلك مدى استيعاب التعليم العالي للمخرجات, وحقيقة إن الكويت تعاني ازمة على صعيد اتخاذ او تنفيذ القرار، إذ إن الحديث عن جامعة ثانية في الشدادية مضى عليه نحو 20 عاما، واليوم بدأ العمل الاولي بالمشروع وبوتيرة بطيئة جدا.كذلك عند الحديث عن الميزانية فإن احد اهم الاختلالات التي سئم اهل الاقتصاد ترديدها هي طغيان وتركز المصروفات على الباب الاول من الميزانية، وهو باب الرواتب والاجور (كلفته 7.5 مليارات دينار من إجمالي الميزانية البالغة 19.5 مليارا، و4 مليارات أخرى تذهب لدعم الخدمات والسلع الأساسية) وهو امر يمكن ان تتحمله الدولة حاليا الا ان هذا المبلغ سيشكل ضغطا مستمرا على الميزانية كلما زاد عدد القادمين لسوق العمل او انخفض سعر برميل النفط.ولعل الحديث عن الميزانية والباب الاول يجعل المراقب يقيم السياسات البرلمانية - الحكومية التي جعلت القطاع الخاص اقل جاذبية، فالكوادر المتوالية للعديد من الجهات الحكومية المعروفة بضعف الانتاج جعلت العديد من الخريجين يتجهون الى القطاع الحكومي بدلا من الخاص لأن هامش الراتب بين الكوادر الحكومية والقطاع الخاص بات محدودا ولكن فرق الانتاجية لافت.حكومة تخالف توجهاتهاالمشكلة الحقيقية ان خطط الدولة كلها منذ عام 1991 تحث على توجيه العمالة الوطنية نحو القطاع الخاص، في وقت نرى فيه اغراءات مالية وادارية جمة تصب في مصلحة العاملين في القطاع الحكومي، فضلا عن تسابق نيابي على ارضاء اكبر شريحة ممكنة من الناخبين يقابلها للاسف توجه حكومي نحو ارضاء هؤلاء النواب ليس للاستفادة منهم في مشاريع القوانين التي تتبناها الحكومة بل لكسبهم في اي استجواب او مواجهة سياسية بين الحكومة وخصومها، مع الاعتراف بأن معظم النواب المعارضين والموالين باتوا يطرحون مشاريع شعبوية لا تخدم الميزانية ولا تعالج اختلالاتها.ولعل الحديث عن الارقام, يفتح الحديث عن خطة التنمية خصوصا في ما يتعلق بالتعليم، فمن المعروف في اي خطة تنمية ان الانسان هو حجر الزاوية في اي مشروع تنموي الا في الكويت التي خطة التنمية فيها اقرب ما تكون لتجميع خطط قديمة ووعود بمشاريع بنية تحتية صيغت تحت مسمى خطة التنمية، في حين ان التنمية الحقيقية هي تنمية الانسان وليس هناك اهم في هذا الاطار من التعليم والانفاق عليه، سواء عبر بعثات التعليم العالي او من خلال جامعات جديدة تستوعب خريجي التعليم العام في مؤسسات التعليم العالي.ختاما فإن اي دولة تريد ان ترسم خططها للمستقبل لابد ان تعرف اولا ارقامها كي تستطيع ان تحدد الاحتياجات الضرورية, فكيف ان كانت الارقام تتعلق بالتعليم والشباب الذين باتوا نظرا إلى السياسات الحكومية الخاطئة والاهمال النيابي للاسف عبئا على الدولة بدلا من ان يكونوا عنصر دعم اساسيا للاقتصاد والتنمية في الكويت.- مخرجات التعليم معروفة سلفاً وصانع القرار قصر ليس في مجرد توفير فرص التعليم بل بقراءة الأرقام والتعامل مع المشكلة قبل حدوثها- الشباب يشكلون 60% من المواطنين ويجب ألا يكونوا عبئاً على الدولة بل عامل محفز أساسي للنمو الاقتصادي- تعاطي الحكومة والبرلمان مع الأزمات ضعيف... والحلول الترقيعية الوقتية سرعان ما تتلاشى لتظهر بعدها مشكلات أكبر- الكوادر المتوالية للجهات الحكومية المعروفة بضعف الإنتاج جعلت العديد من الخريجين يتجه إلى القطاع الحكومي بدلاً من "الخاص"
آخر الأخبار
تقرير اقتصادي إنها ليست أزمة قبول جامعي... بل أزمة قراءة وفهم للأرقام
04-08-2011