عساكم من العايدين والفائزين وتقبل الله منكم الصيام والقيام، لمن لا يعرفني شخصياً فأنا أفتخر بأن لدي أختاً صغيرة سناً كبيرة قلماً هي الدكتورة رجاء الصانع كاتبة قصة «بنات الرياض» الشهيرة.ولأني أعمل في المجال الأدبي الطبي تعاطفت مع قصة روتها لي بالأمس حين استضفتها في منزلي على العشاء مع باقي الأسرة، كانت معنا على العشاء أختنا الدكتورة رشا ولا أدري كيف دار الحديث لنصل الى موضوع المسلسلات الرمضانية ودورها في الإصلاح الاجتماعي والسياسي والديني وكيف تكون سيفاً مسلطاً يفترض الأمانة بالقابض عليه ليكون دافعه في عمله متجرداً من أهداف شخصية ويقصد خير المجتمع ككل. وهنا قفزت رشا لتسألني: هل شاهدت مسلسل «بنات سكر نبات»؟ فأجبت بالنفي، فقالت هو بنات الرياض، فسألت كيف؟ فردت رجاء بتنهيدة قوية: لم يكفّ تلفوني عن الرنين يسألني المحررون والكتاب في الصحف عن المسلسل ويطلبون تعليقي فلم أرد أن أعلّق، على رغم محاولة الكثيرين دفعها على التعليق. لقد رأينا اقتباسات من مسلسلات بحيث يذهب الجميع الى المحاكم ويكون على المدّعي أن يثبت أن المسلسل قد اقتُبس من قصّته من دون وجه حق. لكن في هذا المسلسل ليس ثمة اقتباس بل سرقة كاملة للنص كما هو من دون تغيير فالشخصيات نفسها والحوار ذاته لم يتغيّر فيه سوى أسماء الشخصيات وفي النهاية أُجري تغيير بسيط لهدف في نفس يعقوب. لم تعجبني الاستكانة التي رأيتها على وجه الكاتبة فقلت: لم رضيت عزيزتي بذلك وكيف تقبلين؟ فاجأني ردّها حين قالت: بال النزاع طويل مع المؤسسات العملاقة لأنها جبارة وتعرف كيف تجعلك تجري لسنين بأحكام غير قابلة للتنفيذ أو منزوعة من محتواها، فقلت: كيف ذلك؟ فذكرتني كيف أنها لليوم لم تقبض إلا دفعة أولى نتيجة بيع كتابها من خلال الناشر الساقي وكيف حصلت على حكم ضده لكنه استأنفه وسيستمر باستئنافه إلى أن يرث الله الأرض بمن عليها، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، ثم قلت لنفسي: ربما لأنها دار نشر في دولة اشتهرت بعدم احترام حقوق غير أبناء البلد وبالقضاء الضعيف فلدى الأسرة الكثير من التجارب المحزنة في قضايا الأراضي وغيرها يفهم هذا الأمر، أما أن تأتي الخيانة من أبناء وطنك في وضح النهار لمجرد أنهم قد نقلوا قناتهم الى خارج نطاق بلدك فهذا جرح عميق وغائر، الأمر أن القناة المذيعة للمسلسل الرمضاني «أم بي سي» موجودة في دبي وتصوّرت أن مثل هذا الأمر لا يتم بسهولة هناك، فقد سمعنا عن اهتمام دبي بالملكية الفكرية مما مكّنها من احتضان أكبر شركات الحاسب الآلي حماية لها من سرقة براءات اختراعاتها وملكياتها الفكرية وبرامجها. انتهى الموضوع عند هذا وهنا دار في مخيّلتي موضوعان أحدهما أواسي فيه أختي على ما مرّت به والثاني عن خطورة السرقات المعنوية لا المادية وكيف نتغاضى عنها ولا يفترض بنا أن نقبل ذلك، فعن الموضوع الأول أقول: يحدث كثيراً أن يشعر أحدنا بالغبن والظلم فلما يلجأ الى النظام لإنصافه فيعجز وينتصر الظالم أو السارق وهنا قد يزيد في غلوّه ويعقد المؤتمرات أو يصدر البيانات محتفلاً بالنصر الذي حقّق، هو يقول لنفسه: إذا لم أسرق أنا فالقانون قد قال ذلك، وهنا أقول دوماً: الأمور في النوايا ولا يعرفها إلا الله فحين يقطع القضاء لأحدهم فإنه يقطع له قطعة من النار لكن الكثير منا يعتقد أن أمامه الدنيا بأكملها ولعلّه إن شاخ سامحه الله على توبته إن تاب، وهنا أقول إلا المظالم لا تسقط وهذا مقياس العدل الإلهي، فلكل من ساهم في هذه السرقة مباشرة من كاتب وغيره من كادر متّصل بالمسلسل لا يكفي أن يكون وضعك سليماً قانونياً وأن تجتهد كي لا يمسك بك القضاء، لا يكفي فالمقياس الحق الذي نسير عليه كبشر وليس كمسلمين فحسب فهو في كل الأديان هو ألا نكذب ونحن نعرف أن كذبنا في داخلنا، ليست القضية بالهينة فهناك وزر ذلك على ملاك القناة ومدرائها سواء علموا وشاركوا أم لم يعلموا لأن القضية هي قضية منهاج في الحياة، فمن يأتمن السارق ليعمل لديه فقد خان مبادئ هو أجدر أن يحافظ عليها قبل أن يدعو لها فالمدراء والملاك هم خط الدفاع الثاني من هذه المخاطر التي تعودنا أن نقبّل السرقة في طبيعتنا ما دام ليس هناك عين قد سرق نلمسه بأيدينا، على رغم أن ما سرق هو أغلى بكثير حتى مادياً من بعض دنانير قد نقطع يد أحدهم عليها. أما الموضوع الأخير فهو خط الدفاع الثالث وهو الهيئات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، فلهذه أقول واجبكم كجمعيات الكتاب أو الأدباء ألا تنتظروا أن يشتكي الكاتب بل أن تمنعوا وتنكروا مثل هذا المنكر كي لا يصبح ديدن المجتمع وكي لا نتعود الانحطاط في مجتمعاتنا. وخط الدفاع الرابع فهو في الجهات والهيئات الرقابية الحكومية والعالمية فاليوم ما عادت القضايا لتنحصر في دول وهذه قد مكّنت الكثيرين من أن يفروا بأفعالهم فالواجب أن يكون في كل قطر اجتهاد لمنع مثل هذا التصرف، كذلك يجب أن تفعل القوانين الدولية والإقليمية لمحاربة هذا. سبب مقالتي هذه طبياً في حقيقة الأمر هو حادثة حصلت حين كنت أتدرّب مع البروفيسور أورلو كلارك في كاليفورنيا فقد كلّفت بإكمال بحث قد توقّف برحيل الطبيب الذي بدأه وغادر من دون أن يكمله وكان من النرويج، ولأنه أبيض البشرة فلا يشكّ أحد في كتاباته وقد قرأت أول ورقة صدرت عن البحث وحين ذهبت لأقرأ أساسها وجدتها مسروقة وكاذبة في آن فصارحت دكتوري ورئيسي فطلب مني أن أتريّث في حكمي وأن أخاطب زميلنا من كتبها فلعلّه لديه أسباب أو معلومات جعلته يكتب ما كتب، فحاولنا وحين وضعته في خانة «اليك» أقفل هاتفه وإيميله ولم يعد يجيبني فأخبرت دكتور كلارك. ولا أنسى يوم اجتمعت الجمعية العالمية للجراحين فطلب دكتور كلارك الحديث وابتدأ بالقول: نود سحب توصية كتبناها كذباً حماية للبشر ونعدكم بألا تتكرر، فلم يكن هناك تدليس وهذا مستوى الدفاع الثاني الذي ذكرت، في الجمعية العمومية نفسها للجنة وقف رئيس اللجنة ليعلن أنهم اكتشفوا مقالة قد تمت سرقتها بالكامل وهم يعتذرون أنها لم تكتشف قبل النشر وعليها فقد أوقفوا الجراحين الثلاثة الذين نشروها سرقة عن الكتابة وقرروا مقاضاتهم في بلدهم، بعدها بستة أشهر وصلنا الرد من المجلس الجراحي في دولة الجراحين وكانوا ألماناً بإيقافهم عن مزاولة مهنة الجراحة والتدريس لمدة سنتين ووضعهم تحت المراقبة لخمس سنين أخرى عقوبة على السرقة، وجاء في حيثيات القرار أنه يفترض بالطبيب الأمانة وإلا كيف يسمح له بالتعامل مع الأرواح أو تخريج جيل جديد من الجراحين. ما زالت هذه القضايا تحدث قليلاً وأشدّها بحث مختلق بأكمله قد صاغه طبيب بريطاني أوشى به طلبته بعد 10 سنوات من استعمال عقار للأورام ليست له الفاعلية المنسوبة إليه، كثيراً ما أرى من نسخ مقالي ووضعه على النت ولأنه أشار الى مصدره فلا بأس لكني تضايقت حين رأيت ما جلست ساعات أبحث فيه قبل نشره وقد نسبه أحدهم الى نفسه في قطر عربي بعيد. منذ صغري عوّدني والدي رحمه الله أن أقرأ وأستوعب قبل أن أسطر وألا أنقل من دون تحقق، أتذكر كلمة زميل لي كان يقول: الشائعات الطبية دمار فما قد كان اجتهاداً خاطئاً لأحدهم قبل مائة سنة ستستمر في رؤيته كحقيقة علمية ما دام هناك الناسخون الذين يكترثون لوضع أسمائهم على مقالة فحسب ليقال قد نشروا. يحدث كثيراً ألا أجد ما أكتب أو أراه مفيداً فعندها أغيب عن مدونتي فالعذر والسماح إن قصرت وأعدكم ألا أقتبس من دون إشارة أو ذكر للمصدر وأن أتحرى الرقابة الذاتية في النشر فقد لا تكتشفون كذبي لكن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وآخر الكلام أقول لكل من سرقت حاجته دع سلواك تكون أن السارق لا يفوز دنيا أو آخرة حتى لو تخيل واختال بفوز مزعوم وأنه لا يغفر لمن لا يعترف بالتقصير أو الظلم حتى لو دفن رأسه كالنعام فذلك لا يفيد، وأعتذر لحدة المقالة وأعتذر أني نشرتها من دون أخذ إذن لا من أهلي ولا خصومهم.
توابل
السرقة الأدبيَّة والعلميَّة بنات سكر نبات أو بنات الرياض
04-09-2011