تفتتح غاليري «أيام» في بيروت في الثامن من الشهر الجاري معرضاً فردياً للفنانة التشكيلية الأردنية أسماء فيومي بعنوان «الشخص من الداخل»، بحضور الفنانة يوم الافتتاح وخلال الأسبوع الأول من المعرض.بوصفها أحد أركان المشهد الفني في العالم العربي منذ ستينيات القرن الماضي، اشتهرت فيومي على نطاقٍ واسعٍ بتصويرها التعبيريّ لنساءٍ وأطفالٍ وسط عوالم غامضةٍ وساحرة. وتعدّ الآن أحد أهم الأسماء التي استخدمت الأسلوب التعبيري في الرسم. ومن خلال استخدام تمثيلات الأمومة كمدخلٍ لاستكشافاتٍ أرحب للحب والفقدان والبقاء، فهي تشكّل غالباً عالما مشوشا تضفي فيه على شخصياتها بالألوان وضربات الفرشاة بوصفها دلالات رمزية. كذلك تعكس موضوعاتها المنبثقة من بين طبقات الطلاء إحساسًا بالاضطراب، فضربات فرشاتها المنفذة بسرعةٍ تنمّ عن طبيعة محمومة، إضافة إلى أنها تقطع اللوحة بخطوط كجروح تحت وطأة الألم.نرى خطوط الفنانة عريضة في أماكن ودقيقة في أماكن أخرى، أو نحسّ بصراحة اللون عبر تركيزه وسماكته، أو نجده خفيفاً بقوامه فتظهر من خلاله التأثيرات والألوان التي تستقرّ تحته ضمن شفافية تخفي جمالياتها وقيمها.وكل جزء من لوحات فيومي ابن اللحظة التي تعيشها، على أن تصميم العمل الداخلي يخضع لنظام يختلف بين لوحة وأخرى ويشكّل التشخيص أساساً له، فتحيط به في بعض اللوحات عناصر متجاورة مبنيّة من دون رتابة تتداخل مع الأشخاص، وهي تحضر لوجود خطوط رأسية تخترق السطوح في معظمها وتؤلف جزءاً من آلية التكوين في الأعمال كافة، حتى التي يتصدّرها الوجه الواحد والذي يتجاوز حدودها في البعض كما ذكرت.مجموعةيقدّم معرض «الشخص من الداخل» مجموعة منتقاة من الأعمال تغطي فترة تمتد من عام 2008 إلى يومنا، كأنه يسجّل عرضاً زمنياً للسنوات الأخيرة من عمل الفنانة التي تسلّط الضوء على موضوعات استبطانية وكونية في الوقت نفسه. وتعكس آخر أعمالها، المنتجة في مطلع هذا العام، مشهدية أوسع لمؤسسة الأسرة. ومن خلال تأثرها المتواصل بالأحداث الجارية والمجال الاجتماعي/ السياسي، فقد حافظت فيومي في أعمالها على ارتباط وثيق بمحيطها. إذ نجد في آخر لوحاتها نساءً ورجالاً يسعون إلى تأمين ملاذ لأطفالهم يحميهم من بيئة متجهّمة، فوجوههم الضخمة تحمي الأجساد الضئيلة من المجهول.سيرةاستهلّت أسماء فيومي، المولودة في عمّان بالأردن في عام 1943، مسيرتها الفنية من مدرسة الفنّ التجريدي بتوجيه الفنّان والمعلّم الإيطالي غيدو لاريجينا. وبوصفها خرّيجة كلية الفنون الجميلة في دمشق، عملت إلى جانب زملائها الرسامين الكبار كأسعد عرابي وفائق دحدوح وصخر فرزات أثناء فترة حاسمة في المشهد الفنّي الشرق الأوسطي، حين أبدت مدارس الحداثة للمرّة الأولى انتقالاً تدريجياً نحو أنماط معاصرة، وحرّض المناخُ السياسي المشحون الفنانين على إطلاق نداء التغيير الاجتماعي.أقامت فيومي حتى اليوم حوالى 15 معرضاً، ومرت منذ معرضها الفردي الأول عام 1966 في صالة «الفن الحديث» العالمية، بتجارب التشكيل الواقعية ثم التجريدية إلى أن عجنت التعبيرية لوحاتها بقوالب حداثية، وقريباً من المعاصرة رسمت وجوه نساء (أمهات، عاشقات، جدات مباركات) ممسكة بالتقنية واستلهام وجود الآخر- الإنسان على حد سواء، واضعة المرأة في الوضعيات كافة (الحالمة، الحامل، أو على أنها تحمل طفلها، أو باقة وردها). وقد عرضت أعمالها في عددٍ كبير من المعارض الفردية والجماعية داخل الأردن وخارجه، كذلك اعتُرِف بها بوصفها رسّامة مهّدت الدرب أمام الأجيال اللاحقة من الرسامات في العالم العربي.ومرّت تجربة فيومي بتحوّلات ملموسة، بدأت بالتجريد، ثم انتقلت إلى التشخيص لتنقل هموم الوطن وقضاياه، واستقرت أخيراً في سياق أسلوب واضح يمزج بين التجريد وتداعيات الذاكرة، ففي أعمالها الأخيرة تضعنا أمام مساحات لا تخضع لقوانين الفن الصارمة، بل تشاكسها وتتحرّك على هواها وفق إيقاع داخلي ناظم، تبعثه انفعالات الريشة وقلق الخطوط واحتدام الألوان، كي يتّسع الأفق أمام الأنا المحاصرة بالذكريات والأحداث، فتغدو قادرة على التأمل والحب والبكاء والصراخ وإثارة الأسئلة...يستمر المعرض من 8 سبتمبر الجاري إلى 15 أكتوبر المقبل.
توابل
لوحات أسماء فيومي في أيام بيروت... الشخص من الداخل تحت وطأة الألم
04-09-2011