أؤيد تفسير المرأة للقرآن مادامت قادرة وتلتزم الضوابط

عاش في رحاب القرآن الكريم وخدمته ما يزيد على ثمانين عاماً فقد حفظه صغيراً في كتّاب قريته بمحافظة سوهاج، ودافع عنه شاباً وكبيراً، ومازال يعيش في ظلاله، إنه الداعية الإسلامي المعروف، مقرر لجنة القرآن الكريم بمجمع البحوث الإسلامية بجامعة الأزهر الشيخ محمد الراوي، الذي عرف عنه الجرأة في قول الحق وأنه لا يخشى في الله لومة لائم ولا يخضع لسلطان إلا سلطان الحق عز وجل، ولشدة خوفه من المولى سبحانه وتعالى ورغم علمه الغزير فإنه لا يتصدر للفتوى، بل يقول إن كثرة الفتاوى مع عدم التخصص دليل على كثرة العيوب.

Ad

«الجريدة» التقت الشيخ الراوي وعرضت عليه كثيرا من القضايا المرتبطة بهموم الأمة وبالقرآن الكريم في سياق الحوار التالي:

• هل الأمة اليوم تعيش مرحلة «الغثائية» التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه المطول؟

هذا صحيح الأمة اليوم تعيش أضعف مرحلة لها في تاريخها منذ ظهور الإسلام، فالمسلمون اليوم يزيد عددهم على المليار وثلث المليار مسلم، وعلى الرغم من ذلك فهم في مؤخرة الأمم وأضعفها نتيجة الفرقة والتشرذم التي ضربت الأمة في مقتل، ويصدق فينا اليوم بالفعل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:

3805 حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثنا ابن جابر ، حدثني أبو عبد السلام ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن» ، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت»، وهذا هو الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم الذي يفرض على المسلمين جميعًا للخروج من هذا الوضع أن يتوحدوا، وأن يوحدوا صفوفهم، لأن الله سبحانه وتعالى يأمرهم بذلك، وأن يعتصموا بحبل الله جميعًا وألا يتفرقوا، ويجب أن يعلموا أن هذا الأمر فرض عليهم، فليس لهم أن يأخذوا به أو يتركوه، فإن الفرقة مدمرة والتنازع يغري العدو بالتكالب على أمة الإسلام ويحقق للأمة الإسلامية الفشل وذهاب الريح، وهذه الأمور من استغلال العدو لضعفنا لا يجب أن تضيع عن ذهن صغير أو كبير أو حاكم أو محكوم، وأقولها بكل صراحة إن واقع المسلمين في تفرقهم وتفريطهم هو سبب هزائمهم، وأن طوق النجاة وسر النصر يكمن في التكاتف والوحدة والوعي بما يحاك ضد الأمة من مؤامرات.

• ما التغيير المطلوب إلى جانب الوحدة لكي تعود للأمة الإسلامية عزتها؟

أمتنا تحتاج أن تكون في توادها وتعاطفها كمثل الجسد الواحد، ومن يسعى لتمزيق هذا الجسد يريد لهذه الأمة كلها أن تتعفن، لأن الجسد إذا قطع لا تستطيع اليد أن تعمل ما خلقت له إلا بالتماسك بالجسد كله، وأنا شخصيًا لا أعرف أحدا قطع يده ثم أرسلها لتأتي له بشيء، ولذلك فإن الأمر الواقع يحتاج الى تغير وتغيير، تغير بالأنفس وتغيير ما يجب تغييره لإصلاح هذه الأمة، ولابد أن يطول هذا التغيير الأفراد والمؤسسات، وعلى العلماء والدعاة أن يقوموا بدورهم في هذا التغيير جهادًا وصدق كلمة ووفاءً لله في نجدة المظلوم والأخذ على يد الظالم، وألا تكون الفتاوى الجزئية في أمور فرعية يتسع المجال فيها لخلاف الآراء، بل يجب أن تكون الفتاوى متوجهة بعزم أكيد إلى جمع الكلمة للجهاد الواسع في كل ميدان من ميادين الحياة.

•  من وقت الى آخر تظهر هجمات جديدة على القرآن الكريم، سواء من الداخل أو من الخارج، فكيف تنظر إلى هذه الهجمات؟

نعلم جيدا أن أعداد الحاقدين على الإسلام تزداد يوما بعد آخر، فمنذ أن أنزل القرآن الكريم وأهل الجحود يهاجمونه، فقالوا «لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه لعلكم تغلبون»، فإذا بالقرآن ينتصر عليهم لأنه محفوظ من الله تعالى لقوله عز وجل» إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، ولو اجتمع أعداء الإسلام مجتمعين لعجزوا عن النيل من القرآن والدين، فالقرآن الكريم يفرض نفسه على الإنسان، فنجد الطفل يحفظه في سن 5 سنوات وأقل من ذلك، وحملات الهجوم على القرآن الكريم قديمة متجددة، ولكنها لن تنال منه أبداً حتى في ظل هوان المسلمين على أنفسهم وعلى العالم لأنه محفوظ من الخالق عز وجل.

• يشاع عن الشيخ الراوي أنه قليل الظهور، ولا يحب مخالطة الناس، فما السبب في ذلك؟

هذه ليست إشاعة وإنما حقيقة مجردة، فأنا أحب تجنب كثرة مخالطة الناس في أيام الفتن، لأني لا أحب أن يأتي الشخص بالاشاعة ويسمعها لغيره، ولذلك قليل جداً ما أقضي وقتاً بعيداً عن البيت، كما أنني تعلمت كيف أواجه المواقف بحكمة حتى لا أقع في الخطأ، وفي الوقت نفسه أرضي الله عز وجل، وكذلك أرفض أن يكون لي فتاوى لأن كثرتها دليل على كثرة العيوب، وتوقع صاحبها في الهلاك إن أصابت ضرراً.

• بصفتك مقرر لجنة القرآن الكريم في الأزهر، ما رأيك في تعدد تفسيرات القرآن، كما ظهر أخيرا التفسير النسائي له؟

نحن لا نرفض تفسير المرأة للقرآن الكريم ما دامت قادرة عليه وتلتزم بالضوابط، فأي عمل يخص القرآن الكريم يخضع لمراجعة دقيقة جداً ولن يوافق عليه إلا بعد مراجعته حرفاً حرفاً وكلمة كلمة ويكون بموافقة العلماء المتخصصين في علوم القرآن والتفسير، وبالتالي فإن المسلم يجب أن يطمئن إلى أي مؤلف تمت الموافقة عليه من مجمع البحوث الإسلامية ولا يتردد في قبول ما تضمنه هذا المؤلف، فهذا دليل على صحوة المرأة والقرآن الكريم ساوى في خطابه بين الرجل والمرأة في سائر التكاليف الشرعية وعلى رأس هذه التكاليف تعلم العلم النافع ونشره والقيام بمهمة الدعوة وتوعية المسلمين بحقيقة دينهم.

• من وجهك نظركم، ما الدور الذي رسمه الإسلام للمرأة وحقيقة ما يقال عن أن الإسلام همش المرأة وقلل من مكانتها؟

الحديث عن المرأة ومكانتها في الإسلام يستلزم الوقوف طويلا أمام ما تضمنته سورتان عظيمتان في القرآن الكريم وهما سورة النساء الكبرى وهي «سورة النساء» وصغرى وهي سورة «الطلاق»، فالسورتان تمثلان منهجية الإسلام في التعامل مع قضايا النساء حتى إنني أعتقد أنه من أوجب الواجبات على هذا الجيل الذي يشن على دينه الهجوم من بوابة حقوق النساء ومكانتهن والدور المناط بهن أن يتدبر جيدا ما في هاتين السورتين العظيمتين من أحكام، حيث سنجد المكانة الكبيرة التي أولاها الإسلام للمرأة، واهتمامه بها وكثير من هذه الأحكام متعلق بأهمية رعايتها والحفاظ عليها، فالحفاظ عليهن يعد حفاظا على الكرامة والمروءة والشرف والعفة، ثم هو يمنحها الدور الكامل للتحرك في الحياة بل والتفوق فيها بشرط واحد، وهو الصيانة من الابتذال والسقوط والضياع والحفاظ على أمن واستقرار الأسرة حيث لا معنى للأمة الإسلامية ولا بقاء لها إذا تم تحطيم مؤسسة الأسرة فالسير في الحياة بشرع الله عز وجل صيانة من ذل الدنيا وضياع الآخرة.