امتازت الحضارة الإسلامية بالعديد من الفنون التي ظلت حكرا على أهلها، ومن أبرز تلك الفنون كان استخدام الخط العربي كأداة جمالية متفردة بذاتها، ونبغ الكثير من أشهر الخطاطين في العصور الإسلامية إلا أن ابن البواب يظل مع قرينه ابن مقلة القمة في إبراز جماليات الخط العربي في رشاقة وانسيابية.

ولد أبو الحسن علي بن هلال غالبا في مدينة بغداد في منتصف القرن الرابع الهجري- العاشر الميلادي، لأب يعمل بوابا في قصور الخلافة، ومن هنا عرف بابن البواب كما عرف أيضا باسم «ابن الستري» وهو ما يحمل نفس الدلالة.

Ad

وتلقى ابن البواب علوم العربية على يد أبي الفتح عثمان بن جني اللغوي الشهير، ودرس الخط على يد محمد السمسماني ومحمد بن أسد الخطاط، وفي رواية أخرى يقال إنه تعلم على يد ابنة ابن مقلة (أبرز الخطاطين قبل ابن البواب) ومما يروى عنه أيضا أنه نسخ ألف نسخة ونسخة من القرآن الكريم بخط يده.

عمل ابن البواب في بداية حياته كمزوقا للبيوت (نقاش)، ثم عمل بزخرفة وتصوير الكتب، ثم تخصص في فن الخط. وقد برع في هذا الفن فتميز على من سبقه وبهر من جاء بعده. لكن الخط لم يكن مهنة ابن البواب الوحيدة فقد كان يعظ بمسجد المنصور ببغداد، فقد كان ملازما للواعظ الشهير ابن سمعون ومنه تعلم فن الوعظ، كما كان شهيراً بتأويل الرؤيا، له في ذلك إصابات عجيبة وشهيرة.

وترجع شهرة ابن البواب الخالدة إلى اتقانه الخط الذي انتشر لما يقرب القرن وقد استخدمه الوزير والخطاط الشهير ابن مقلة المتوفى 328هـ/939م. وقد تولى ابن مقلة الوزارة ثلاث مرات في عهد الخلافة العباسية. ويحكى أن الخليفة الراضي قد غضب عليه وأمر بقطع يده. لكن ابن مقلة أصر على ألا يؤثر هذا التشويه على قدرته الإبداعية كخطاط فربط قلما إلى ساعده واستمر في الكتابة ليضع تصورا لخط جديد جاء ابن البواب من بعده ليحسنه ويطوره فكان الخط المنسوب الذي صار أشهر الخطوط المستخدمة طيلة قرنين كاملين تاليين، وقبل أن تنتشر طريقة ياقوت. وتُوفي ابن البواب في عام 413هـ/1022م ودفن بالقرب من مقبرة أحمد بن حنبل، بمدينة بغداد.

وقد أثنى عليه علماء زمانه وسلموا إليه راية الكتابة والخط، وطريقته في الخط ما زالت هي الأشهر والأروع بين الناس، وأصبح يضرب بخطه المثل على مر الأيام، حتى عده الذهبي من أكتب هذه الأمة، ولقبه بـ»ملك الكتابة»، في حين وصفه ابن الفوطي بـ»قلم الله في أرضه».

ولم يكتف ابن البواب بالكتابة العملية بل شرح أدوات الكتابة المستخدمة وجماليات الخط العربي في منظومته المعروفة بـ»رائية ابن البواب في الخط والقلم»، وهي تعد دستور الكتابة وفنون الخط العربي.