يعد ثابت بن قرة واحداً من كبار علماء الإسلام الذين أسدلت عليهم ستائر النسيان، فهو أحد علماء الصف الأول في الحضارة الإسلامية في علوم الفلك والهندسة والرياضيات، ولو لم يأت إلا بحسابه لعدد أيام السنة الشمسية لكفاه، إلا أن التاريخ ظلمه فلم يعد يلقى ما يستحقه من عناية واهتمام بتراثه العلمي الفذ.

ولد أبو الحسن ثابت بن قرة في سنة 221هـ/ 836م، في مدينة حران (جنوب شرق تركيا)، نبغ في العلوم خصوصا في الفلك حيث كان لقاؤه مع العالم الكبير الخوارزمي الذي أعجب بعلم ثابت فقدمه إلى الخليفة المعتضد، وهو لقاء وفر لثابت بن قرة دعما ماليا مكنه من التفرغ للعلم، فقد أصبح نديم الخليفة وصديقه المقرب وكبيرا لفلكي حاضرة الخلافة وكبيرا لأطبائها، وفي مدينة الرقة أسس مدرسة للعلوم تخرج منها طائفة من كبار العلماء أمثال البتاني.

Ad

أتقن ثابت عدداً من اللغات القديمة على رأسها السريانية واليونانية فاطلع على العلوم القديمة بلغتها الأصلية وأشرف على حركة ترجمة قوية مدت العلوم الإسلامية بالعديد من الكتب في مختلف فروع العلوم ومهدت للنهضة العلمية التي شهدتها ربوع العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري. فإليه ينسب الفضل في تعريف المسلمين بعلماء الأغريق كإقليدس وبطليموس وأرشميدس، كما أنه صاحب الفضل في تخليص الترجمة العربية من ركاكتها وضعفها فقد كان المترجمون من قبله يعتمدون على الترجمة النصية الحرفية ما يؤدي إلى استغلاق الفهم وصعوبة الاستفادة من الترجمة، فجاء ثابت فنقل الترجمة من صورتها تلك إلى الترجمة التعبيرية التي تعتمد على فهم المترجم ونقل الفكرة في أسلوب بسيط سهل ما جعل ترجماته للكتب عنوانا لفصل جديد في الثقافة العربية الإسلامية.

ولثابت بجوار إسهامه بنصيب وافر في مجال الترجمة ابتكارات مهمة في الهندسة التحليلية التي تطبق الجبر على الهندسة، حتى لقب بـ»إقليدس العرب» كما عده المستشرقون أعظم علماء الهندسة المسلمين فهو من مهد لإيجاد علم التكامل والتفاضل، كما استطاع أن يحل المعادلات الجبرية بالطرق الهندسية، وتمكن من تطوير وتجديد نظرية فيثاغورث، وكانت له بحوث عظيمة وابتكارات رائدة في مجال الهندسة التحليلية، كما يعزى إليه تقسيم الزاوية ثلاثة أقسام متساوية بطريقة تختلف عن الطرق المعروفة عند رياضيي اليونان. كما قام بتقسيم الأعداد إلى الأعداد الزوجية والفردية، كما قسم العدد نفسه إلى أنواع ثلاثة: العدد التام والعدد الناقص والعدد الزائد، وأوجد طريقة سهلة لاستخراج الأعداد المتحابة، وهو يعد أول عالم بعد الصينيين بحث في المربعات السحرية وخصائصها.

وتوفي ثابت بن قرة بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء في مدينة بغداد سنة 288هـ/901م، وترك خلفه ثروة لا تنتهي من الكتب التي أودعها خلاصة فكره، منها كتاب الذخيرة في علم الطب الذي أبدى فيه اهتماما بالأمراض الجلدية، وطرق علاجها بوسائل تجميلية، كما أبدى اهتماما زائد بالأمراض الجنسية وأمراض النساء التي توصل فيها إلى العديد من الآراء المبتكرة، كما استطاع أن يشخص السكتة والصرع ويفرق بينهما.