مع اقتراب حلول شهر رمضان الفضيل تتصارع القنوات التلفزيونية الفضائية على جلب المشاهدين، ومن خلفها المعلن التجاري عبر عرض نماذج من برامجها ومسلسلاتها الدرامية، ومنذ أسابيع وأنا أتنقل بين القنوات الفضائية لأشاهد المبدعين الكويتيين في الدراما والبرامج الدينية وبرامج المنوعات والمسابقات يتصدرون «البروموشنز»، فأجد أبناء هذه الأرض الصغيرة بمساحتها يملأون ساحات الإبداع الكبيرة بعطاءاتهم اللامتناهية، فأحس بالفخر لأن الكويت رغم كل ما مر عليها من محاولات محو وجودها وتخريب ريادتها لم يخب نجمها ولم يتراجع دورها كمنارة للتمدن والإبداع والحضارة.

Ad

كم هو جميل أن تنتمي إلى الكويت التي يتلألأ أبناؤها بالفنون والآداب، لترى استمرار سعد الفرج وحياة الفهد وسعاد عبدالله في مشوارهم في الإبداع الفني المستمر ما يقارب الخمسين عاماً، وهم من أسسوا الدراما الخليجية مع زملاء آخرين لهم، ولتتابع رمز مستقبل الدراما الخليجية العملاق خالد أمين وفنانة الواقعية الخليجية إلهام الفضالة، وملك المسرح الكوميدي الخليجي طارق العلي وغيرهم كثراً ممن رعتهم وصقلتهم هوليوود الخليج (الكويت) التي خلقت روح الإبداع والفن الخليجي، والذي لولاه لكنا مجتمعات متصحرة، لأن شعباً بلا فنون هو شعب ميت وبلا مشاعر.

هذا الشعور بالفخر والنشوة بإبداعات أبناء بلدي، يجعلني متأكداً أن وجود الكويت يمثل وظيفة مهمة للإقليم، ويحمل رسالة ذات مضمون حضاري لمنطقة الخليج مفادها التنوع والتعايش بين ثقافات وعقائد مختلفة تمثل قيمة حضارية، بعيداً عن التعصب والغلو، ولذلك فإنه رغم سطوة قوى التزمت وتحالفهم مع قوى نافذة وإمكاناتهم المالية الجبارة على مدى أكثر من ثلاثة عقود فإنهم لم يتمكنوا من قتل طبيعة ودور الكويت، وستمر حقبتهم مهما طالت لتعود الكويت إلى طبيعتها المنفتحة والمتفاعلة مع العالم وثقافته وحضارته لتأخذ منها وتقدم إلى محيطها والعالم إسهاماتها في الحضارة الإنسانية، ولذلك فإنني كلما شاهدت وتابعت مزيداً من الإنتاج الفني الكويتي المميز، وتابعت برنامجاً لداعية كويتي معتدل ومتنور رددت: الله... الله عليك يا الكويت.

***

رغم أنني مع حرية الإبداع والإنتاج الدرامي، لكن هناك حالات لمسلسلات تتناول مظاهر اجتماعية وأخلاقية شاذة ونادرة تنال من المجتمع الكويتي ولا تصلح للعرض في رمضان الذي تتجمع فيه الأسرة بمختلف مراحلها السنية أمام جهاز التلفزيون، وهو أمر شائن ولا يمثل أي إبداع بل محاولات للإثارة الرخيصة التي يجب منعها، وهناك أيضاً يتداول المعنيون بالدراما والمنتجون معلومات عن وجود جهات خارجية تمول بمبالغ ضخمة منتجين محليين جدداً لإنتاج مسلسلات تعتمد على الإثارة الشاذة وتصور انحرافات معزولة من سحر وعلاقات محرمة على أنها ظاهرة منتشرة في البلاد، وتتضمن كذلك السخرية والتهكم على انفتاح وتعددية المجتمع الكويتي.