أسرت لي قريبتي بأن أعراضاً انتابت زوجها وجعلت منه شخصاً آخر، ورغم حزنها وتوترها فإنني لم أمنع نفسي من الابتسام، لأنني عرفت أن زوجها يعاني متلازمة عصفور "تويتر" الزرقاء، وهي علامات تظهر غالباً على متعاطي "تويتر" بغض النظر عن العمر والجنس والمهنة أو درجة الثقافة والتعليم، فكلهم في فضاء "تويتر" سواء أو بمعنى أصح ضحايا.

Ad

إنها علامات، كفاكم الله شرها، تشبه علامات التوحد، تجعل المرء غارقاً في شأنه الخاص، منعزلاً عما حوله، لا يبدي اهتماماً أو حرصاً على مشاركة من حوله، ولو فعل فإنه سيعاني قلة التركيز وسيتحرك بؤبؤ عينه سريعاً مهما بذل من جهد للتركيز في عيني محدثه نحو مكان آخر، وتعتريه حركات لا شعورية تجعله يطل كل ثانية في هاتفه المفتوح على خدمة استقبال رسائل "تويتر" أو كمبيوتره المحمول.

أنا شخصياً عانيت هذه الأعراض في بداية استخدامي لتويتر لكن مسؤولياتي تعاندني وتحول بيني وبين هدر الوقت أمام هذا العالم الافتراضي، لكن كثيرين يتوفر لديهم الوقت بحيث يصبح هدره أمام شاشات "تويتر" الصغيرة أو الكبيرة نعمة كبيرة يتمرغون في نعيمها ليل نهار أو لديهم ضعف مميز تجاه التحكم في مصيرهم. بعد أن سمعت شكوى قريبتي هذه وبحس الباحث الذي يحب جمع المعلومات من مصادر أكثر تعدداً طرحت سؤالاً وربطته في فم عصفور "تويتر" وأطلقته تجاه شعب "تويتر" العظيم مفاده: ما هي آثار تعاطي تويتر؟ وكما يقول عادل إمام "وعينك ما تشوف إلا النور" أقول و"عينك ما تشوف إلا تويتر"، فقد ارتفعت صيحات مرضى "تويتر" عالية تئن وتشتكي ولو عرضتها على قريبتي لحمدت الله على مصابها وآمنت بأن زوجها لا يزال بخير.

كما قلت إن الآثار التي شكا منها متعاطو تويتر لا تتركز في عمر دون عمر، وأكثر ما أثار فزعي هو قول رجل ناضج حكيم إن واحداً من آثار تعاطي تويتر لديه تتركز في بحثه عن الإشارات المرورية الحمراء أو الشوارع المزدحمة وطبعاً المعنى واضح لأن هذه الدقائق توفر له متعة الطيران مع عصافير تويتر، والآخر يقول إن متعاطي تويتر لا يسمعك حين تناديه وبعد دقيقة يرد عليك قائلاً: ماذا قلت؟

قلة النوم، الأرق، الاستيقاظ نصف الليل والنظر في الشاشة، إنه ينام وهاتفه في الشاحن دائماً، كلها أعراض غرامية شديدة التعلق والوجد بهذا العالم الجديد، عالم يقال إنه افتراضي وأكثر أوجاعه أن صاحبه يعتزل العالم الحقيقي الذي حوله والناس الذين يعنيهم أمره وينغمس في عالم لا يعرف أهله، وليس متأكداً أنهم ممن يعنيهم أمره.

كالعادة، نحن الخليجيين المتمتعين بارتفاع القدرة على الشراء، أكثر من يعانون ارتفاع الأعراض الجانبية لاستهلاك التقنية الجديدة، فهي تزيد خرابنا خراباً، لأنها على ما يبدو تقع في مجتمع لا تعنيه قيمة الوقت ولا متعة الإنجاز والعمل، ولا يتعاطى مع محتوى فكري متعدد بل محتوى مؤدلج، إنه الخير وغيره الشر، حسم قناعاته وانتهى غير مستعد للتعلم بل يعتبر نفسه غازياً، وكل له هدف من هذا الغزو، الشباب يغازل في عالم الشابات، والإسلاميون يريدون السيطرة على عقول الشباب وتوجيههم، والبقية الضعيفة تنشر أفكاراً حرة متوقعة أن عالم تويتر حر وبلا رقابة فتنقض عليهم كتائب ملثمة بأسماء مستعارة جندت نفسها للرد على الغزو الليبرالي أو المخالف أقلها تقول له "كل تبن".