الكويت عاصمة المشاريع المتعثرة

Ad

تعتبر الكويت حسب الإحصاءات الصادرة من البنوك ومراكز الدراسات والاستشارات "أبخل" دول الخليج إنفاقاً على مشاريع البنية التحتية، وتصل نسبة تنفيذها للمشاريع 7.5 في المئة مقارنة بدول مجلس التعاون.

فجأة... أعلنت وزارة الأشغال والإدارة العامة للطيران المدني عزمهما البدء في تنفيذ مشروع المطار الجديد في عام 2013 ليتم الانتهاء منه في عام 2016 وبتكلفة إجمالية تبلغ 900 مليون دينار.

بالطبع، يمكن أن يُصدق إعلان كهذا في أي دولة بما فيها دول الخليج إلا الكويت، لأن هذه الأخيرة تستحق لقب عاصمة المشاريع المتعثرة التي يعود بعضها الى منتصف ثمانينيات القرن الماضي ولم ينجز أو حتى يبدأ العمل فيه حتى الآن.

فمن مشروع المدينة الجامعية الذي اعتمد عام 1985 ويتوقع الانتهاء منه في عام 2020 (...) الى مشروع ميناء بوبيان "مبارك الكبير" الذي اعتمد عام 2004 ولم يبدأ العمل فيه حتى الآن الى مجموعة متنوعة من مشاريع البنية التحتية كالدائري الاول (1989) وجسر الصبية (1988) ومستشفى جابر (2003) وتطوير فيلكا (2003)... كل هذه المشاريع وتعثراتها تشير الى ان الحديث عن انجاز مشروع المطار الجديد في 2016، بل مجرد البدء فيه عام 2013 ضرب من الخيال.

فالكويت تعتبر حسب الاحصاءات الصادرة من البنوك ومراكز الدراسات والاستشارات، "أبخل" دول الخليج انفاقا على مشاريع البنية التحتية، فتكلفةمشاريع البنى التحتية والبناء ومشاريع النفط والغاز قيد التنفيذ وفي مرحلة التخطيط في دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 1.86 تريليون دولار أو ما يعادل 171 في المئة من الناتج الإجمالي لدول الخليج لعام 2010 البالغ 1.08 تريليون دولار.

واستحوذت كل من السعودية والإمارات على نصيب الأسد من تلك المشاريع بقيمة 664 مليار دولار للأولى و643 مليار دولار للثانية، اي بنسبة 70 في المئة. أما الكويت فقد تذيلت القائمة بمشاريع قيمتها 140 مليار دولار بنسبة 7.5 في المئة متخلفة عن القائمة الخليجية في الانفاق على المشاريع التي هي اصلا مشاريع قيد التخطيط، بل قد يتعذر تنفيذها.

فشل حكومي

الفشل الحكومي في البنية التحتية لا يقتصر على الارقام والبيانات المالية او التعثر في تنفيذ المشاريع الحيوية فحسب، بل بلغ الامر مستوى ملامسة سكان الكويت لمشاكل تعطيل البنية التحتية بشكل يومي من خلال الازدحام المروري الخانق في الفترتين الصباحية والمسائية، فضلا عن سوء تنفيذ المشاريع كما حدث في محطة مشرف.

ومن نماذج الفشل الحكومي، التأخير في تنفيذ مشروع محطة الزور الشمالية التي ارتفعت تكلفتها من 200 مليون دينار في عام 1998 الى مليار دينار هذا العام في وقت تعيش فيه الدولة منذ نحو 5 سنوات ازمة طاقة كهربائية خلال فصل الصيف مما يعني ان الفشل في هذه المحطة مزدوج على صعيدي البناء والخدمات.

وحسب تقارير مالية متنوعة فإن المصروفات العامة للكويت بين عامي 2000 و2010 بلغت 92 مليار دينار اي 320 مليار دولار، منها 82 مليار دينار (286 مليار دولار) كمصروفات جارية تتضمن الرواتب والمستلزمات السلعية والخدماتية والمصروفات المختلفة بما يعادل 89 في المئة من المصروفات العامة.

ووصلت قيمة الإنفاق الرأسمالي على المشاريع خلال نفس الفترة ( 2000 - 2010 ) إلى 9.7 مليارات دينار اي 33.8 مليار دولار، أو ما يعادل نحو 11 في المئة من إجمالي المصروفات العامة خلال الفترة المقارنة.

اختلال هيكلي كبير

بالطبع، إن هذه الارقام تدل على اختلال هيكلي كبير في الميزانية العامة للدولة لأن نصيب الاسد من الانفاق يتجه نحو الإنفاق الجاري "كالرواتب"، وليس الإنفاق الرأسمالي "كالمشاريع" وهذا وضع يصعب تحفيز النمو أو الرواج الاقتصادي.

وتشير البيانات المجمعة لميزانية دولة الكويت الى ان الفائض المالي التراكمي منذ 2000 الى 2010 ناهز 49 مليار دينار وهو مبلغ ضخم على الادارة الحكومية أن توظفه في مشاريع بنى تحتية وخدماتية حقيقية تدر عائدات للدولة بقدر ما توفر خدمات للسكان من مواطنين ووافدين، فعدد السكان البالغ اليوم في الكويت 3 ملايين نسمة مرشح للارتفاع بمقدار الثلثين الى 5 ملايين نسمة في 2030 وهو امر يصعب التعاطي معه في ظل التدهور المستمر في الخدمات العامة.

المشكلة ان الحكومة بل وحتى مجلس الأمة لديهما ما يكفيهما من الدراسات التي تؤكد ان الانفاق الرأسمالي على المشاريع، لاسيما على البنية التحتية، يمكن ان يكون مدخلا حقيقيا للانتعاش الاقتصادي من ناحية، ورفع جودة الخدمات كالكهرباء او الرعاية السكنية من جهة ثانية، إذ إنه من واجب اي دولة ان تتولى عملية توفير الخدمات الاساسية كما يمكنها ان تبتكر الآليات التي تسمح لها بخفض الكلفة عبر الاعتماد على مبادرات القطاع الخاص.

لا فائدة من المشاريع

وعودة الى مشروع المطار الجديد، نجد ان موقعه في نفس موقع مطار الشيخ سعد، الذي كانت تستغله شركة الخطوط الوطنية قبل ايقاف خدماتها، يعد تكريسا للازدحام المروري في مناطق الكويت فكان من الاولى تخفيفا على الضغط الكبير على المواقع القريبة من السكن الخاص نقله الى منطقة غير مأهولة من مناطق الكويت على بعد 40 الى 50 دقيقة من العاصمة.

فعقلية تركيز مرافق الدولة الخدماتية بالقرب من السكن الخاص تعتبر مشكلة بحد ذاتها تعوق الفائدة المرجوة من مشاريع البنية التحتية... ان اكتملت.

قد يتساءل أحدهم: ما الذي يجعل السعودية مثلا قادرة على تنفيذ اكبر صرح جامعي في الشرق الاوسط كجامعة الاميرة نورة في غضون عامين ويجعلنا غير قادرين على بناء المطار الجديد في 3 سنوات؟

الاجابة: هو القرار وحسن المتابعة للتنفيذ الذي يجعل قطر قادرة على المضي قدما بمشاريع متنوعة للبنى التحتية كما يجعل السعودية قادرة ايضا على تنفيذ جامعة الاميرة نورة في وقت قياسي بينما تتعثر الكويت في بناء جامعة وحيدة أكثر من 35 عاما.

وحسب تقرير لشركة مشاريع الكويت الاستثمارية "كامكو" تعتبر الكويت اعلى دول الخليج اعتمادا على النفط في ميزانيتها حيث بلغ معدل إيرادات النفط إلى إجمالي إيرادات الدولة نحو 93 في المئة خلال فترة 2010-2000 وهي الأعلى خليجياً مقارنة مع 87 في المئة للسعودية، و77 في المئة للإمارات ومعدل 83 في المئة لبقية لدول الخليج.

وفي المقابل فإن الإنفاق الرأسمالي على المشاريع في الكويت، يعتبر الأقل خليجيا حيث شكل الإنفاق الرأسمالي خلال الـ 11 سنة الأخيرة معدل 11 في المئة من إجمالي المصروفات مقارنة مع معدل 21 في المئة للامارات والبحرين و22 في المئة للسعودية و31 في المئة لقطر و36 في المئة لسلطنة عمان.