ما يعانيه المجتمع من تردٍّ في الخدمات، ليس حصيلة أجهزة مهترئة، بل انعدام تام للثقافة الاجتماعية، بكل مستوياتها، الطفرة المالية التي تمر بها البلاد بلا شك هي عامل إيجابي، ولكن بمجرد التخلف والتزمت، والبقاء على ما وجدنا آباءنا عليه، ستكون نغمة، من يلحظ التقدم الآن فقط بالشكل، وتجاهل تام للمضمون. وبهذه الحالة يتطلب الإصلاح جهداً كبيراً، لأنه من السهل إصلاح الشكل ولكن من الصعب جداً إصلاح المضمون، ويحتاج الى وقت وممارسة، وأيضاً حلم وعلم.  قد يفرح البعض بجهل من هم حوله أو تحت امرته إلا أنه مع مرور الوقت يحتاج، للمتعلم والمثقف، وإلا فسيقوم بفعل كل شيء بمفرده، وأيضاً سينقلب الجهل عليه، فالجهل كالأسد الذي تطعمه في قفص في منزلك، ما إن تسنح له الفرصة حتى يلتهمك، غير أن الإفراط بالانجذاب نحو ثقافة الآخر المنفتح، وأخذ الظاهر منها، وترك المضمون المهم، يؤثر سلباً على الهوية، والفرد، وبالنهاية على المجتمع،

Ad

ولا أحبذ أن يتمسك المجتمع بالجانب السيئ من تقاليده، ولكن يجب عليه الوسطية والاعتدال في كل شيء، فمن المعروف لدى الجميع أن لكل شيء سقفا أعلى لا يجب تجاوزه، حتى في الأكل الذي هو من هبات الله ومن نعمه.

وقس على ذلك الكثير من الأشياء، وأيضاً للأشياء سقف أدنى، لا يمكن تجاوزه فالجوع يُفضي إلى الموت كما هو معلوم، ولكن كل شيء بحدود، فقدان الهوية الحاصل في مجتمعنا العربي، ليس بسبب الساسة، ولكن أغلبه لجهل الشعوب، التي مارست وعيها المتأخر بإفراط وتجاوزت السقف الأعلى، لذلك أصبحت أغلب الثورات ضد الشعوب، وبات الساسة يحاولون إفشالها، ليس خوفاً على مناصبهم ومميزاتهم، ولكن خوفاً من الجهل وسيادته. وإن تواتر هذا الجهل بهذه الطريقة البشعة، إن جاز التعبير، فسيؤدي إلى الهلاك لا محالة، كما ان تحكم القادة سيقل تدريجياً أمام هذه الحشود المغيَبة، وأنا هنا لا أقول الجميع، لأن لغة التعميم هي لغة الأغبياء، لان هناك ثورات مستحقة باتت تسرق، لقلة الوعي وبات الساسة المهيئون يتلاعبون بالشعوب، فيجب على الشعوب بعد الثورة، وفي حال نجاحها انتقاء أشخاص مثقفين ومؤتمنين، وأن يكونوا هم من يخاطب ويصرح، ولا يتركوا الأمر للشارع، فهناك المثقف والبسيط، والمتعلم والجاهل، فقد يتصرف بين هذه الجموع أحد الجهلة، فيعم الشر كما يقال والخير يخص، وبذلك باتت تفشل الكثير من الثورات، ولا يجب أن يسود الجهل العالم بهذه الطريقة، فيجب على العقلاء من القادة والساسة التحرك، بسرعة واحتراف، وإلا فسيفقد العالم بريقه وتصبح لغة الموت هي السائدة.

* «إنهم لا يستطيعون انتزاع احترامنا لأنفسنا إذا لم نسلمه لهم». غاندي