يُصدم البعض جراء الدخول في تجارب عاطفية فاشلة، ما يؤثر على حالته النفسية والاجتماعية والعملية.

أمام تنامي هذه الظاهرة في بلادنا العربية، كان لا بد من مناقشتها مع خبراء نفسيين للتعرف إلى كيفية التغلب على هذه الصدمات وتجاوزها.

Ad

إذا كان البعض يتلقى الصدمات العاطفية بقوة فالبعض الآخر قد يحتاج إلى سنوات لتجاوز الأزمة.  يقول د. مختار الكيّال (أستاذ علم النفس ومدير مركز الإرشاد النفسي في جامعة عين شمس): «أية أزمة يتعرض لها الإنسان عموماً تؤثر عليه نفسياً وسلوكياً، لكن هذا التأثير يتوقف على مدى تحمل الفرد العصبي والنفسي لهذه الصدمة. بمعنى أن البعض يكون الجانب الانفعالي لديه مُتسعاً جداً، بينما البعض الآخر يكون رد فعله عنيفاً تجاه الأحداث».

يشير الكيّال إلى أن استمرار الحالة العاطفية يؤثر إيجاباً على الإنسان ذكراً كان أم أنثى، فيعزز شعوره بالنشوة والسعادة ويزيد نشاطه وروح البهجة والارتياح لديه وقدرته على الإنجاز، لا سيما أن الحالة العاطفية النشطة تزيد من مستوى الإدرينالين في الدم وترفع مستوى السليتونون، وهو مؤثر عصبي في الدماغ يزيد نشاط المعرفي والبدني.

يوضح الكيّال أن الغرب تنتشر فيه مراكز متخصصة لعلاج الصدمات العاطفية، كذلك تتوافر مراكز في مصر وبعض البلدان العربية وإن كانت غير متخصصة بشكل كامل في علاج هذه الحالات، و»نحن في مركز الإرشاد النفسي في جامعة عين شمس نصادف مثل هذه الحالات ونستخدم معها الإرشاد العقلاني الانفعالي. بالتالي، يقل أثر الصدمة العاطفية على الحالة، لأننا نعيد إليها ترتيب طرق تفكيرها في هذه المواقف العاطفية».

يذكر الكيّال أن الصدمة العاطفية في حال عدم التغلب عليها قد تؤدي إلى الاكتئاب، لكنه ليس خطيراً مثل حالات الاكتئاب الحادة ولا يصل غالباً إلى حد الانتحار. عموماً، المصدوم عاطفياً قد يصاب بحالة من الكراهية للجنس الآخر ويبدأ بالتعامل معه بحذر شديد وتحفظ.

ينصح الكيَّال الشباب باستخدام العقل لأن الحب دونه يكون ضاراً، وينصح المصدوم عاطفياً بالدخول في علاقة حب عقلانية تنتفي فيها الأساليب التي أدت إلى الاختلاف مع الطرف الآخر في العلاقة الأولى، فيصل بذلك إلى مرحلة من الإشباع النفسي.

توجيه أسري

يقول د. فاروق لطيف: «العاطفة مثل أي حدث قد يؤثر في البعض ولا يؤثر في البعض الآخر، وذلك يعتمد على عوامل عِدة مثل طريقة التغذية والتنشئة والتفكير والإحساس بالعواطف والحرمان منها».

يرى د. لطيف أن التأثير السلبي قد يرافق الصدمة العاطفية أو يحدث في وقت لاحق لها، والتأثير المباشر يكون حاداً ويضر بنفسية المرء، خصوصاً في سلوكياته مستقبلاً.

يوضح لطيف: «لا أستطيع الجزم بأن الصدمة العاطفية تؤثر على جميع الناس أو على البعض، فكل صدمة تعتمد على تركيبة الفكر والاتجاه والأحاسيس. في تصوري، التأثير العاطفي يكون أكثر عند الرجل لأن المرأة أقوى منه بيولوجياً وعاطفياً، لكن اتجاهات العواطف لديها تختلف عما هي عليه عند الرجل». يتابع أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس: «تتردد على عيادتي دائماً حالات تتعرض لأزمات وصدمات عاطفية، وأمر في التعامل معها بثلاث مراحل: الأولى، تجميع المعلومات عن النشأة والظروف المحيطة بالحالة. الثانية، تحليل هذه المعلومات. الثالثة، تعليم المريض كيف يواجه مشاكل الحياة والفرق بين الواقع والخيال لأن التوصل إلى التوازن بينهما يبعد عنا الإحباط».

يشير لطيف إلى أن الصدمة العاطفية قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض نفسية، ويرى أن هذه الظاهرة لا تحتاج إلى إنشاء مراكز علاج أمراض الحب، بل إلى توجيهات أسرية وحوار بين الآباء والأبناء وتوجيه سليم وتدريب على الوسطية في الأمور كافة، حتى الحب والعاطفة.

إعلام غائب

د. مجدي محفوظ يرى أن تأثير الصدمة على شخص متوازن وذي خبرة حياتية مختلف عن تأثيرها على إنسان «خام»، إذ يكون الأخير فريسة سهلة للصدمات العاطفية، مؤكداً أن الرجل قد يكون أكثر قدرة على التعامل مع الصدمات العاطفية من المرأة فهي بطبيعتها عاطفية أكثر منها عقلانية.

يضيف وكيل كلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان أن استيعاب الصدمات العاطفية يتحقق عندما يأخذ جانب العاطفة حيزاً من التربية والتنشئة الاجتماعية، فالفتاة لديها مشاعر وعواطف كثيرة وفي حال نشأت على الموازنة بينها تستطيع استيعاب مثل هذه الصدمات. كذلك يساعد نقل خبرات الآباء العاطفية إلى الأبناء في تعاملهم مع الصدمات العاطفية بمنطق.

يؤكد محفوظ أن الإعلام والمناهج الدراسية تنمي لدى الأفراد حس التعامل مع الصدمات العاطفية من دون التأثير على الجوانب الأخرى في الشخصية، ويقول: «المناهج الدراسية لكلية الخدمة الاجتماعية وإن كانت تتعرض لبعض المشاكل المرتبطة بالعاطفة، لكنها غير كافية وتحتاج إلى نوع من التفعيل وإلى إدراج قسم خاص بالصدمات العاطفية وكيفية بناء العلاقات مع الآخرين بصورة متزنة وبحكمة وعقلانية، بعيداً عن الاندفاع وراء العاطفة الجياشة. هكذا، يتعلم المرء تفادي الصدمات التي تصيبه بأمراض نفسية تجعله لا يتواءم مع المجتمع والحياة مجدداً».

الرجل أقوى

يرى د.محمد دسوقي (رئيس قسم خدمة الجماعة بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان) أن تقبل الصدمات العاطفية يختلف من شخص إلى آخر حسب تعامله معها، ففيما ينجح البعض في تخطي هذه الصدمة واستكمال حياته يواجه آخرون صعوبات في تقبلها، لافتاً إلى أن المرأة أكثر عرضة للصدمات العاطفية من الرجل لأن الأخير يكون غالباً محور حياتها، فيما لا تحتل قصة الحب في قلبه حيزاً كبيراً فيتخطى الأزمات العاطفية بسهولة.

يشير دسوقي إلى ضرورة التحدث عن الأزمة العاطفية والبوح بها إلى النفس أولاً كوسيلة لمواجهتها، ثم إلى أحد الأصدقاء لأن المواجهة تخفف دائماً من وطأة الصدمة. بعد ذلك، تأتي مرحلة إيجاد التفسيرات المنطقية لفشل العلاقة ومواجهة النفس بها لتفادي الأخطاء عند البدء بعلاقة جديدة.

كي تمر الأزمة بسلام ينصح دسوقي بضرورة النظر إلى الحياة على أنها سلسلة من التجارب الحياتية والعاطفة جزء منها، محذراً من انسياق البعض وراء تجارب عاطفية هرباً من فشل تجربته الأولى فلا يكون مؤهلاً للاختيار الصحيح، من ثم يدخل في تجارب فاشلة مجدداً.

كذلك ينصح الشباب بعدم الانسياق وراء تيار من الوهم والخيال، بل تحكيم العقل قبل خوض أي تجربة عاطفية والابتعاد عن الاندفاع العاطفي.