نواصل من حيث توقفنا بتواجد الأكل في المعدة، فملء المعدة بالطعام هو الطريقة الفطرية للشبع، ولذلك فإن أنجح عمليات السمنة هي تلك التي حاكت الفطرة بتصغير المعدة سواء بطريقة التكميم أو تحويل مسار المعدة ففي الوسيلتين يتم الشبع بعد بضع لقيمات، ولنا حديث مستقبلا عن عمليات السمنة، أما عن الأكل الذي تم طحنه وهرسه في المعدة فيخرج كالكامخ عبر مخرج المعدة ليستقبله الجهاز الهضمي قطرة قطرة وقبل أن يخرج الطعام فإن وجود الأكل في المعدة قد أدى لإفراز هرمونات تنشط الكبد والبنكرياس لتفرز عصارتها استعدادا للعمل على تحليل الهريس لمكوناته الأصلية، فالنشا يتحول إلى سكر يسهل امتصاصه بعد أن تعمل عليه إفرازات البنكرياس والأمعاء الدقيقة في حين يتحول البروتين إلى أحماض أمينية بواسطة إفرازات البنكرياس أيضا.

Ad

عصارة الكبد

وهذه الأحماض الأمينية مسؤولة عن تكوين بروتينات الجسم، أما الدهون فهضمها يتم ببطء شديد، ويبدأ ذلك بخلط الدهن مع عصارة الكبد الصفراء المرة، ولفهم عمل العصارة الكبدية أقول لو خلطنا زيتاً بالماء بعنف لأصبح الزيت قطيرات صغيرة تسبح بين الماء لكنها لا تلبث أن تلتصق ببعضها من جديد لتطفو كبقعة زيت كبيرة فوق الماء، أما لو خلطناه بعصارة الكبد لبقيت القطيرات على حالها بعد الهز ولم تختلط من جديد وهذا ما يسهل على عصارة البنكرياس تبسيط الزيوت والدهون إلى مكوناتها الأصلية ليسهل امتصاصها، وما يجدر ذكره أن عصارة الكبد تتكون في الكبد بمعدل لتر يومياً تنزل مباشرة للأمعاء عدا جزء منها يتم إدخاله في المرارة وهي كالزائدة الدودية لكن ليس على الأمعاء بل على القنوات المرارية، هذه الكمية التي تدخل المرارة يمتص الجسم السوائل منها لتبقى عصارة لزجة كثيفة بعض الشيء تطلقها المرارة بتقلصها كلما أكل المرء طعاما دسماً، ولأننا نسمع دوماً عن حصوات المرارة فسأخصص باقي حديث اليوم عنها.

يتكون سائل المرارة من الكوليسترول وأملاح ناشئة عن تكسر الهيموجلوبين ومادة الليسيثين المكونة لخلايا الجسم، وتكون هذه المواد في حالة إتزان لتبقى ذائبة أما إذا اختل تركيزها فيتكون الحصى، أو إذا حدث ركود شديد في جريانها لانعدام تقلص عضلات المرارة كما نراه لدى المرأة الحامل، فحتى لا يحدث ولادة مبكرة، يفرز الجسم مواد تثبط عمل جميع العضلات اللاإرادية في الجسم ولذلك نرى ارتفاعا في نسبة إصابة المرأة الحامل بأمراض المرارة.

حصى المرارة

إن تكون حصى المرارة ليس بالأمر الذي ينبغي اعتباره مرضاً فهناك ما لا يقل عن 15% من النساء اللائي سبق لهن الحمل ممن يعانين من تكون حصى المرارة لكن فقط من 1 إلى 2% منهن سيعانين من أعراض تستوجب إزالة المرارة، بعد تكون الحصى في المرارة وحين يأكل المرء طعاما يحتوي على الدهن ترسل موجات للمرارة أن تتقلص لتخرج ما في جعبتها من سوائل، ويشمل هذا قذف الحصوات باتجاه عنق القنوات المرارية، لتسبب ألما في الخاصرة يصل إلى الظهر ويستمر هذا التقلص ساعات حتى تتوقف المرارة عن التقلص بذهاب المؤشر الأصلي وهو الأكل ذو الدهن العالي، فحين يتوقف التقلص ترجع الحصوات إلى مناطقها الأساسية في داخل المرارة، فيتوقف الألم لكن هناك حالتين خطرتين نسبيا ينبغي الإشارة إليهما ففي الأولى يحدث أن ترتخي المرارة فلا تتحرك الحصوة وعندئذ يصبح الألم شديدا ومصحوبا بالتهاب يتطلب إزالة المرارة حتى لا تتعرض لالتهاب أشد أو حتى غرغرينا كما يحدث مع مرضى السكر، أما الوضع الآخر فهو نزول الحصوة حين تتقلص المرارة بدل أن تعلق، وهنا إن تتبعنا مجراها لعرفنا نوع المرض وطريقة العلاج.

إذا علقت الحصوة في القناة الرئيسية التي تخرج سائل المرارة للأمعاء فسيتجمع سائل المرارة، ويبقى عالقاً وعلى إثر ذلك سترتد العصارة في الدم لتسبب صفار الجسم، وخطورة الانسداد تكمن في احتمال حدوث التهاب للسائل مما يسبب تسمم في الدم والجسم أو في إضعاف قدرة الكبد على أداء وظيفته وبالتالي فشله، أما إذا نزلت الحصوة وبدلا من أن تدخل الأمعاء علقت في آخر المجرى تتسبب في دخول سائل المرارة إلى البنكرياس مما يلهب البنكرياس وقد يؤدي ذلك إلى ما لا تحمد عقباه، وحتى لا نخيف الناس، نقول لمن لديها حصى في المرارة لا ننصح بإجراء العملية إلا لمن عانت أعراضها كالألم أو عدم تحمل تناول الأكل الدسم ونحوه، وحتى مع سهولة عملية إزالة المرارة بالمنظار فإن العلم لا يؤيد استئصالها إلا مع وجود أعراض منها.

الامتصاص في الأمعاء

في الاثنى عشر، وهو أول جزء من الجهاز الهضمي يتم خلط الأكل المهروس مع جميع هذه العصارات يليها يقوم الجزء العلوي من الأمعاء بامتصاص معظم الأكل الذي تم تبسيطه ليدخل إلى الدورة الدموية مبسطاً ليتم نقله حيث الحاجة إليه أو حيث يتم تخزينه، وفي نهاية الأمعاء الدقيقة يتم امتصاص عصارات الهضم مثل سائل المرارة ليقوم الجسم باستعماله من جديد وهذا يدل على كفاءة جسم الإنسان، ما نعرفه اليوم أن الإنسان يمتص ١٦ سعرة حرارية في كل سنتيمتر من الأمعاء الدقيقة ولو عرفنا أن لدى الإنسان ٦ أمتار تقريبا من الأمعاء، فبحسبة بسيطة نستنتج أن قدرة الأمعاء على الامتصاص هائلة تصل إلى ٩٦٠٠ سعرة تقريباً في المرة الواحدة وعليه يمكن أن نستنتج أن بإمكان الإنسان أن يصل إلى وزن عال جداً لو أفرط في الأكل بسبب هذه القدرة العالية على الامتصاص فهناك من وصل وزنه إلى 800 كيلوغرام تقريباً ومات على أثر ذلك، إن أمراض الأمعاء الدقيقة تتعلق بعدم تقبل بعض الأطعمة مثل حساسية القمح وحساسية الحليب، وما نشاهده كثيراً هو المبالغة في إطلاقها على من هب ودب ولذلك نوصي بمراجعة أكثر من طبيب قبل قبول مثل هذا التصنيف والذي يتطلب تضحيات كثيرة في المأكل، ويمكن القول إن الإنسان يستطيع أن يستغني عن أي جزء من الجهاز الهضمي عدا الأمعاء الدقيقة التي يمكن الاستغناء عن جزء كبير منها ويكفي أن تبقى لدى المريض ما يعادل متراً على الأقل لتقوم بامتصاص السعرات الكافية للإنسان ليعيش منها.

أما البنكرياس فما يجهله الكثيرون عنه فإنه لا يساهم فقط في تنظيم السكر بل يفرز معظم العصارات التي تساهم في هضم الطعام ولنا حديث خاص عنه في ما بعد.

حين يمر الأكل من الأمعاء الدقيقة إلى الغليظة لا يتبقى منه سوى الماء وبعض الأملاح والفضلات التي لا يمكن امتصاصها مثل الألياف والقشور وغيرها ودور القولون هو امتصاص الماء والأملاح وتركيز الفضلات وللقولون دور كبير في الإمساك والإسهال ففيه كميه عالية من البكتيريا التي تنتج الغازات التي نشعر بها، كما أن كمية الألياف في خروجنا هي ما يحدد نسبة الماء التي تبقى مع الخروج، فكلما زادت كمية الألياف زادت كمية الماء المتبقية في القولون وتحسنت ليونة الخروج ليسهل التخلص منه، والعكس صحيح، ولهذا ننصح الناس بأن يدخلوا الكثير من النخالة والقشور في أكلهم حتى لا يتعرضوا للإمساك، كما ننصح المرضى ممن لا يتحملون وجود الغازات في القولون كما يحدث في القولون العصبي بالتوقف عن تناول البقوليات مثلاً، فمشكلة مرضى القولون العصبي تكمن في عدم رحابة قولون المريض للتوسع مع الغازات، ولذلك يزداد المرض في الظروف السيئة النفسية، وهنا نقول أن للإمساك آثارا تتعدى القولون كما نرى في البواسير مثلاً حين يحاول المريض التخلص من الإمساك فيضطر إلى الضغط بقوة للتخلص من البراز، فيؤدي ذلك إلى احتقان الأغشية المخاطية حول منطقة الشرج وتضخم العروق الوريدية فيها والتي قد تنزف وقد تتجلط مسببة آلاما للمريض.

الاعتدال

يمكن القول إن صحة الجهاز الهضمي مبنية على ما يمر فيه، فالاعتدال في كل شيء مطلوب ويمكن تلخيص الوجبة الصحيحة إلى وجبة أساسها النشويات المعقدة مع الابتعاد عن السكريات كمصدر للنشا، حتى لمن لا يعانون السكر، يليها في الكمية البروتين ويفضل القليل الشحم سواء لحم دجاج أو سمك، ويفضل أن يشمل الخضار كمصدر للبروتين ويكون أقل ما في الوجبة هو كمية الدهون، فهي مهمة لكن بكميات قليلة، والنصيحة الأخرى التي أقدمها للجميع هي تفضيل الخضراوات والفاكهة غير المطبوخة، فالسلطات والفاكهة تحتوي على الألياف والأملاح وتتميز بقدرتها على مكافحة الأمراض بما تحويه من موانع التأكسد، والتي تعطيها ألواناً زاهية، وآخر ما نطلب الابتعاد عنه هو ما لم يحضر بالطريقة التقليدية في الطبخ أو ما يعرف بالإنكليزية بـ"الجورميه" فهذا أفضل مما حضر بطريقة الوجبات السريعة، فمحتوى الوجبات السريعة من السعرات العالية المجموعة في قطعة صغيرة عال جداً كما أن تكرار مرور الحوافظ الموجودة فيها داخل الجهاز الهضمي لا يعرف مدى ضرره حتى الآن لصعوبة دراسته وتمنياتنا للجميع بأتم الصحة.