صحيفة فرنسية عن شهداء الجزائر: وصل إلينا اليوم عشرون رأساً... إنها حقاً بداية رائعةفي الحلقة الثانية من ثورة الجزائر نقرأ صفحة موحشة أخرى من القمع الدموي الذي راحت الجماهير تخوض فيه بحثاً عن حريتها، لأن ما اقترفته قوات الاحتلال الفرنسي في الجزائر من جرائم، ربما لم يكن له مثيل في التاريخ سوى ما اقترفه الكاثوليك في الأندلس، بعد سقوط غرناطة، عام 1492م، حيث كانت المذابح والجرائم مباحة ليلا ونهارا. «وصلنا اليوم عشرون رأساً، وتم حصر 68 رأساً على سنان السونكي عند العودة، تلك، ولاشك، بداية رائعة».هكذا عبرت صحيفة «المونيتر»، التي كانت تصدر بالفرنسية في الجزائر، بفخر عن سعادتها بعدد الجثث الجزائرية المتزايد، في أكتوبر عام 1836، فقد قرر الجنرال بيجو الحاكم العسكري للجزائر شن حرب إبادة ضد الجزائريين، وأطلق عليها الفرنسيون أنفسهم اسم «الرازيا»، وكانت تطبق بتوجيه وانتظام، وجاء في خططهم الحربية بصريح العبارات أن الجزائريين قوم يرفضون الاستسلام، ولكي نقهرهم يجب علينا أن نحطم اقتصادهم، وأن نقضي على زراعتهم وقراهم».اعترافات جنرال بالإبادةوقد اعترف المارشال بيجو أثناء عملياته الوحشية بعدم احترام الجيش الفرنسي للقواعد الإنسانية في تعامله مع الجزائريين، وعلل ذلك بأن احترام هذه القواعد «يؤخر عملية الاحتلال»، وقد افتخر المارشال سانت أرنو في إحدى رسائله بأنه «محا من الوجود عدة قرى وأقام في طريقه جبالا من جثث القتلى».وعندما وجه البرلمان الفرنسي اللوم إلى بيجو على ما ارتكبه، دافع عنه وزير الحرب وقتها، سانت أرنو، قائلا: «يجب أن يعلم الجميع أن مراعاة القواعد الإنسانية تجعل الحرب في إفريقيا تمتد إلى ما لا نهاية».وكتب بعض الجنرالات والضباط في مذكراتهم، دون أي خجل، عن عمليات الإبادة التي شاركوا فيها، فقال أحدهم: «إن القرى كانت متقاربة والسكان كثيرون، لقد حرقنا كل شيء ودمرنا كل شيء، ما أكثر النساء والأطفال الذين لجأوا إلى جبال أطلس فماتوا من البرد ومن الجوع»!وكتب آخر متلمظاً للحظة التي سيبيد فيها حديقة، يقول: «كم هي جميلة حدائق البرتقال التي سأبيدها اليوم، سأحرق قرى وممتلكات بني القاسم وبني سالم».وهكذا يعترف أحد قادة الجيش المحتل في تقرير له قائلا: «لقد دمرنا تدميرا كاملا القرى والأشجار والحقول، والخسائر التي ألحقتها فرقتنا بأولئك السكان لا تقدَّر، وإذا تساءل البعض: هل كان عملنا خيرا أم شرا؟ فإنني أجيبهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاع السكان وحملهم على الرحيل».لا يكتب تاريخ الإبادات المنتصرون وحدهم، بل يكتبها أحيانا المهزوم، تقول الحكاية الجزائرية إن أشهر مذابحهم ما حدث في واحة الزعاطشة، التي صمدت أمام قوات الاحتلال زمناً، فلما فشلوا في إخضاعها، اتجهت إليهم حملة عسكرية من عشرة آلاف مقاتل، ومعهم 45 مدفعا ثقيلا، وقنابل ومتفجرات، وتمت إبادة الواحة بمن فيها عن آخرهم، ومن لم يمت في القتل أخذ أسيرا، أقصد من تبقى من هلع الأطفال ورعب الشيوخ وفزع النساء.ومن المذابح الأخرى التي سجلتها ذاكرة التاريخ «مذبحة البليدة» على يد الجنرال كلوزال، ومذبحة غار الفراشيش على يد الجنرال بليسر، ومذبحة العوفية، وما ارتكبه كذلك السفاح كافيجنس في قبائل «الشلف»، حتى أصبحت هذه الأنواع من عمليات الإبادة والمجازر البشعة هواية لكل قائد عسكري فرنسي يأتي إلى الجزائر، تحت ستار كاذب من الحضارة، مزيفا شعارات الثورة الفرنسية النبيلة «حرية... مساواة... إخاء».كما تم تجريد السكان من آلاف الهكتارات من أراضيهم وأملاكهم، والتي كانت تخرَّب على مرأى ومسمع من كل الناس، وسُلبت المساكن والمحلات التجارية، ما ألحق أضرارا بالغة بأصحابها، حتى أن أحد الفرنسيين عبر عن ذلك بقوله: «إن الأهالي المجردين من أملاكهم بدون تعويض بلغ بهم الشقاء حدَّ التسوّل».سرقة الأرضيلخص الكاتب الفرنسي إيجراتي مارسيل موقف فرنسا من أراضي الأهالي بقوله: «إن سرقة الأراضي كانت دائماً سهلة التنفيذ، فهي تبدأ بالاستيلاء على الأراضي وإقرار الأمر الواقع، ثم يتدخل القانون لتبرير وتغطية ذلك النهب بطبقة من الطلاء الذي يضمن حقوق الملاك الجدد».كانت سياسة فرنسا في الجزائر تقوم على أساس فكرة خلاصتها أنه «ينبغي أن يذوب المسلمون في الحضارة الفرنسية، لأن الشعب القادم من الشمال جاء ليستقر في الجزائر»، والمشكلة في رأي الفرنسيين أنه لا يمكن لمجتمعين مختلفين في كل شيء من العقيدة إلى التقاليد أن يندمجا إلا بابتلاع أحدهما للآخر.ولهذا فلابد من خلق وتكوين شخصية جديدة للجزائر تختلف عن شخصية ابن البلد الأصلي، وغير مشابهة لشخصية الفرنسي الحقيقي الموجود في فرنسا، وبالتالي فالجزائري الجديد، من وجهة نظرهم، هو المهاجر الأجنبي الذي يحافظ على ثقافته وعاداته وتقاليده وثروته ونفوذه ويرفض الاندماج في المجتمع الجزائري الأصلي.كان الحاكم العام للجزائر في حقيقته عبارة عن شخصية سياسية تمثل الجهاز المركزي الفرنسي في الجزائر فقط، وكان غير منتخب ولا يملك جيشا ولا يتمتع بأي سلطات، وبقاؤه في السلطة المحلية يتوقف على رضا الأوروبيين الذين كانوا في الواقع يسيِّرون البلاد نيابة عنه.وكان الحاكم العام يمثل قرارات النواب الأوروبيين في المجلس التشريعي الذي أقاموه في الجزائر العاصمة، حيث كانوا يشرعون فيه لأنفسهم ويتخذون فيه جميع القرارات المالية التي تخدم مصالحهم بدون تدخل من باريس، بمقتضى قانون 19 ديسمبر 1900.وكان النفوذ الحقيقي والأساسي يتمثل في رؤساء البلديات الأوروبيين الذين كانوا يسيطرون على المجالس المحلية المنتخبة ويحكمون محليا في البلاد مثلما يطيب لهم، وفي المقابل كان قانون الأهالي يطبق بكل صرامة على كل مسلم لا يمتثل لأوامر هؤلاء الحكام المحليين ولا يظهر طاعته لفرنسا وقادتها، كما كانت هناك محاكم خاصة تحاكم المسلمين المخالفين للقانون.حكم الأقليةكانت الأقلية الأوروبية في الجزائر تمارس ضغوطا على جميع الحكومات المركزية بباريس حتى سنة 1900، في سبيل تنفيذ خطتها التي اشتملت على ثلاث مراحل رئيسية:- المرحلة الأولى: تتمثل في اندماج الجزائر في فرنسا من الناحية القانونية، التي تسمح بابتلاع الجزائر وجعلها جزءاً لا يتجزأ من فرنسا.- المرحلة الثانية: تتمثل في الاستيلاء على الأراضي الخصبة وإعطاء الجنسية لجميع المهاجرين والمقيمين الأجانب في الجزائر، والحصول على دعم مالي من الدولة لتحقيق مصالحهم، وبالنسبة إلى الأراضي تشير الإحصائيات الصادرة سنة 1954 إلى أن فرنسا دعمت 24.900 أوروبي لكي يحصلوا على 2.720.000 هكتار من أخصب الأراضي بالجزائر، بحيث كانت نسبة ملكية الأوروبي 109 هكتارات للفرد الواحد، في حين كان 532.000 مسلم جزائري يملكون 7.612.000 هكتار أي بمعدل 14 هكتارا للفرد الواحد.- المرحلة الثالثة: إعطاء الجالية الأوروبية حكما ذاتيا يسمح لها باستعمال الغش والمناورات والدسائس، لفرض نفوذها على الجزائريين والتحكم فيهم إلى الأبد.وهكذا... بمقتضى بعض القوانين التي سنتها الإدارة الاستعمارية مثل قانون 18 ابريل 1887 الذي هو، حسب ما يشهد عليه الجميع، اشد عنفا واحتقارا للجزائريين في تحويل الأراضي الجزائرية إلى الأوروبيين، حيث دعم في ما بعد بقانون 16 ابريل 1887 لتنشيط التعمير الرسمي ودفع عمليات النهب والاستيطان أكثر فأكثر، ويضاف إلى ذلك مرسوم إلحاق الجزائر إداريا بفرنسا سنة 1881، وبمقتضاه دعمت سلطة المستوطنين وأصبحوا أسياد البلاد الحقيقيين وبدون منازع.وفي سبيل تكريس هذه الأوضاع، كانت السلطات الفرنسية تغض النظر عما كان يرتكب من ظلم وسرقة ونهب لممتلكات الأهالي، وفظائع من طرف المستوطنين الذين كانوا يتصرفون في بلاد مفتوحة، في عالم جديد مثلهم مثل المغامرين رعاة البقر الأميركيين الذين كانوا يستولون على أراضي الهنود الحمر ما يطيب لهم ذلك، ومثل الغزاة الصهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.موباسان: نحن البرابرةوإذا كنا بصدد الكلام عن الفظائع الاستعمارية ومآسي الدمار الذي لحق بالجزائر المستعمرة، فلنقل إن الصمت على جيش الاحتلال جاء من طرف الإدارة الفرنسية، لأنه خطط لهذا البلد أن يمحو شعبه من الوجود، ويتم تبديله بشعب أجنبي غريب عنه وليس له أي صلة به.ويقول الأديب الفرنسي جي دي موباسان، أحد أشهر الأدباء الفرنسيين في نهاية القرن التاسع عشر: «قد بقينا مجرد غزاة متهورين، منغلقين في أفكار مسبقة، يظهر أننا نحن البرابرة، نظامنا الكولونيالي ينحصر في خراب العربي وتجريده من أملاكه». هذا جانب فقط من المآسي والفظائع الظاهرة بدون ذكر الفظائع والجرائم الباطنة مثل البطالة، والفقر، والجهل، والأمراض، والخروج بدولة، وإن كانت مستقلة، بدون مؤسسات ولا جامعات، مع نسبة أمية تقترب من 90 في المئة، مع أرض محروقة خلفتها عصابات جيش الاحتلال، أمثال منظمة الجيش السري (OAS) وغيرها من مخلفات الاستعمار، والقائمة طويلة، بعدد الضحايا، والجرحى، واليتامى، والنساء الأرامل.ومن الصعب أن نمسح من ذاكرة الجزائرين كل الجرائم البشعة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الفرنسي ضدهم، فالتاريخ يشهد عليها، ومسجلة في صدر صفحاته الدامية، ولو طويت كل صفحات الاستعمار ومآسيه فإنها لن تقطع أبدا، فكيف للتاريخ أن يسقط من صفحاته المذابح الرهيبة التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري الصامد خلال ثوراتهم وانتفاضاتهم الشعبية، ومن ذلك ثورات أولاد سيدي الشيخ، والمقراني، وبومعزة، والشيخ الحداد، والشيخ بوعمامة، وسكان عين التركي ومليانة في أبريل 1901، وأحداث عين بسام في سنة 1906، أو انتفاضة بني شقران ومعسكر في سنة 1914، أو سكان الأوراس والهضاب العليا الشرقية في سنة 1916-1917، أو سكان مدينة قسنطينة في أغسطس 1934، أو أحداث 8 مايو 1945 الخالدة، وهي آخر انتفاضة قبل اندلاع ثورة نوفمبر 1954 المجيدة، وكل هذه المآسي والأحداث الدموية ما هي إلا سلسلة من الثورات الصغيرة، والتي كانت بمنزلة مقدمات تحضيرية للثورة الحقيقية التي حررت البلاد نهائياً من الاستعمار الفرنسي.بدأت في مطلع القرن العشرين مرحلة جديدة من النضال والمقاومة عُرفت بمرحلة النضال السياسي، وقد اتسمت في بدايتها بظهور نوع من المقاومة التي تعتمد على اللوائح والعرائض الاحتجاجية والصحافة، لتصبح في ما بعد في شكل نواد وجمعيات ثقافية وخيرية ورياضية.نجم شمال إفريقيابدأ الجزائريون المقاومة من خلال التنظيم السياسي الذي خاض هذا الميدان بأفكار متعددة، فمنهم من يرى أن الغاية هي المساواة بالفرنسيين، ومنهم الشيوعيون، والوطنيون المتعصبون، وظهرت عدة تنظيمات سياسية، منها حزب الجزائر الفتاة، وجمعية نجم شمال إفريقيا بزعامة مصالي الحاج الذي عرف بعد ذلك بحزب الشعب الجزائري، وتعرض زعيمه للاعتقال والنفي مرات كثيرة.لعب المهاجرون الجزائريون في فرنسا دورا كبيرا في تطوير الوعي الوطني والاجتماعي، حيث بادروا إلى إنشاء حزب «نجم شمال إفريقيا» سنة 1926 بباريس، بفضل الظروف التي كانوا يعيشون في ظلها والمتمثلة في وجود تنظيمات مختلفة وحياة نقابية نشيطة، إذ قام هؤلاء بالانخراط في التنظيمات النقابية والسياسية التي يقترب برنامجها من طموحاتهم. وقام مصالي الحاج، بعد أن أصبح رئيسا لهذا الحزب، بعرض برنامجه في المؤتمر المناهض للإمبريالية المنعقد في بروكسل ببلجيكا في السنة نفسها، وأهم مطالبه تحقيق الاستقلال الكامل للجزائر، وإنشاء جيش وطني وبرلمان جزائري منتخب بواسطة الاقتراع العام، وجلاء الجيش الفرنسي عن التراب الجزائري، لهذا قررت السلطات الفرنسية حل النجم سنة 1929م، الأمر الذي دفعه إلى ممارسة نشاطاته في سرية تحت اسم «نجم شمال إفريقيا المجيد».أصدر الحزب جريدة «الأمة» سنة 1930، وقامت بنشر المذكرة التي أرسلها مصالي الحاج إلى عصبة الأمم، والتي يكذب فيها الادعاءات الفرنسية بأن الجزائر صارت فرنسية إلى الأبد، ومرة أخرى يتعرض الحزب للحل، ويعاقب زعيمه بست سنوات حبسا لإعادة تشكيل منظمة تم حلها، ولكن الحزب واصل نشاطاته تحت اسم جديد هو «الاتحاد الوطني لمسلمي شمال إفريقيا».وكان النجم حزبا يضم جميع أقطار شمال إفريقيا ويعمل على تحريرها، بل واهتم أيضا بمشاكل العالم العربي، والدليل على ذلك تلك المظاهرة الضخمة التي نظمها في باريس يوم 14 يوليو 1936، وحضرها أكثر من 40 ألف جزائري نادوا خلالها: «حرروا شمال إفريقيا، حرروا سورية، حرروا العالم العربي»، كما شارك الحزب مشاركة فعالة في المؤتمر الإسلامي الأوروبي بجنيف.انهيار فرنساتمكن نجم شمال إفريقيا من تسريب أفكاره إلى داخل الوطن بشكل واسع وكبير بعد انعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري في يونيو 1936 بمدينة الجزائر، وسبب انعقاده يتمثل في أن بعض الحركات الجزائرية رأت بعد وصول الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا أن ظروفا جديدة أصبحت مواتية للمطالبة بالحقوق الوطنية. وقد شاركت عدة شخصيات جزائرية في هذا المؤتمر، من بينها د. محمد الصالح بن جلول والصيدلي فرحات عباس والشيخ عبدالحميد بن باديس، وقدموا في إطاره مجموعة من المطالب إلى الحكومة الفرنسية تتلخص في إلغاء جميع القوانين الاستثنائية، وإلحاق الجزائر بفرنسا إلحاقا إداريا لا قوميا، مع توحيد الإدارة وفصل الدين عن الدولة وحرية تدريس اللغة العربية وحرية التعبير، والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية.تسارعت الأحداث بشكل كبير بعد سنة 1936، إذ قامت السلطات الفرنسية بحل نجم شمال إفريقيا مرة أخرى في 26 يناير 1937، إلا أنه عاد إلى الظهور في 11 مارس 1937 تحت اسم جديد، وهو «حزب الشعب الجزائري»، كما صدم الاندماجيون الجزائريون بالتعنت الفرنسي، فقام فرحات عباس بتأسيس حزب جديد باسم «الاتحاد الشعبي الجزائري» سنة 1938، وقام د. محمد الصالح بن جلول بتأسيس «الاتحاد الفرنسي الإسلامي الجزائري» في العام نفسه.وفي 1939 إبان اندلاع الحرب العالمية الثانية قررت السلطات الفرنسية تعليق كل الأنشطة السياسية والصحافية، التي لا تعلن تأييدها لفرنسا، لذلك توقفت جرائد الحركة الوطنية، منها جريدة «البصائر» ومجلة «الشهاب» الناطقتان باسم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وجريدة «البرلمان» وجريدة «الشعب» الناطقة باسم حزب الشعب الجزائري، ضمن محاولات الاستعمار الفرنسي القضاء على مقومات الشخصية الوطنية والقومية للجزائريين.وأمام ضعف الزوايا وتشجيع الاستعمار لممارسات وعقائد دينية تعوق تقدم الشعب الجزائري، لجأ ابن باديس إلى إنشاء جمعية العملاء المسلمين هدفها الحفاظ على الهوية الجزائرية وتصحيح المفاهيم الدينية والرفع من مستوى الوعي.اشتعلت الحرب العالمية الثانية ولم تمض شهور قليلة حتى انهارت فرنسا أمام ألمانيا، وبدا للشعوب المستعمرة أن قوة فرنسا لم تكن إلا عليهم فقط، وأن هيبتها لم تكن إلا في هذه القلوب المستضعفة، وأدى ذلك إلى تعاون كثير من المستوطنين الموجودين في الجزائر مع حكومة فيشي الموالية للألمان في فرنسا، وظهرت أصوات المستوطنين الفرنسيين تعلو بأن فرنسا ارتكبت أخطاء، وأن عليها أن تدفع الثمن وحدها.أما الجزائريون فذهب كثير منهم إلى الحرب للدفاع عن فرنسا، فدُمر الإنتاج في الجزائر وزادت صعوبات الحياة؛ لذلك تقدموا ببيان إلى السلطات الفرنسية يطالبون فيه بحق تقرير المصير، تقدم به فرحات عباس زعيم حزب اتحاد الشعب الجزائري، ورفضت فرنسا قبول البيان كأساس للمحادثات، فأحدث ذلك رد فعل عنيفا عند الجزائريين الذين أصروا على تمسكهم بالبيان والتزامهم به، ففرض الجنرال كاترو الحاكم العام في الجزائر الإقامة الجبرية على فرحات عباس وغيره من الزعماء الجزائريين.وأسس فرحات عباس حركة «أصدقاء البيان والحرية» في مارس 1944، وكان يدعو إلى قيام جمهورية جزائرية مستقلة ذاتيا ومتحدة مع فرنسا، وهو ما سبب خلافا بينه وبين مصالي الحاج الذي نصحه بقوله: «إن فرنسا لن تعطيك شيئا، وهي لن ترضخ إلا للقوة، ولن تعطي إلا ما نستطيع انتزاعه منها». ولم يمض وقت طويل حتى استغلت فرنسا قيام بعض المظاهرات في عدد من المدن الجزائرية وإحراقها للعلم الفرنسي حتى ارتكبت مذبحة رهيبة سقط فيها 45 ألف شهيد جزائري، وكان ذلك تحولا في كفاح الجزائريين من أجل الحرية والاستقلال، إذ أدركوا أنه لا سبيل لتحقيق أهدافهم سوى بالعمل المُسلح والثورة الشاملة، فانصرف الجهد إلى جمع الأسلحة وإعداد الخلايا السرية الثورية بتوجيه وتمويل ودعم عربي، حتى يحين الوقت المناسب لتفجير الصراع المسلح.ولقد حدث ذلك سريعاً..
توابل
ثورة الجزائر (1954 - 1962)(2/3): جنرالات الجيش الفرنسي يعترفون: نحن البرابرة
02-08-2011