لم تمرّ الجمعية العمومية التي عقدها «الحزب التقدمي الاشتراكي» في عاليه مرور الكرام، فهي حملت معها جملة من الرسائل التي أرادها رئيس الحزب ورئيس جبهة «النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط، كي يرسم لنفسه ولمحازبيه خارطة طريق «تتماهى» مع المتغيرات التي تحصل في المنطقة، وما يحمله «الربيع العربي» المتفجر في كل هذا الشرق، لا سيما في سورية.والقراءة الأوّلية لما قاله رئيس «التقدمي» كان لها وقعها على مجمل الحياة السياسية في الداخل اللبناني، كونها تؤشر إلى بداية «تحوّل في المشهد الداخلي» بحسب ما قالت أوساط مطلعة لـ»الجريدة». هذا التحوّل، ترى الأوساط أولى بشائره «في داخل الحكومة»، مشيرة إلى أن «الأمور ما قبل 30 اكتوبر لن تكون كما بعده، فالإشتراكي يريد تمويل المحكمة لأنه أيضاً معنيّ بها، كونه من الأحزاب التي طالتها الاغتيالات السياسية، وكونه كان من أكثر المتحمسين لقيام المحكمة الدولية قبل الانعطافة الشهيرة لجنبلاط في 2 اغسطس من العام 2009».هذا التموضع، قالت عنه مصادر قيادية في «التقدمي» لـ»الجريدة» أنه «الموقع الذي لا يمكن للحزب أن يكون خارجه بأي شكل من الأشكال على الرغم من كل المخاطر والمواقف السلبية التي سيواجهها الحزب من قبل البعض في الداخل اللبناني وخارجه».ورأت المصادر أن «المتغيرات على الساحة العربية كبيرة جداً، وإرث كمال جنبلاط يبقى الحاضر الأكبر في كيفية تعامل التقدمي مع هذه المتغيرات، التي في مجملها تتعلق بنقل الانسان العربي من التبعية إلى الحرية، وإنهاء وصايات الأحزاب الواحدة، التي عانينا منها أكثر من غيرنا».ولفتت المصادر نفسها إلى أن «الموقف من الثورات العربية سيكون له انعكاسات كبيرة على الداخل، وعلى علاقة الحزب بكل الأفرقاء السياسيين»، رافضة الدخول في تفاصيل هذه الانعكاسات. وهو ما علقت عليه أوساط سياسية مطلعة بالقول: «اولى هذه الانعكاسات ستكون بين الاشتراكي وحزب الله، لأن الأخير يُدرك أن معاداة الدول الممانعة هي في مكان ما معاداة له، رغم ان جنبلاط حاول في كلمته أن يبقي على شعرة معاوية مع المقاومة ومن يُمثّلها، لأنه ذاق في السابق معنى المواجهة مع هؤلاء وكانت نتائجها أحداث 11 أيار عام 2008، ومحاولات احتلال الجبل الذي يشكل عصب الطائفة الدرزية التي يتزعمها جنبلاط».وأشار المصدر في «التقدمي» إلى أن «الرسالة الأكبر في هذا السياق هي حين تحدث رئيس الحزب عن الومضات في تاريخ الاشتراكي، واختصرها بمحطتين أساسيتين: مصالحة الجبل مع البطريرك الماروني نصرالله صفير، ورفض التمديد للرئيس إميل لحود ومعه انتفاضة الاستقلال».وتقول المصادر إن «في المحطتين، كانت المواجهة مع الوصاية السورية التي حاولت منع عقد المصالحة للإبقاء على فتيل الفتنة الطائفية، وعبر التمديد للحود الذي عارضناه وواجهنا قوى الوصاية، وتعرضنا للكثير من المخاطر، وليس أقلّها محاولة اغتيال النائب مروان حمادة ومن بعدها اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي كنا وإيّاه في خندق واحد».وكشف بعض الذين حضروا الجمعية العمومية أن جنبلاط قال خلال حديثه عن المحكمة الدولية وعن العلاقة بكل مكونات المجتمع اللبناني، ولا سيما «حزب الله»: «فليعذروني، لقد قالوا عن متهميهم إنهم قديسون، وانا أقول لهم إن دماء شهدائنا بدءاً من الشهيد الحي النائب مروان حمادة وصولاً الى النائب أنطوان غانم هي أيضاً مقدسة بالنسبة الينا».وهذا ما استوقف الأوساط السياسية المتابعة للواقع الجنبلاطي، إذ رأت «فيه إشارة واضحة في اتجاهين: الأولى، إلى حلفائه السابقين وفي مقدمهم النائب حمادة واللقاء الديموقراطي لإعادة لم شمله، وإلى الرئيس سعد الحريري بأنّه لم يغادر موقع المدافع عن المحكمة وعن دماء الشهداء. والثانية، إلى حزب الله بأن خياراته واضحة وهي لا تتقاطع بالمطلق مع ما يريده الحزب».وبحسب ما تقول أوساط مقرّبة من جنبلاط، فإن «زعيم التقدمي ينتهج في سياسته اليوم، محاولة إبعاد الخلاف مع حزب الله، كي لا تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل 7 مايو 2008، فالبلد لا يحتمل هذه الانقسامات، خصوصاً في عز انهيار منظومة الممانعة، التي وحدها كفيلة بقلب المعادلات».وباختصار، يقول بعض المتابعين: «الأسماء التي أرادها جنبلاط في مجلس قيادة حزبه، هي خير دليل على تموضعه السياسي بعيداً عن 8 آذار، وعلى ضفاف 14 آذار».
دوليات
جنبلاط خارج السجن العربي ومع الربيع اللبناني
02-11-2011