تراجعت عن موقفها من الكوادر وناقضت توجهاتها في الموازنة

Ad

حققت الكويت فوائض مالية خلال 9 أشهر بلغت 13.2 مليار دينار، مقابل 7.7 مليارات للفترة نفسها من العام الماضي، أي بزيادة نسبتها 71.4 في المئة، إلا أن هذا النمو لم يأت من إيرادات غير نفطية أو عوائد من اقتصاد حقيقي، بل من ارتفاع إيرادات النفط مقابل ضعف الإنفاق.

خلال أقل من شهر قامت الحكومة، التي تأمل شريحة عريضة من المجتمع الكويتي أن تتبنى نهجاً جديداً لا سيما في الشق الاقتصادي والتنموي، بخطوتين إلى الوراء لتعطي صورة غير إيجابية عن أداء الحكومة وجديتها في تطوير النشاط الاقتصادي وعلاج الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المحلي.

وتتبنى الخطوة الأولى، التي اتخذتها الحكومة الجديدة، مشروع موازنة للعام المالي 2012-2013 لا تختلف عن أي موازنة سابقة إلا في كونها الأضخم في تاريخ الكويت، إذ بلغت قيمتها 22 مليار دينار، وكانت نسبة الإنفاق الرأسمالي على المشاريع فيها نحو 14 في المئة فقط، وهي النسبة الأقل خليجياً.

أما الخطوة الثانية فكانت الموافقة على اعتماد كوادر مالية لموظفي الدولة تتجاوز قيمتها 600 مليون دينار في استمرار حكومي بمسلسل الإنفاق الاستهلاكي الذي تنامى بشكل لافت منذ عام 2006.

ورغم اتفاق معظم التقارير الاقتصادية على ضرورة تحفيز الاقتصاد من خلال رفع نسبة الإنفاق على المشاريع في ظل الاستفادة من الوفرة المالية، فإن إعداد الموازنة لم يراع كل هذه ليكون نسخة مكررة من الموازنات السابقة بكل ما فيها من عيوب.

اللافت في الأمر أن هاتين الخطوتين "الموازنة والكوادر" انتقدتهما الحكومة قبل الانتخابات الماضية ودار حديث مطول بشأن عدم إمكانية الاستمرار في الهدر المالي عبر الكوادر والزيادات المالية وضرورة إعادة هيكلة الموازنة لتكون أكثر توجيهاً للإنفاق الرأسمالي لا الاستهلاكي.

لذلك، فإن تراجع الحكومة الجديدة في شهرها الأول عن منطلقات أعطى خلال الانتخابات نوعاً من التفاؤل بنهج جديد، لاسيما في المجال الاقتصادي، ولكنه سيكون محبطاً للعديد من المراقبين، خصوصا الذين يتوقعون منها أداء أكبر من مجرد معالجة الاختلالات، فالكويت اليوم تحتاج إلى توفير بيئة جيدة للأعمال كي يتمكن القطاع الخاص من توظيف العمالة الوطنية ولكي يتم تنفيذ مشاريع بنية تحتية في قطاع الإسكان والطرق والموانئ والقطاع النفطي وغيرها.

بالطبع، فإن كل هذه المشاريع أو الآمال المتعلقة بها لم تترجم عملياً في الموازنة الجديدة، إذ إن الإنفاق الاستثماري في الموازنة ارتفع خلال عام واحد من 2.5 مليار دينار إلى 3.1 مليارات دينار، إلا أن هذه الزيادة أقل بكثير مما يجب، خصوصاً أنها تأتي عبر النسبة والتناسب موازية مع الزيادات في أبواب أخرى في الموازنة العامة التي بلغت 22 مليار دينار.

فالكويت حققت إجمالي فوائض مالية خلال 9 أشهر بلغت 13.2 مليار دينار، مقابل 7.7 مليارات دينار للفترة نفسها من العام الماضي، أي بزيادة نسبتها 71.4 في المئة مقارنة بين الفترتين، إلا أن هذا النمو لم يأت من نمو إيرادات غير نفطية أو عوائد من اقتصاد حقيقي، بل من ارتفاع إيرادات النفط مقابل ضعف الإنفاق، وهو نمو إن دل فإنما يدل على بخل حكومي في الإنفاق على المشاريع والتنمية.

أرقام مرعبة

إن الكويت حسب تقرير اللجنة الاستشارية مقبلة على مجموعة من الأرقام المرعبة، أهمها أن عدد الوظائف المطلوبة عام 2030 سيصل إلى 74 ألف طلب توظيف (حالياً 20 ألف طلب) في حين سيبلغ العجز التراكمي لميزانية الدولة في نفس العام 174 مليار دينار، ويكون سعر التعادل للميزانية 213.5 دولاراً للبرميل (حاليا 65 دولاراً والعام المقبل 84.5 دولاراً)، بل إن الكويت حسب التقرير ستدخل ضمن دائرة العجز المالي بحلول عام 2020. وبالتالي، فإن النهج الحالي بلعب الدولة لدور رب العمل بنسبة 90 في المئة من المواطنين لا يمكن أن يستمر.

وذكر التقرير أن "مزيداً من التأخير في تدارك الوضع الحالي سيؤدي إلى صعوبة أكبر وتكلفة أكثر تُدفع من رصيد الوطن وأبنائه"، بل إن التقرير قرن بين إصلاح العمل الحكومي وبين تمتع مجلس الوزراء بسعة الأفق وبعد النظر والمثابرة. بمعنى أن السياسات الحكومية السابقة في التعامل مع الملفين الاقتصادي والإداري في الدولة لا يمكن أن تكون منهجاً لحكومة تبتغي الإصلاح، فالتعامل مع مجلس الأمة مثلاً يجب أن يكون وفق برنامج عمل واضح وخطط مستقبلية، وهو الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة السابقة التي كانت لا تكترث بفقدانها للأغلبية النيابية في مشاريع القوانين المطروحة أمام المجلس؛ كالكوادر رغم تكلفتها المالية، لأنها كانت تمارس ضغوطها فقط على النواب في الاستجوابات المقدمة لها، في تصوير واضح لطغيان مشروع الحكم على مشروع بناء الدولة.

وفي الحقيقة، لقد استعرض تقرير اللجنة الاستشارية مجموعة كبيرة من المخاطر والاختلالات على مستوى الدولة، وهي نفس القضايا التي تطرحها التقارير الاقتصادية منذ نحو 20 عاماً، إلا أن الأرقام التي عرضها التقرير تعكس زيادة عمق هذه الاختلالات ومخاوف تحولها إلى أزمة تمس الدولة والمواطن.

إصلاح المسار

تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية نفسه، عرض بشكل أو بآخر على مجالس الوزراء السابقة، ومنها على سبيل المثال تقرير لجنة إصلاح المسار الاقتصادي نهاية تسعينيات القرن الماضي الذي حذّر من مخاطر اقتصادية متنوعة وأثرها على الخدمات التي تقدمها الدولة، لا سيما في التعليم والإسكان اللذين نعيش اليوم تفاقم الأزمة فيهما عبر تكدس الطلبات الإسكانية إلى نحو 94 ألف طلب وتعثر الدولة في قبول الطلبة في التعليم العالي. لذلك، فإن أي بوادر إيجابية للحكومة الجديدة لن تتحقق إلا من خلال تغير النهج في الإدارة والقدرة على التنفيذ.

إن مصداقية النهج الجديد تتوضح في إيمان الحكومة بما تطرحه من رؤى حتى وإن خالفت الاتجاهات الشعبية أو النيابية فهي من لديها الأرقام والإحصاءات عن المستقبل، وهي من انتقدت في أكثر من مناسبة الاستراتيجيات السابقة في إدارة الدولة، وهي بالطبع إن أرادت تستطيع أن تحقق تنمية حقيقية للمستقبل.

-الكويت بحاجة إلى مشاريع بنية تحتية في الإسكان والطرق والموانئ والقطاع النفطي وغيرها

-المزيد من التأخير في تدارك الوضع الحالي سيؤدي إلى صعوبة أكبر وتكلفة أكثر تُدفع من رصيد الوطن وأبنائه.....

«الاستشارية الاقتصادية»