أنهى المخرج اللبناني عادل سرحان تصوير فيلمه السينمائي الطويل الأول «خلّة وردة» الذي يُعرض في شهر رمضان المقبل في الصالات اللبنانية والعربية، وصوَّر أغنية «الأمانة» للعملاق وديع الصافي وعاصي الحلاني وأغنية للفنان العراقي محمود الشاعر وأخرى للفنانة ديميرا. وهو، كما يقول لـ{الجريدة»، في استراحة المحارب يتسلّى بإخراج أغنيات مصوَّرة تمهيدًا للبدء بتحضير فيلمه السينمائي الثاني الذي سيركّز فيه على قضية اجتماعية من قضايا المرأة.

عن فيلمه السينمائي الجديد ومشاريعه، تحدّث سرحان الى «الجريدة».

Ad

ماذا تخبرنا عن فيلم «خلّة وردة»؟

بدايةً أودّ التعريف عن معنى العنوان، يفهم أهالي القرى معنى كلمة خلّة، التي هي أرض واقعة في منحدر الجبل تُستصلح للزراعة وتُكنّى باسم من يتولّى زراعتها. «خلّة وردة» قرية جنوبية سمِّيت تيمنًا باسم «وردة»، السيدة التي استصلحت هذه الأرض زراعيًا، لكنها اشتهرت بعد حرب تموز 2006 في لبنان لأن فيها أُسر الجنديان الإسرائيليان ما أدى إلى نشوب الحرب بين لبنان وإسرائيل.

إنه فيلم لبناني كتبه السوري محمود الجعفوري، من إنتاج مركز بيروت الدولي للإنتاج والتوزيع الفني. القصة التي تبدأ في العام 86 تتحدّث عن قضيّة الجنوب وعن المقاومة غير المباشرة وغير المحسوبة لجهة محدّدة.

صوّرت الفيلم في منطقة حساسة على الحدود اللبنانية، فهل واجهت مشكلات على هذا الصعيد؟

يتميّز أهل الجنوب بالضيافة وقد عاشوا اللحظة التي يتحدّث عنها الفيلم، لذلك ساهموا في دعم عملنا. حضّرنا ستة أشهر قبل البدء بالتصوير وسهّل مركز بيروت للإنتاج، عبر علاقاته، أخذ أذونات التصوير في المناطق التي تنتشر فيها قوات اليونيفيل والجيش اللبناني على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية.

ما الرسالة التي توجِّهها من خلال هذا الفيلم؟

حرصت على أن تشكِّل كل دقيقة في الفيلم رسالة بحدّ ذاتها وعقيدة شعب وأن هذه الأرض لم تتحرَّر من عبث بل من مقاومة شبابها.

ألم تخشَ تسييس الفيلم، خصوصاً أنه يحكي عن فئة معيّنة من الشعب اللبناني؟

هل كل إنسان مسلم ينتمي إلى حزب الله؟ أبرز الأفلام العالمية تتضمّن مشاهد دينية ولا يُنظر إليها بعين طائفية. أما في لبنان، فذهنية التفكير طائفية علمًا أن الممثلين في الفيلم من الفئات اللبنانية كافة. حصلت هذه القصة في قرية محدّدة بأناسها بالتالي لا يمكن التعديل في هوية أبنائها لأنها واقعية وحقيقية، لم أتحدّث فيها عن طائفة ولم أذمّ الآخرين ولم أتعدَّ على حقوقهم، بل أشرت إلى وجود عدوّ واحد هو إسرائيل. أشدّد على أن المقاومة ليست أناسًا جاؤوا من إيران لتحرير الجنوب، إنما هم أبناء القرية الذين دافعوا عن أرضهم بوجه اسرائيل وحرّروها واستشهد كثر منهم. إنها قضية شرف وتضحية وكرامة وأفهم معناها لأنني إبن هذه البيئة، لذلك لست مضطرًا الى أخذ رضا أحد.

ما أهمية عرض الفيلم في الصالات العربية؟

توقيته هامّ في ظلّ ما يحصل في العالم العربي عبر معالجة قضية الشرف والعرض والأرض. أرى أن ما نشهده في العالم العربي عبارة عن انفجار بدأ في المنزل وانعكس على الشارع والبلد والمنطقة.

يتهرّب المنتجون من تقديم فيلم سينمائي لبناني لأن شباك التذاكر في لبنان لا يغطّي كلفة الإنتاج، ألم تخشَ المخاطرة؟

ليست ثمة خسارة أبدًا، لا يمكن الحكم على النتيجة قبل المحاولة. أرى خمولاً واستهتارًا من المخرجين اللبنانيين بدلاً من الجهد الدؤوب لتقديم الأفضل. لا تقتصر الأفلام السينمائية اللبنانية على استقدام الجميلات واستخدام مشاهد إباحية لتأمين نسبة مرتفعة من المشاهدين ما يأخذ الأمور نحو منحى تجاري بحت، وأسألهم أين قضية الفساد والأمراض والفقر والكرامة والأرض والشعب؟

قدّمت الفيلم السينمائي القصير «أديم» الذي يتحدّث عن المقاومة والشهادة أيضًا، فلماذا تتّجه إلى مثل هذه النوعية من الأفلام؟

أنا إبن الجنوب، عشت قصة فيلم «خلّة وردة» وأفهم البيئة التي أتحدّث عنها جيدًا وكيف تعذّبنا وتعرّضنا للإهانة وداس الإسرائيليون على عرضنا وشرفنا. وحده إبن هذه المنطقة يفهم معنى هذه الأمور.

هل تؤمن بأن الفنان إبن بيئته؟

السينما رسالة قد يعتاش الفنان من خلالها لكنها ليست عملية تجارية بحت. يخطئ من يظنّ أن الفيلم الذي يتضمّن رسالة هادفة لا يحقّق ربحاً مادياً، لأن الاحتكاك بهموم الناس ومشاكلهم وأمورهم الخاصة ونقل الواقع بعفويّته يحقّقان النجاح للعمل، وأنا لن أتطرّق إلى قصص غير لبنانية، بل على العكس سأتحدّث عن قضايا اجتماعية كثيرة.

ما الفرق بين مضمون «خلّة وردة» وفيلم «أديم»؟

هما لا يشبهان بعضهما البعض إطلاقًا، «أديم» قضية عامة منفتحة على الناس كافة، أما «خلة وردة» فيتضمّن تفاصيل عن الحياة العائلية والبيئة المجتمعية وأهمية التربية الصحيحة في انعكاسها على المجتمع.

لماذا لم تركِّز في «خلّة وردة» على صورة البطل أو البطلة أسوة بـ{أديم»؟

ليس هدفي بطولة الممثّل وبروزه على حساب القصة، بل العكس. أرضت الممثلة كارمن لبّس غروري وطموحي الفنيين في «أديم»، ومن المؤكد أنها ستكون حاضرة في الفيلم المقبل.

ما مشاريعك السينمائية الأخرى؟

أنجزت ثلاثة أفلام قصيرة بعد «أديم» لم تُعرض بعد، ونجهِّز فيلمًا طويلا ثانيًا بناء على طلب المنتج الذي أعجب بإعلان «خلّة وردة»، وهذا دليل إيجابي على تحريك عجلة الإنتاج السينمائي في لبنان.

انتقلت من إخراج الأغاني المصوّرة إلى السينما، هل جاء ذلك بناء على استراتيجية تتّبعها في العمل؟

يمكن القول نتيجة تخطيط منذ بداية مشواري الفني وانتقالي من وراء الكواليس وتدرّجي المهني الطبيعي وصولاً إلى الفيلم السينمائي الطويل. لا أؤمن بالعبثيّة، بل على العكس أضع خطة استراتيجية لعملي، لأنني أرفض أي خطأ، فأتابع أبسط التفاصيل لتكون النتيجة متكاملة وقد وفّقني الله في ذلك.

هل تفتح مهنة إخراج الكليب آفاقاً أوسع للمخرجين؟

ليس بالنسبة إلى المخرجين كلّهم، لاحظت أخيرًا أن المتخرّجين الجدد يتّكلون على المال لإخراج أغنياتهم المصوّرة الأولى فيصدمون بفشلهم عند أول محاولة. هؤلاء لا يدركون أنه يجب التدرّج سنوات والتعلّم واكتساب الخبرة قبل البدء بالإخراج.

هل تطمح إلى العمل في مجالات المهنة كافة؟

طموحي الشاشة الكبيرة، ويومًا ما سيتحقّق هدفي الذي أسعى إليه وهو تقديم فيلم لبناني يُعرض في بلدان العالم. هدفي حمل اسم بلدي لبنان وعائلتي ومنطقتي وقريتي ومن أحبّهم إلى العالم مثلما حصل مع فيلم «أديم» فأحقّق نجاحًا إلى أبعد الحدود.

هل تقدِّم رسالة معيّنة في الأغاني المصوّرة أسوة بأعمالك السينمائية؟

إلى حدّ ما. لا أقدّم السخافة وما يخدش الحياء أو الابتذال والمبالغة، والدليل كليبات: «باب عم يبكي» و{بلا حب» و{سهل الحكي» والأغنيات التي صوّرتها لصابر الرباعي وراشد الماجد.

هل الكليب لخدمة الفنان أم المخرج؟

الإثنان معًا. ثمة فنان كليب وأغنية وفنان تاريخ، كذلك الأمر بالنسبة إلى المخرج الذي يثبت اسمه تدريجًا ويصبح لديه تاريخه الفني ما يساعد الفنان الجديد على الوصول من جهة، وكلما عمل المخرج مع فنان قدير ارتفع مستواه قليلاً من جهة أخرى.

هل تشترط على الفنان تسليم نفسه إليك من دون التدخّل في العمل؟

تصوير الكليب مسؤولية وعمل جماعي يتطلّب انسجامًا بين الإثنين وتفاهمًا مشتركًا. إلى ذلك لا أصوّر أغنية لا تعجبني لأنني لا أسعى إلى تقديم الكميّة على حساب النوعية.

يكتشف المخرج قدرة الفنان على التمثيل، فهل يمكن أن تتعاون معه في عمل سينمائي؟

أؤمن بتوظيف كلّ إنسان لقدراته في مجال عمله، فإذا أراد المغني التمثيل يجب أن يكون دوره غنائيًا استعراضيًا.

مَن يملك مِن الفنانين موهبة التمثيل؟

فادي أندراوس الذي أذهب معه إلى حدود الجنون وعاصي الحلاني الذي يمثّل مع فرقة كركلا وفوجئت بصابر الرباعي.

هل قصصك جاهزة في جعبتك أم لكل أغنية وحيها الخاص؟

أدرس كل أغنية معروضة عليّ للتصوير ولا أحضّر الأفكار مسبقًا.

هل تعتبر أن أي كليب هوية بحد ذاته؟

كل كليب جزء لا يتجزأ من فكرة موجودة في ذهني تترجم شخصيّتي.

أين تكون شخصيّة الفنان هنا؟

همّ الفنان أولاً وأخيرًا الظهور في شكل جميل ومهضوم يحبّه الناس ولا يكترث لأي أمر آخر. صحيح أن الكليب مهمّ للفنان من أجل استمرارية نجاحه وحضوره، إنما التوقيع للمخرج. على رغم أنني لا أحبّ تقديم كليبات عادية، إلا أن شخصية الفنان تؤثر على صورة الكليب والحدود التي ألتزمها في الأفكار، خصوصًا أن الفنان المخضرم يخشى المخاطرة بصورته المعهودة لدى الناس.

الى أي مدى قد تتحمّل طباع الفنانين المختلفة؟

المخرج هو الوصي، ليس لأنه يحبّ أن يأمر الناس إنما لأن طبيعة مهنته تحتّم عليه إعطاء الأوامر لفريق عمله، لذلك يجب أن يتحلّى ببال طويل لتحمّل الفنان، خصوصًا إذا كان ممَّن لا يعجبه العجب، أو ممن يدقّق في أبسط الأمور، من هنا تدخّل الفنان في عمل المخرج يرتدّ سلبًا على نتيجة العمل، فيما يحقق النجاح أي عمل يتفق فيه الفنان والمخرج على أدقّ التفاصيل انطلاقًا من علاقة مبنية على نية صافية. من هذا المنطلق رفضت تصوير كليبات كثيرة لأنني لن أكون مخرجًا مكبلاً أو مجرد منفِّذ للعمل.

هل تحرص على التزام صورة أخلاقيّة معيّنة في أعمالك؟

طبعًا. صرّحت فنانات كثيرات بأنهن لا يتعاونَّ معي لأنني أظهرهن بصورة كلاسيكية ومحتشمة. أهلاً وسهلاً بأي فنان يريد الظهور في صورة لائقة وجميلة وجديدة من ضمن الكلفة المادية التي أحدّدها للعمل. لا يتعلّق الأمر بالماديات وإنما أريد الحفاظ على مستواي المهني وعلى ما حقّقته بجهد طيلة السنوات الأخيرة، وتبقى للفنان حريّة اختيار مخرجه.

هل تؤيد تنويع الفنان في هوية المخرج الذي يتعاون معه؟

الفنان حرّ في اختيار مَن يريد مِن المخرجين اللبنانيين، إنما أن يتّجه إلى مخرجين عالميين فهذه مبالغة.

تقصد كارول سماحة؟

أحب كارول سماحة كثيرًا لأنها فنانة شاملة، ثمة فنانون غيرها يتعاونون مع مخرجين عالميين.

برأيك، هل ما نراه عبر الفضائيات من أغنيات مصوَّرة هو في خانة الإبداع أم الابتذال؟

تميل الكفّة نحو الابتذال، علمًا أن الجمهور ملّ مما يراه ولم يعد غبياً في تمييز نوعية العمل، وهو يريد ما يشبهه. أنا من فئة شعبية أحب تمثيلها ومعالجة أمورها وطرح مشاكلها لأنها صادقة في محبّتها.

كيف توفّق بين الموازنة والنوعية في العمل؟

يعود ذلك إلى مدى سخاء الفنان على إخراج أغنيته. ثمة نوعان في العمل، المشهدية والفكرة. نلاحظ المشهدية المدهشة على صعيد الديكور كما في كليب «لشحذ حبك» للمخرج فادي حداد، وثنائية الفكرة والمشهدية في كليب فادي أندراوس «طلعي مني»، والفكرة فحسب في «سهل الحكي» لرويدا عطية.

ما رأيك بنتائج جوائز الـ{موركس دور»؟

بصراحة لم أتابعها. نلت جائزة الـ «موركس دور» في 2007، ومنذ عامين لم أدعَ إلى الحفلة. لن أذمَّ بالجائزة لأنها مشروع مهمّ للبلد، لكنني أشعر بأن ثمة استبعادًا أو فيتو معينًا تجاهي لعدم ترشيح أعمالي أو دعوتي لحضور الحفلة. وأشدّد على أن العتب على مقدار المحبة، إنما هل يُعقل عدم ترشيح أيّ من أعمالي التي قدّمتها مع عاصي الحلاني ورويدا عطية وفادي أندراوس؟ كذلك ثمة علامة استفهام حول عدم ترشيح كليب «ويلك من الله» للفنانة أمل حجازي والمخرج فادي حداد لجائزة أفضل كليب.

ما رأيك بنيل تييري فيرن جائزة أفضل مخرج كليب لعام 2011؟

أفرح لنيل أي مخرج لبناني الجائزة ولديّ تعصّبي الوطني في هذا الإطار. أبارك لليلى كنعان وأعتبر أن ثمة مخرجين لبنانيين يستحقون نيل الجائزة أيضًا ولست أتحدّث عني شخصيًا.

هل تختلف المعايير التي توزَّع الجوائز من خلالها بين لبنان والعالم؟

نلت جوائز مشرّفة من بلدي في الـ{موركس دور» ومرتين في «مهرجان بيروت السينمائي» ومرتين في «مهرجان الأوسكار» في مصر. الجمهور هو الذي يقرّر إذا كنت مستحقًا للجائزة فعلاً أم لا.

برأيك، هل ثمة مصداقية للـ{موركس دور» هذا العام؟

لا تعليق والمعنى في قلب الشاعر.

ماذا عن مصداقية الجوائز العربية والعالمية؟

شخصيًا لم يُعرض عليّ شراء أي جائزة، فلا يمكن اتهامها بأمر لا دليل حسيًا عليه. نلت الجائزة الكبيرة في سلوفاكيا عن فيلم «أديم» وجائزة تقديرية عنه في نيويورك، فهل اشتريتهما؟