تجوّلت في سفينة «ديزني دريم»، واستكشفت سطوحها الأربعة عشر، و 1250 غرفة، وستة مطاعم، ومسرحين، ومنتجعاً صحياً، ورأس فار. وقفت في الأتريوم تحت الثريا المرصّعة بالأحجار الكريمة الملوّنة التي قد تبدو خلابة في قاعة الرقص الخاصة  الخياليّة، وأخذت نفساً عميقاً. عندها شممت رائحة عذوبة وحلاوة.

حسناً، كان هذا عقلي الذي يتكلّم وليس أنفي. فالرائحة الحقيقية التي تفوح من «ديزني دريم» هي رائحة الكلور، وكريم لاسمرار البشرة، والفشار، وعصير الفواكهة، وبحسب الوقت والحدث قد تفوح رائحة العطر والأولاد.

Ad

تزن هذه السفينة 130 ألف طن أي أثقل من السفينتين شقيقتيها بنسبة 40% وأكثر تقدماً تكنولوجيّاً وعلى متنها يصبح الخيال حقيقة.

تقول شارون كلوس التي تسافر للمرة الأولى على متن «ديزني دريم»: «تعجبني الراحة التي أشعر بها هنا، فالأمر أشبه بسفر إلى عالم الخيال».

شعرت بأنني أحتاج إلى قليل من السحر فأبعدت عني العقلانيّة ودخلت أرض الأحلام حيث تعيش الفئران العملاقة من دون مفترسين وحيث لا تفقد الأميرات كنوزهنّ أبداً. فعلى مدى ثلاث ليالٍ ومحطّتين، حاولت المستحيل لكي أكبت روح السخرية التي تسيطر عليّ وتتساءل عن حال الممثلين تحت الثياب التي يرتدونها. وتركت نفسي أقع في «دريم»- الحلم.

عليّ الاعتراف بأن هذه السفينة لافتة للنظر. فعلى عكس علب الحليب العائمة التي تبحر في الكاريبي، تقف «دريم» بهيكلها الأزرق زرقة المحيط. فلا شيء يذكّر بصانع بيغ دادي سوى شكل ميكي ماوس ووجهه اللذين يظهران في مؤخّرة السفينة. فضلاً عن الهندسة الداخلية التي هي أيضاً لافتة، إذ تعود بنا إلى عصر الإبحار الذهبي. ففي الساحات العامة، نلاحظ أرائك مقلّمة عالية الظهر ووسادات مزيّنة بشرابات وثريات تتلألأ مثل باب التبانة.

وبحسب كارولين سبنسر براون، رئيسة تحرير «كروز كريتيك»، صحيفة على شبكة الإنترنت: «في  ديزني دريم تلاحظ تطوّر المفاهيم، فهي تجمع أفضل ما في الديكور القديم مع ما هو جديد».

50 رحلة

تقول سوزان ريد التي تحتفل بقيامها بخمسين رحلة على متن سفن  ديزني: {بالنسبة إلي، تشبه السفينة فندقاً بخمس نجوم، فأنا معتادة على السفن الصغيرة والحميمة ولكن سأعتاد على هذه أيضاً». تسافر ريد لثلاثة أيام إلى ناسو وكاستاوي كاي حيث تملك ديزني 1000 أكر من الجزيرة الباهاميّة.

فمع علامة بيكسار يزيد الضغط للتأثير على الأولاد المنبهرين والراشدين المتعبين. وتتميز كل غرف السفينة بنافذة سحرية تطلّ على المحيط وتظهر مشاهد من العالم الحقيقي كرصيف السفن المكتظّ. ولكن تأتي شخصيات ديزني لتخرجك من العالم الحقيقي. ففي «أنيميتورز باليت» تتحدّث جدران المطعم إلى روّاده. فتركت إحدى النساء عشاءها وانهمكت  في تصوير السلحفاة التي ظهرت في فيلم Finding Nemo والتي حدّثتها قائلة: «ما هذا الشيء الغريب الذي تصوبينه نحوي؟ انتظريني ريثما أتحضّر لتصوريني لقطة قريبة»، فوضعت زعنفة في رأسها ومدّت جسمها غير المغطّى في الصدفة وابتسمت ابتسامة عريضة.

وفي الإطار نفسه، تترك قطع فنية عدة عالمها الثنائي الأبعاد لتدخل الحياة، ففي الطابق الخامس من السفينة صورة لسفينة قراصنة تتبادل إطلاق النار مع قلعة. وفي المتحف صورة لميني ماوس بأسلوب المونا ليزا وتطرف بعينيها وفي خلفية الصورة سفينة صغيرة تبحر.

وبالكاد مقاوماً لسحر المكان، أعددت برنامجاً لأتمكن من قيادة مقود الكابتن قبل فترة التحدي في ألعاب الفيديو. فبعض الترفيعات يتغذّى من الحرارة فحسب من خلال ضرب السفينة في ما يسمى بالجوائز وفي اللعبة ربحت كنزاً. لم أفتح الصدفة ولم أعرف ما السر المدفون فيها.

سرعان ما تحسّن أدائي في لعبة وكالة التحقيق ميدشيب، وهي لعبة تتمحور حول إلقاء القبض على المجرمين وقد كُرِّس الفن لخدمة هذه اللعبة، فيستعمل اللاعبون فيها جميع الطوابق وهي مناسبة للأعمار كافة.

قال رجل يقف خلفي في صف الانتظار: {سألتني زوجتي كيف لرجل في الأربعين من عمره أن يلعب هذه اللعبة، وكان الجواب الصريح: ولم لا؟».

يحصل اللاعبون على بطاقة تحمل المشتبه بهم ومن ثم يتسابقون في أرجاء السفينة بحثاً عن خيوط لحل القضية. تعمل هذه البطاقة كما تعمل Wii فكل ما عليك فعله هو وضعها أمام كل لوحة  فنية ويمكنك بذلك نزع البراغي الفولاذية، إزاحة الأسماك، مسح الغبار لكشف دعائم تقودك إلى المذنب، وفي قضيّتي ساعدني أحمر الشفاه والحبوب على إلقاء القبض على الملكة الشريرة وقد نالت عقابها.

وعلى رغم الميزات الجديدة التي يتميز بها مطعم ريمي الراقي، ومطعم الحديقة الساحرة، والمسبح على شكل دونالد دوك والمياه على سطح السفينة، لا تزال ديزني تحافظ على معالمها القديمة إذ تتجمّع طيلة النهار الشخصيات المحبوبة ميكي وميني ودونالد دوك ويقف الأولاد في صفوف طويلة حاملين دفاترهم للحصول على توقيع.

سندريلا

أول مشهد لفت انتباهي، مشهد سندريلا جامعة حولها سندريلات صغيرات معظمهن متألّقات في فساتينهنّ، لكن بعضهن بدون إشبينات منتعلات كعوب عالية وقد صففن شعرهن. لم أشعر بالراحة لأتقدم من الأميرة التي بدت كمبتدئة جنوبية لذا تأكدت من لوحة المعلومات بحثاً عن شخصيات أكثر احترافاً:

دوناالد دوك: 7:45 - 8:05 مساءً.

ديزي دوك: 8:30 - 8:50 مساءً.

شيب وديل: 9:45 - 10 مساءً.

وفي نوبة الليل: غوفي وبلوتو: 10:30-10:15 مساءً.

لاحظت أنني لست مستعداً بعد للتسكّع  فقررت مشاهدة أحد أفلام ديزني (Tangled) آملاً بأن يدخل السحر قلبي وجسمي.

فكلّ ما هو موجود في السفينة محوره الأساسي ديزني، فالعروض الشبيهة بعروض برودواي تؤدي لقطات لشخصيات الشركة فحسب ولا تعرض المسارح سوى أفلام من إنتاج ديزني، وعلى التلفزيونات في الغرف لا يمكنك مشاهدة سوى المحطات التي تملكها ديزني ولائحة بأفلام من ديزني كلاسيكية وحديثة.

فعلى متن سفن أخرى تعلّمت كيف أطوي المناشف على شكل مخلوقات من الغابة، أما على متن دريم فتعلّمت كيف أرسم شخصيات ديزني.

وبحسب المدرّب أوسي دايف ليس الهدف أن يرسم الإنسان أفضل ميكي ويصبح جزءاً من فريق عمل الرسوم المتحرّكة في ديزني، بل تكمن الأهمية في العملية وليس في الدقة. فثلاثة أرباع الحاضرين في تلك الغرفة لم يعرفوا عمّا كان يتكلم، إذ إنهم لا يزالون يعتقدون أن ميكي ماوس هو فأر حقيقي يرقص في داخل تلفزيوناتهم.

بدأنا برسم دائرة ومن ثم أضفنا معالم ميني، أي الأنف المستطيل والعينان اللتان لا تلتقيان أبداً في النصف. شرح دايف كيف يتحرك فمها كالأرجوحة وقال بنغمة شاعرية إن لسانها مرسوم بشكل هضبتين  متقاطعتين. وكانت رسمتي تتحوّل من رسمة هندسية إلى أخرى جميلة إلى أن وصلنا إلى الخدين، وقد حذّرنا دايف من أن هذا الجزء هو الأصعب فإذا رسمت خدين كبيرين تبدو ميني سمينة وإذا رسمتهما صغيرين تبدو هزيلة.

وفي النهاية بدت سمينة بعض الشيء ووقفنا في صف لنريها رسوماتنا فحملت رسمتي كطفل حضانة وقلت لها: «مرحباً يا ميني لقد رسمتك»، فهزّت برأسها بحماسة وصفّقت بيديها والابتسامة لا تفارق وجهها، وأردفت: «أعتذر، صورتك سمينة»، فهزت برأسها ثانية فيما لا تزال ابتسامتها قوية. فأخذت الصورة بيدها الكبيرة ووقّعتها فيما أثنى مساعدها على خاتمي ووقفنا نتحدث عنه وميني إلى جانبنا مبتسمة وغير قادرة على المشاركة في الحديث، فشعرت بالأسى عليها عندما سألتها إن كانت تريد تجربته فهزت برأسها بقوة وشعرت بأنه قد ينفجر.

غادرت الغرفة متعهداً بأن أبقى بعيداً طوال الرحلة عن أية شخصية.

فكل من يظن أن سفينة ديزني هي للأطفال ولأهلهم فهو مخطئ. فتخصِّص السفينة مكاناً لكل فئة من العمر، فالأولاد دون الثلاث سنوات يلعبون في «عالم الحضانة الصغير» وبين الثلاث والعشر سنوات يلعبون في نادي «أوسيانير» والفتيات المراهقات في «الإيدج» والصبيان المراهقون في «لورد أوفر فايب»، مساحة تحوي أدوات تكنولوجيا عالية ومنسق أغانٍ وكمبيوترات وممنوع دخول الراشدين أو وضع أنظمة. فيرسل الأهل أولادهم إلى هذه الغرفة ولا يرونهم إلا عند حلول الظلام.

تقول كلوس: {نسيت أن السفينة مليئة بالأطفال، فقد أمضيت وقتي في المنتجع الصحيّ».

لا تخصّص دريم سوى أماكن قليلة للراشدين مثل المسبح والحانة والنادي الليلي. ففي مطعم «ريمي» تبلغ وجبة الطعام 75 دولاراً ومن يقصده يجب أن يكون راشداً، وتتكوّن لائحة الطعام فيه من دجاج مشوي بالجبن. كذلك، «بالو» هو المطعم الثاني المخصّص للراشدين.

لكني أردت أن أبقي الطفولة في داخلي مرفّهة، ففي خلال محطّتنا في كاستاواي كاي انخفضت الحرارة وأمطرت السماء قليلاً فمشيت أمام شاطئ العائلة إلى طريقي نحو المسبح المخصص للراشدين، فرأيت الكابتن هاوك وجماعته و{سمي» الذي يتسلّق برج المراقبة حيث تحتل دريم القسم الأكبر من الأفق.

انتظرت ساعة حتى يبدأ سباق الناسك، لكني علمت أن القشريات هي عدوّة الطقس المعتدل فعدت إلى السفينة. وفي طريق عودتي رأيت الأولاد يتزحلقون ويلعبون في الألعاب المائية وضحكاتهم تملأ الأجواء غير آبهة للبرد. فاستوحيت منهم وجلست في العوامة وبدأت أجذف صعوداً ونزولاً.

انتهت الجولة قبل أن أشعر بالبرد تماماً لذا فكرت في العودة إلى السفينة، لكني فضّلت النزول في الحوض الساخن والانضمام إلى الراشدين الآخرين الذين كانوا يتحدثون عن البرد ويتساءلون عن أماكن أولادهم.