تضخم ملف الايداعات المليونية سياسيا حتى حل عليه ضيف ثقيل هو الاستجواب الذي أعلنت عنه كتلتا "التنمية والإصلاح" و"الشعبي" بداية دور الانعقاد المقبل حول تلك الإيداعات النيابية المشبوهة، فيما ينتظر أن تنضم اليه كتلة العمل الوطني، ليعيد أجواء الاستجوابات المشتركة. ويرى متابعون سياسيون أن خيارات التعامل الحكومي مع الاستجواب أصبحت معروفة سلفا، فإما المواجهة عبر جلسة سرية، أو التأجيل عبر اللجنة التشريعية والمحكمة الدستورية، أو خيار الاستقالة لتجنبه، ويضيفون أن لكل خيار كلفته السياسية على الحكومة.ويوضح المتابعون أن مواجهة الاستجواب هي الأكثر كلفة ومقامرة حتى لو نوقش في جلسة سرية، مشيرين الى أن المواجهة تعني كشف الأسماء النيابية المتهمة في "الايداعات المليونية"، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الاستجواب سينتهي الى رفع كتاب عدم تعاون، وهو ما سيضع النواب المتهمين في حرج سياسي إن صوتوا ضد الكتاب أو حتى معه، ففي كلتا الحالتين ستكون مواقفهم في دائرة الشك والانتقاد، ولن يخلو الجو السياسي من تواصل الشحن الشعبي ضدهم خاصة أن الأوراق حينها ستكون مكشوفة بمسمياتها.ويؤكد المتابعون أن المراهنة على عبور الاستجواب مقامرة خصوصا ان نتائج التصويت على كتب عدم التعاون الأخيرة كانت قاب قوسين أو أدنى من الوصول الى العدد المطلوب، مستدركين بالقول ان تصويت نواب كتلة "العمل الوطني" سيكون المرجح، فإن شاركوا في الاستجواب، فإن الوصول الى الـ 25 نائبا أصبح محققا.أروقة "الدستورية"ويرجح المتابعون أن تلجأ الحكومة الى خيار التأجيل عبر إحالته الى المحكمة الدستورية أسوة بما حدث مع استجواب كتلة العمل الشعبي الذي أحيل الى المحكمة الدستورية، "فهو الخيار الوحيد الذي يمكن أن ترمي فيه الحكومة بثقل كتلتها في المجلس عبر تصويت الوزراء، كما أنه يرفع الحرج عن كثير من النواب المقربين منها أو المتهمين، فالقضية منظورة أمام القضاء وقد يفسر الاستجواب بأنه تدخل من السلطة التشريعية في أعمال (القضائية)"، مستشهدين بالتصويت الماضي، اذ نجحت الحكومة في إحالة استجواب "الشعبي" والعدد ذاته سيكون متوفرا لها.ويبين المراقبون أن إحالة الاستجواب الى أروقة "الدستورية" من شأنه تخفيف الضغط الإعلامي والسياسي على الحكومة ونوابها، خاصة اذا ما صدر قرار من النيابة العامة أو المحكمة بحظر النشر في القضية، ما يجعلها في طي النسيان لفترة قد تصل الى نهاية الفصل التشريعي الحالي الذي تبقى من عمره سنتان.أما خيار الاستقالة، فيرى فيه المتابعون خيارا له إيجابياته وسلبياته، فهو يضع نقطة نهاية لحالة الاحتقان النيابي والشعبي، ومناسبة لاعادة ترتيب أوراق العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وخروج من حالة الجمود السياسي "المزمنة"، ويجنبها مواجهة شرسة مع النواب. إلا أن المتابعين يشيرون الى أن هذا الخيار قد يعد اعترافا من الحكومة بتورطها في قضية الإيداعات المليونية ما ينهي شخوصها "سياسيا".ويتساءل المتابعون عن التضامن الحكومي في قضية الإيداعات، علما بأن بعض الوزراء لديهم استحقاقات انتخابية مقبلة، وكل يوم يمر دون الوصول الى حل كامل للقضية، أو تعامل واضح من قبل السلطة تجاهها يرضي النواب والشارع يكلفهم كثيرا ويسجل في دفتر خسائرهم السياسية يوميا، وبالتالي فإن الاستقالات الفردية ستكون حاضرة في أذهانهم وتزداد قوة كلما غرقت الحكومة أكثر في القضية "نيابيا وشعبيا". لذا فإن الاستقالة الجماعية سترفع الحرج عن الجميع.كما يطرح المتابعون حل مجلس الأمة دستوريا كخيار متوافر للقيادة العليا إذا ما رأت أن الأوضاع خرجت عن دائرة المألوف بين السلطتين، وضرر "الايداعات المليونية" بلغ مداه على السلطتين، وهنا يشير المتابعون إلى أن حل البرلمان له مؤيدوه ومعارضوه، أما المعارضون فيرون فيه هروبا من محاسبة النواب المشتبه فيهم وإنقاذا لهم من المحاكمة السياسية، بينما يؤكد المؤيدون أن المجلس الحالي أصبح مطعونا في ذمته، وأي موقف يتخذ مشكوك في صحته، وبالتالي فإن عودة الحياة السياسية الى طريقها القويم يتطلب حل البرلمان وبالتبعية استقالة الحكومة، وبداية جديدة "لعل وعسى تنتشل الدولة من جمودها".ويقول المتابعون إن قضية الايداعات المليونية مست السلطتين التشريعية والتنفيذية، فأصبح الكل متهما حتى تثبت براءته وليس العكس، وبالتالي فإن التعامل معها يجب أن يكون بصورة تعيد الثقة بالمؤسسة التشريعية أولا وهو الأهم، مشيرين الى أن الاستجواب – وهو المحاكمة السياسية – قد يكون حلا للأزمة أو إنقاذا للحكومة، فهي لعبة سياسية جديدة بين طرفين كل منهما له أدواته، والانحراف عن لب القضية وهي "الايداعات" يعني الانحراف عن الاصلاح الديمقراطي.
محليات
تحليل سياسي: استجواب "الإيداعات"... محاكمة سياسية مطلوبة أم إنقاذ للحكومة
30-09-2011