أكد الناقد الفلسطيني فيصل دراج أن دور المثقفين العرب يحتاج إلى سياقات جديدة، خصوصاً بعد الربيع العربي الذي أحدث هزة كبيرة على مستوى الشارع العربي عموماً. وأضاف أن دور المثقف النخبوي مرفوض، وأن المثقف الحقيقي هو المتورّط في الشأن العام، فأي مواطن حتى لو كان لا يعرف القراءة والكتابة، يبقى متورّطاً في الشأن العام ومثقفاً ما دام لديه أفكار ورؤية لما يدور من حوله.

Ad

قال فيصل دراج خلال لقاء نظّمه «المجلس الأعلى للثقافة» في القاهرة لأدباء وشعراء فلسطينيين، إن سبب اندلاع الثورات العربية هو القهر اليومي الذي دفع كل إنسان يقرأ أو لا يقرأ، ويشعر أنه يعامَل كحيوان، الى أن يخرج لأنه رأى أنه يستحق حياة أفضل، فطالب بالحرية والكرامة، ووجد مثقفين نبلاء ساعدوه في هذا الأمر.

أضاف دراج أن البطولة الإنسانية الحقيقية هي بطولة الدفاع عن القيم، ودور جميع المثقفين العرب الآن هو الدفاع عن هذه القيم التي تفتقدها القضية الفلسطينية في نضالها، مشيراً إلى أن الدور الفاعل في قيام الثورات كان للروايات التي قدّمت شهادات عما يحدث.

وحول فلسطين والمشروع الصهيوني، أكّد دراج أن الوجود الفلسطيني ممزّق ومغترب ومنقسم، ولا بد من أن يكون للمواطن الفلسطيني دور لمقاومة هذا التمزّق، على رغم أنه محاصر مرّتين: أولاً من السلطات العربية التي نشأت بعد حرب 1948 للدفاع عن النظام الصهيوني، وثانياً بعد وفاة جمال عبد الناصر.

تابع دراج: «أنا كفلسطيني مضطهد من المشروع الصهيوني والأنظمة العربية التي دافعت دائماً عن النظام الصهيوني، وإذا كانت في التاريخ بطولة حقيقية فهي بطولة القيم وتقدّم التاريخ، والدفاع عن القضية الفلسطينية هو دفاع عن القيم».

من جهته، قال الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة إن دراج يستحق ما هو أفضل من الكلمات، فهو ناقد كبير وفي ملمح من عالمه المتعدد أحد المغتربين الكبار في هذا العالم، ولاغترابه ملابسات وأسباب استثنائية. وهو ككلّ مواطن فلسطيني يكابد من العناء ما يفوق التصوّر، فيستيقظ مبكراً ويعمل كثيراً ويحلم بأوطان أخرى مغايرة خارج هذا العالم، ولديه رؤية الفيلسوف والناقد المتأنّي، وموهبته لم تُمنح سوى لقلّة.

أوضح حمودة أن الأمل والفجيعة قادا دراج ليستكشف ويبلور موقفه المدافع عن الوطن في منأى عن أشكال الاستبداد، بعيداً عن الزيف متعدّد الأقنعة، فاستنهض في كتاباته المعرفة العميقة ليصل بالثقافة الفلسطينية إلى العالم الإنساني كلّه بعيداً عن النظريات المستمدة من سياقات أخرى. وقال إن مشروع دراج النقدي بمثابة ثمرة نبتت في مناخ مناوئ في ظل عواصف، لذا كانت ثمرة عطية.

كذلك اهتم دراج بعلاقة الثقافة بالسياسة التي لم تبتعد عن علاقتها بفلسطين، وانتهى إلى أن سؤال الثقافة لا ينخلع عن سؤال الدولة.

بدوره، ذكر رئيس «المجلس الأعلى للثقافة» د. شاكر عبد الحميد أن دراج علامة مميزة في الوسط الثقافي، وثمة مثقفون يشعرون بالفخر عندما يكتب عنهم دراج، فعالمه خصب متعدّد الأبعاد والإسهامات. أما الكاتب الفلسطيني يحيى يخلف فلفت: «في التاريخ أحداث تُنسب إلى الحكام وأخرى تُنسب إلى غزاة وفساد، لكن الأحداث العظيمة هي تلك التي ينسبها التاريخ إلى الأفراد ونضالهم السياسي والتمرّد على واقع فاسد. فالتاريخ الحقيقي يصنعه البشر، والثورة المصرية هي ثورة معرفة تستند إلى تاريخ حضاري طويل وفكر إنساني واعٍ، ووجود ظلم واستبداد وانتفاء العدالة والمساواة، وهذا ما عُرف بزواج السلطة والسياسة وما صاحبه من فساد وقيام نظام سياسي بتوريث السلطة. ذلك كلّه أفسد الحياة من النواحي كافة، وأفضى إلى حالة ركود وتراجع داخلياً وخارجياً. هكذا كان الوضع العربي قبل الحراك الكبير الذي أعاد إلى العالم العربي نبضه».

أضاف يخلف أن الثورات يسبقها دائماً حراك فكري وثقافي، وحالة من الوعي التاريخي تكون الدافع للشعوب الى رفض الظلم والاستبداد والمطالبة بحقوقهم. ورأى يخلف «أن مصر، في السنوات الأخيرة، فقدت دورها الإقليمي والدولي، وصارت مركز الشرق الأوسط إيران وتركيا وإسرائيل وأصبحت الدول العربية خارج اللعبة، بعد أن كانت مصر في عهد عبد الناصر مركز حركات التحرر في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، ومثلت قبضة تاريخية وأسماها المفكّرون كتلة تاريخية. فمصر بدأت كدولة عصرية تبني نهضتها منذ محمد علي، وكان تاريخها عامراً بالفكر النهضوي، وهذا ما أنتج التيارات الفكرية المطروحة على الساحة الآن، لذلك كي نبني نهضتنا الجديدة نحتاج إلى العودة إلى الأفكار التي رسّخها الأدباء والمفكرون».

كذلك طالب يخلف جميع المثقّفين بالانتباه إلى المخاطر التي تحيط بالقدس بسبب الجرائم الإسرائيلية حول المسجد الأقصى، وسرقات إسرائيل من المتاحف والآثار الفلسطينية والمواقع الأثرية الفريدة المنهوبة، وبالدفاع عن القضية الفلسطينية وحقّ الفلسطينيين المشروع في الدفاع عن أرضهم.