مع إعادة بناء الخلية الإرهابية، غداة مقتل بن لادن، برز فريق جديد من تنظيم «القاعدة» قادم من إيران إلى الواجهة، وهو عبارة عن مجموعة من القادة الطامحين إلى استعادة السيطرة على الوضع بعد فقدان رأس التنظيم، وهو ما ينطوي على تهديدات محتملة في المرحلة المقبلة. وسط محاولات "القاعدة" استرجاع عافيتها بعد العملية التي قتلت أسامة بن لادن وسعيها إلى تأسيس قيادة جديدة، تعرّضت بنيتها الداخلية إلى تحولات كبرى بفضل وصول فريق تابع لـ"القاعدة" من إيران منذ أواخر السنة الماضية، بعد أن كان مفقوداً لفترة طويلة. بعد اعتداءات 11 سبتمبر والإطاحة بإمارة أفغانستان الإسلامية، هربت نسبة كبيرة من الآباء المؤسسين لـ"القاعدة" إلى إيران، وعاشوا هناك في ظل مراقبة غير مشددة من طهران طوال سنوات. وقد سُمح لهم الآن بمغادرة إيران، فعادوا إلى باكستان. حصل هذا الفريق المؤلف من ناشطين خبراء على ترحيب حار في وطنهم، وسيكونون عنصراً حاسماً في أعمال "القاعدة" في حقبة ما بعد بن لادن، وهم سينضمّون إلى نائبه المصري منذ فترة طويلة أيمن الظواهري والعقل المدبّر الباكستاني للعمليات الإرهابية محمد إلياس كشميري.في أواخر عام 2001 وأوائل عام 2002، عندما هرب بن لادن من أفغانستان شرقاً نحو باكستان، توجهت مجموعة صغيرة أخرى من قادة "القاعدة" غرباً نحو إيران، فاعتقل الإيرانيون عدداً منهم. خلال السنوات التسع اللاحقة، لم يتضح موقعهم لأي جهة خارجية، فهم لم يملكوا حرية مغادرة إيران، ولكنهم لم يكونوا معتقلين طوال الوقت أيضاً، وقد ألمح الإيرانيون في بعض المناسبات إلى أنهم مستعدون لتسليم هؤلاء الناشطين في "القاعدة" مقابل استرجاع المعارضين للنظام الإيراني مثل عناصر حركة "مجاهدي خلق" التي اعتُقل أعضاؤها في العراق خلال الغزو في عام 2003. لكن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق في هذا المجال، وربما اعتبرتهم إيران رهائن مفيدين لها، فهم يساعدونها على منع "القاعدة" من استهداف أي مواقع إيرانية.في المقابل، اتهمت واشنطن الإيرانيين بالإغفال عن الدعم الذي يمنحه هؤلاء المنفيّون لاعتداءات "القاعدة" في العراق والمملكة العربية السعودية انطلاقاً من مواقعهم في إيران.يشكّل رحيلهم من إيران في أواخر السنة الماضية مسألة غامضة بقدر غموض الفترة التي أمضوها في إيران، فتشير بعض التقارير غير المؤكدة إلى حصول عملية تبادل أسرى مع "القاعدة" في باكستان التي احتجزت أحد كبار الجواسيس الإيرانيين. وربما حصلت صفقة مع طهران مقابل تسليم المنفيين، لكن تبرز نظرية أخرى في هذا المجال: مع تدهور العلاقات الأميركية الإيرانية في عام 2010 بسبب برنامج إيران النووي وإقدام طهران على قمع المعارضة محلياً، سمح النظام للفِرق التابعة لـ"القاعدة" بالمغادرة بكل هدوء إلى باكستان كي تتمكن من استئناف نشاطاتها ومضايقة الولايات المتحدة من جديد.بين "القاعدة" وإيران علاقة معقدة جداً، إذ تتألف هذه الخلية الإرهابية من عناصر سُنّة متطرفين، ومن المعروف أن إيران تضم أغلبية شيعية، وبالتالي، يتبادل الطرفان أقصى درجات مشاعر الكره، فقد استهدفت "القاعدة" في العراق وأفغانستان الشيعة في أعمال انتقامية عدة، لكن ثمة قضية تجمعهم وتتمثل بالكره المشترك تجاه الولايات المتحدة. ويدرك الطرفان المنافع من ارتكاب أعمال عنف إضافية ضد الولايات المتحدة، بغض النظر عن الطرف الذي ينفذها، كذلك، التزم الطرفان بعلاقة تعاون تكتيكي وسري يعود إلى منتصف التسعينيات.بغض النظر عن الحوافز التي تدفع الإيرانيين إلى منح القادة القدامى حرية المغادرة، عاد هؤلاء للظهور في مرحلة مفصلية بالنسبة إلى "القاعدة"، فقد أدت الضربات العسكرية عبر الطائرات بلا طيار إلى إضعاف جوهر الخلية الإرهابية، حتى قبل أن تعثر وكالة الاستخبارات المركزية على بن لادن في آبوت أباد. سرعان ما عاد اللاجئون الخبراء من إيران للانضمام إلى صفوف "القاعدة".هم يستعدون الآن للعب دور مهم في العملية الجديدة في حقبة ما بعد بن لادن، إذ تبرز أعداد أخرى من المصريين من أمثال الظواهري، أبرزهم الرجل الملقب بسيف العدل، أو محمد صلاح الدين عبدالحليم زيدان. بعد أن كان سيف العدل كولونيلاً في الجيش المصري، انضم إلى حركة الجهاد الإسلامي المصري بزعامة الظواهري خلال الثمانينيات، وعندما دمج الظاهري وبن لادن عصابتَيْهما الإرهابيتين لإنشاء تنظيم "القاعدة"، أصبح سيف العدل أحد كبار الناشطين العسكريين في التنظيم، وكان مقرباً جداً من بن لادن. عام 2001، اصطحب سيف العدل عدداً من أفراد عائلة بن لادن إلى إيران، منهم ابن أسامة، سعد بن لادن (وهو عاد مع سيف العدل إلى باكستان في أواخر عام 2010). كتب سيف العدل، أثناء إقامته في إيران، السيرة الذاتية الخاصة بأبي مصعب الزرقاوي، المسؤول الإرهابي الشهير الذي كان ناشطاً في "القاعدة" داخل العراق، فأشاد بمعاركه ضد قوات الاحتلال الأميركي وانتقد إيران لأنها لم تساعد حركة الجهاد في العراق بشكل كافٍ. تشير بعض التقارير إلى أن سيف العدل ربما يؤدي الآن دور زعيم "القاعدة" بينما وجد الظواهري مخبأً جديداً وآمناً له، لكن تبقى هذه المعلومات غير مؤكدة.من بين الناشطين الآخرين الذين عادوا من إيران إلى باكستان أخيراً، نذكر رجلاً مصرياً آخر يدعى عبدالله أحمد عبدالله، ولقبه محمد المصري. وشكل إلى جانب سيف العدل لاعباً أساسياً في الاعتداءات التي استهدفت السفارتين الأميركيتين في تنزانيا وكينيا في شهر غسطس من عام 1998. وكان سليمان أبو غيث الكويتي ممولاً ناشطاً لـ"القاعدة" قبل اعتداءات 11 سبتمبر، وأحد أبرز المتحدثين باسمها قبل فراره إلى إيران في عام 2001. أبو حفص الموريتاني، اسمه الحقيقي محفوظ ولد الوليد خالد الشنقيطي، هو مواطن موريتاني يتمتع بمصداقية دينية قوية.تزامنت عودة المنفيين في إيران مع تعرض "القاعدة" في باكستان لهجوم متواصل من الطائرات الأميركية بلا طيار، فيجب أن تقلق قيادة التنظيم الآن من أن يكشف الكم الهائل من الأقراص التي تمت مصادرتها في آبوت أباد عن أماكن اختبائهم، مما يقود إلى شن عمليات إضافية باستعمال الطائرات بلا طيار، لذا من المتوقع أن تكون الفترة المقبلة مخصصة لإعادة بناء التنظيم. على صعيد آخر، تشير أحدث التقارير إلى ادعاء جديد بشأن تآمر طهران في اعتداءات 11 سبتمبر التي نفذتها "القاعدة".كذلك، ستلعب مجموعة أخرى دوراً رئيساً في فرض النظام الجديد: إنهم الإرهابيون الباكستانيون المنتمون إلى "القاعدة". في نهاية المطاف، هم يعرفون بلدهم أكثر من أي طرف خارجي آخر، إذ يبرز في هذا المجال دور محمد إلياس كشميري الذي تدرب على يد أجهزة الاستخبارات الباكستانية ومدرسة القوات الخاصة التابعة لها، وحارب في كشمير، والهند، وأفغانستان، ومحلياً في باكستان، طوال عقود، كما أنه العقل المدبر وراء عدد من مخططات "القاعدة" في أوروبا، وكان كشميري المسؤول عن الاستعانة بالأميركي ديفيد هيدلي الذي ساهم في التخطيط لاعتداء نوفمبر 2008 على مومباي، وكانت شهادته هذا الأسبوع في محكمة شيكاغو دليلاً على مدى تعقيد الروابط القائمة بين "القاعدة" وحلفائها الإرهابيين الباكستانيين والجيش الباكستاني، ويُعتبر كشميري صلة الوصل بين جميع هذه الأطراف.تُعتبر قوانين "القاعدة" الداخلية خاصة جداً في ما يتعلق بمسألة الخلافة. يجب أن يحصل الظواهري، بصفته نائب بن لادن، على لقب أمير "القاعدة"، فقد رسخ الظواهري نفسه، طوال عقود، كزعيم إرهابي منذ حادثة اغتيال أنور السادات، وهو أهم واضع نظريات ضمن صفوف التنظيم، لكن سيلعب المنفيون السابقون في إيران والفريق الباكستاني المحلي أدوراً مهمة أيضاً، فلا تجب المبالغة في تصديق الشائعات المتعلقة باختلاف الرأي بين قادة "القاعدة"، ولا شك أنهم يختلفون في بعض الأمور، لكن ما يجمعهم أهم بكثير من تلك الاختلافات، فهم مصممون على الانتقام لمقتل بن لادن وعلى ضرب الولايات المتحدة.
مقالات - Oped
ما طبيعة العلاقة بين القاعدة وإيران؟
03-06-2011