لا تذكر الفلسفة الإسلامية إلا ويذكر معها ابن سينا، أحد أهم العقول التي أنتجتها الحضارة الإسلامية التي تفاخر به ومن على شاكلته الأمم في ساحة العلوم والمعارف، إلا أن نبوغه في الفلسفة لم يكن شيئاً تفرد به، فقد نبغ في علوم الطب والرياضيات والموسيقى والأدب واللغة والفلك، وبالجملة فقد كان ابن سينا عالم عصره وأعجوبة زمانه، ظل حتى يومنا هذا واحدا من أكبر العقول التي ظهرت على مدار الأزمان.

ولد أبو علي الحسين بن عبدالله بن الحسن بن علي بن سينا في قرية أفشنة قرب بخارى (بجمهورية أوزبكستان الحالية) سنة 370هـ/980م، وعرف عن ابن سينا شغفه بالعلم منذ صغره فقد أتم حفظ القرآن والكثير من الأحاديث وعمره لم يتجاوز العاشرة، ثم كانت علاقته بملوك الدولة السامانية سببا في ترقي حاله، فقد نجح وهو ابن السابعة عشرة في علاج الأمير نوح بن منصور الساماني، فما كان من الأمير إلا أن فتح أبواب خزائن كتبه أمام ابن سينا ينهل منها فاطلع على علوم الأولين، واجتمع لديه من العلوم ما لم يجتمع لغيره، بعد أن استوعب ابن سينا ما في الكتب من علوم عزم على التجوال والسفر طلبا للعلم، فرحل إلى خوارزم، فقابل هناك العلامة البيروني وكانت بينهما مراسلات علمية، وتنقل بين مدن إيران حتى استقر به المقام في مدينة همدان، وتُوفي فيها سنة 427 هـ/1037م.

Ad

لمع نجم ابن سينا في مجالي الطب والفلسفة، وتعدت شهرته المجتمع الإسلامي إلى أوروبا فجاء كتابه القانون لينير ظلام أوروبا، فعرف في الحضارة الغربية بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث، ولا أدل من سيطرته على التفكير الطبي في أوروبا من أن كتاب القانون الذي ترجمه جيرار دي كريمون في طليطلة باسبانيا إلى العبرية طبع لأول مرة في نابولي سنة 1491م، طبع 15 مرة باللاتينية ومرة بالعبرية خلال 30 عاما في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، ومن أنه كان ضمن الكتب المقررة في جامعة لوفان ببلجيكا حتى القرن السابع عشر، أي بعد وفاة مؤلفه بسبعمائة سنة، وكان المرجع الرئيس في جامعة مونبلييه الطبية الشهيرة بفرنسا لقرون، وظل يُدرس في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن التاسع عشر.

وكتب جرونر في رسالته عن طب ابن سينا التي نشرت في لندن عام 1930م، أن انجازات ابن سينا وأفكاره هي ما يعتبره البعض الآن إنجازات حديثة، ومنها العلاقة القوية بين المشاعر والتغيرات الجسدية وفسيولوجية النوم وأهمية تنقية مياه الشرب، وتأثير المناخ على الأمراض، وأهمية اتباع نظام في الطعام، وإدخال العقاقير في مجري البول، واستعمال الحمام المهبلي، واستعمال التخدير بالفم، واختبار مدى قوة العقار بالتجربة من الشرج، وعلاج الأمراض العقلية باستعمال الملاريا المفتعلة.

وفي الفلسفة عرف ابن سينا بالمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي تقديرا لمجهوداته الجبارة في مجال الفلسفة تأليفا وشرحا لأفكار أرسطو والفارابي، ويعد كتابه «الإشارات والتنبيهات» من أهم كتب الفلسفة الإسلامية، الذي أظهر فيه جرأة فكرية غير مسبوقة.