يحتل نصير الدين الطوسي مكانته في سجل العلم الإسلامي كأحد كبار علماء الإسلام في القرن السابع الهجري، وعده المستشرقون أكبر المشتغلين في العلوم العقلية بعد ابن سينا مباشرة، وقد لقب من قبل معاصريه بـ"أستاذ الحكماء والمتكلمين"، لنبوغه في علوم الفقه والفلك والرياضيات والفلسفة. وتخليدا لأعمال نصير الدين الطوسي الرياضية والفلكية العلمية سميت حفرة نيزكية على سطح القمر باسم "فوهة الطوسي" على الجانب المضيء للقمر.

ولد نصيرالدين أبوجعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي في سنة 597هـ/1201م، بقرية جهرود قرب مدينة طوس (مشهد الحالية شرق إيران) ونشأ في طوس، وسط أسرة عرفت بالعلم فقد كان والده أحد أهم علماء الكلام في عصره وخاله هو الفيلسوف أفضل الكاشي. كان من الطبيعي وسط هذا الجو أن ينشأ نصير الدين في جو العلم نابغة فقد استوعب علوم الفلك والرياضيات بجوار الفلسفة والفقه قبل أن يتم الخامسة عشرة من عمره، بعدها قرر نصير الدين مغادرة طوس والتجول بين المدن الفارسية المختلفة طلبا للعلم، فقد زار نيسابور ومنها اتجه صوب قلعة "ألموت" الرهيبة معقل دعاة الإسماعيلية الرئيسي بطلب من حاكمها، وهناك أمضى نصير الدين 28 عاما قضاها بعيدا عن التوترات التي عصفت بالمشرق الإسلامي إثر الهجوم التتاري المدمر، وأثناء إقامته في "ألموت" أنتج نصير الدين العديد من المؤلفات مستغلا حالة الفراغ التي كان يحياها.

Ad

وعندما سقطت "ألموت" في يد التتار سنة 655هـ/1257م، قرر هولاكو أن يجعل من نصير الدين مستشاره الخاص وأسند إليه مهمة الإشراف على شؤون الأوقاف، وظل نصير الدين متمتعا بمنصبه حتى وفاته في بغداد سنة 672هـ/1274م.

تنبع أهمية نصير الدين أنه استطاع أن يقنع الطاغية هولاكو برعاية العلماء ووقف المذابح الضخمة التي أقامها هنا وهناك، فقد أقنع هولاكو ببناء مرصد مراغة الفلكي قرب مدينة تبريز، وهو المرصد الذي يعد أول مجمع فلكي علمي حقيقي اتخذ صفة المجمعية اليونانية في التاريخ الإسلامي، وزودها بمكتبة ضخمة من الكتب التي أنقذها من دمار بغداد، كما استجلب علماء المشرق والمغرب إلى المرصد.  في هذا المرصد الفلكي أنجز نصير الدين كتابه "الزيج الأيلخاني" وهو عبارة عن جداول فلكية، ظل معتمدا لدى فلكي أوروبا حتى القرن السابع عشر. كما قام الطوسي بنقد أعمال أشهر علماء الفلك بطليموس، فألف كتاب "تحرير المجسطي لبطليوس" وكتاب "التذكرة النصيرية"، ووضع فيهما نصير الدين خلاصة أفكاره الفلكية حيث اقترح نموذجاً فلكياً علمياً يتفوق على نموذج بطليموس التقليدي. ونموذجه مع إصلاحاته الفلكية لما جاء في كتب بطليموس يُعد الخطوة الأخيرة التي مكنت كوبر نيكوس من الوصول إلى اكتشافاته الفلكية، وهناك الكثير من اكتشافات ومخترعات الطوسي نجدها منقولة في كتب كوبر نيكوس.

وقبل الطوسي لم يكن يعرف علم المثلثات كعلم منفصل إلى أن جاء الأخير وأصله وجعله في كتابه "شكل القطاع" علماً مستقلاً بذاته. كما قام الطوسي بحساب مبادرة الاعتدالين في السنة ووجدها قريباً من 51 سنوياً، وهي قيمة قريبة من القيم المحسوبة حديثاً والمقدرة بـ50.2567.