يتأمل فهد بن عبدالله آل ثاني، أحد أعضاء الأسرة الحاكمة في قطر، مهراً بني اللون. سيُعرض هذا الحصان الأصيل للبيع في مزاد علني في بعد ظهر أحد أيام أكتوبر المشمسة في مؤسسة «تاترسولز» العريقة لبيع الخيول في نيوماركت بإنكلترا. يرفع آل ثاني نظاراته الشمسية عن عينيه ويضعها على رأسه، ويروح يقلب في جهاز iPad للحصول على معلومات عن سلالة هذا المهر. قبل وقت ليس ببعيد، كان هذا الشيخ (22 سنة)، الذي يرتدي سروال جينز وحذاء رياضياً، يعتبر دخيلاً على عالم تاترسولز القديم، التي ما زالت متمسكة بكثير من التقاليد منذ تأسيسها نحو منتصف القرن الثامن عشر. «بلومبرغ» ألقت الضوء على هذا المغامر. يكون المزايدون عادة في «تاترسولز» بريطانيين، ولا تزال الأحصنة تُسعر بالجنيهات، وحدة نقدية قديمة تساوي راهناً 1.64 دولاراً، وما عادت تُستعمل إلا في هذه المؤسسة. صحيح أن آل ثاني بدأ بشراء الأحصنة الأصيلة منذ أقل من 20 شهراً عقب مشاركته في أول سباق له، لكنه يعرف جيداً ما يريد. يقول، فيما يتحقق من ساعته لمعرفة متى ستبدأ عملية المزايدة: «الطبع بالغ الأهمية. كذلك، نولي أهمية كبرى لأصالة الحصان وشكله».بما أن آل ثاني وافد جديد على عالم سباقات الخيول، يواجه بعض أبرز الأسماء في هذه الرياضة في «تاترسولز»، بمن فيهم حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، الإيرلندي جوني ماغنير، مالك Coolmore Stud، أكبر مؤسسة لتربية الخيول الأصيلة في العالم، وجون وارنر، مستشار الملكة إليزابيث الثانية في شؤون الخيول وسباقاتها. نظراً إلى الأموال التي أُنفقت في «تاترسولز» والمزادات الأخرى عام 2011، يبدو هؤلاء الرجال الفاحشو الثراء، الذين يسيطرون على السوق العالمية للخيول الأصيلة، محصنين ضد الأسواق المتأرجحة وأزمة الدين الأوروبية.يتأمل آل ثاني المعلومات التي تعرضها شاشة جهازه عن الحصان رقم 49: والد هذا المهر البطل Invincible Spirit، علماً أن هذا الأخير تفوق على الفحول الأخرى بإنجابه أكبر عدد من الأحصنة التي فازت وهي في سن السنتين عام 2010. يبدو آل ثاني حريصاً في مزايدته، فينسحب من المزاد، تاركاً وارن يفوز بهذا المهر مقابل 150 ألف جنيه.صحيح أن ميزانية آل ثاني، ابن أخ أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، تبدو صغيرة نسبياً، إلا أن الحظ يحالفه وينجح في ترك بصماته في عالم سباقات الخيول، ولا تعود نجاحاته هذه إلى إسرافه في إنفاق المال.في تاترسولز، اشترى آل ثاني ثلاثة أمهار مقابل 215 ألف جنيه، ولا يُشكل هذا المبلغ سوى جزء صغير من الستة ملايين جنيه التي أنفقها آل مكتوم، مالك أغنى اسطبل للسباقات في العالم وحاكم دبي، جارة قطر المبهرة في الخليج العربي. لكن في أقل من سنتين، نجح القطري الشاب في تحقيق إنجاز لم يبلغه بعد آل مكتوم (62 سنة)، على رغم انقضاء عقدين على استثماره في سباقات الخيل. خلال محاولات آل ثاني الأولى، فاز حصانه «دونادن» البالغ من العمر 6 سنوات بكأس ملبورن العريق في الأول من نوفمبر الفائت، في نهاية بدت متقاربة جداً، فقد احتاج الحكام إلى دقيقتين ونصف الدقيقة ليعلنوا الفائز. يخبر آل ثاني: «بدت لي تلك الدقيقتان ونصف الدقيقة ثلاث سنوات». لا شك في أن جائزة أحد أغنى سباقات الخيول في العالم تستحق المجهود، إذ تبلغ 3.6 ملايين دولار، وهذا مكسب جيد، خصوصاً أن آل ثاني لم يدفع مقابل دونادن عام 2010 سوى 156300 دولار.طموحات قطربفضل تريثه، فاز آل ثاني أيضاً بإعجاب معظم الشخصيات في عالم سباق الخيل. ذكر وارن بعد بضعة أسابيع في هايكلير ستاد، مزرعته للخيول قرب منطقة هايكلير كاسل حيث صور البرنامج التلفزيوني الشهير Downton Abbey: «من الجيد أن آل ثاني لم يتهور أو يجن جنونه». يعكس فوز دونادن طموحات قطر، فضلاً عن آل ثاني. فتعمل هذه الدولة العربية الغنية بالغاز الطبيعي بدأب لتوسع نفوذها حول العالم، وما السباق إلا جزء من هذه الحملة الواسعة. إضافة إلى المال الذي يملكه آل ثاني، وُضعت في تصرفه مبالغ من «شركة قطر للاستثمار وتطوير المشاريع» التي يديرها. يرأس هذه الشركة، إحدى أكبر شركات الاستثمار الخاصة في قطر، والده عبدالله بن خليفة آل ثاني، الذي تولى منصب رئيس الوزراء بين عامَي 1996 و2007، علماً أنه أخو أمير قطر.في شهر مارس من العام الماضي، وقعت «شركة قطر للاستثمار وتطوير المشاريع» صفقة بملايين الدولارات لترعى سلسلة البطولات البريطانية التي تتألف من 35 سباقاً تبلغ ذروتها في السباق النهائي في شهر أكتوبر في مضمار أسكوت لسباقات الخيل. ويُعتبر يوم البطولات البريطانية الأهم في سباقات الخيل البريطانية، إذ يبلغ مجموع الجوائز 4.7 ملايين دولار. يؤكد آل ثاني أن صفقة هذه الشركة ستعزز مكانتها حول العالم، ويضيف: «تفتح هذه الصفقة أمامنا أبواباً كثيرة، فالرياضة توحد العالم وهذه بالتأكيد الرؤية القطرية».طوال أربع سنوات، رعى «نادي السباق والفروسية القطري» جائزة «قوس النصر» في باريس، أحد أعرق السباقات في العالم. لكن الرؤية القطرية لا تقتصر على سباق الخيول. ففي شهر ديسمبر عام 2010، فازت قطر بحقوق استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. كذلك، تسعى إلى الحصول على حقوق استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2020.بدأ آل ثاني، بدخوله عالم سباقات الخيول المعقد، يحتك مباشرة بنخبة عالم الأعمال والعائلات الملكية حول العالم. يملك اليوم نحو 50 حصاناً قيد التدريب، بعدما أنفق أكثر من 9 ملايين دولار في الأشهر الثمانية عشر الماضية على شراء الأمهار والأحصنة التي تبلغ من العمر سنتين وأحصنة التكاثر لنفسه ولعائلته.فضلاً عن فوزه بكأس ملبورن، حقق آل ثاني الأرباح عام 2011. بالإضافة إلى الجائزة المالية، باع ثلاثة أحصنة لمشترين من هونغ كونغ بقيمة 1.57 مليون دولار لكل منها. صحيح أن تحقيق الأرباح من السباقات مهمة صعبة، لكن تربية الخيول تعتبر منجم ذهب. في شهر مايو عام 2010، حضر آل ثاني أول سباق خيول له، ألا وهو سباق الألفي جنيه في نويماركت (شبيه بسباق تريبل كراون في الولايات المتحدة). بعد مشاهدة حصان يدعى مكفي يفوز بهذا السباق البريطاني التقليدي، سأل آل ثاني ديفيد ردفرز، مستشاره لشؤون الخيول الأصيلة، عما إذا كانت فكرة سديدة أن يشتري هذا الحصان ويبدأ سلسلة خيول.في شهر أغسطس، اشترى آل ثاني و{شركة قطر للاستثمار وتطوير المشاريع» الحصان مكفي مقابل 11 مليون دولار وبدأوا «سلسلة قطر للخيول الأصيلة»، التي راحت تطور إلى جانب اسطبل السباق الخاص به «سلسلة اللؤلؤة للخيول الأصيلة».يتقاضى آل ثاني 25 ألف جنيه استرليني (أي نحو 38700 دولار) عن كل عملية تلقيح يقوم بها مكفي، ابن دوباوي. يعيش هذا الحصان راهناً في مزرعة ردفرز «توينهيلز» في غرب أكسفورد بإنكلترا. في الشتاء، يُنقل مكفي إلى نيوزيلندا، حيث يتواصل موسم التكاثر في جنوب الكرة الأرضية. هكذا، حصلت سلالة قطر من الأحصنة الأصيلة على 9.3 ملايين دولار عام 2011 نتيجة عمليات التلقيح التي قام بها مكفي. يذكر آل ثاني: «في غضون ثلاث سنوات، نكون قد استرجعنا المال الذي أنفقناه وحققنا بعض الأرباح. لكن إن حقق المتحدرون منه نتائج مهمة، فسنتمكن من الفوز بأرباح تتراوح بين 200% إلى 300% من ثمنه سنوياً».شركةفيما كان آل ثاني يتابع دروسه للحصول على شهادة في إدارة الأعمال في حرم الجامعة الأوروبية في لندن عام 2008، بدأ يشاهد سباقات الخيل على شاشة التلفزيون. هكذا تعلّق بها. لذلك، صار، على حد قوله، يبحث عن عملاء يمكنهم مساعدته على شراء الأحصنة. فنصحه كثر بردفرز، الذي تلقى في فبراير عام 2010 رسالة مفادها أن آل ثاني يريد التحدث إليه عن سباقات الخيل، لكن راودت هذا المدرب شكوك كثيرة.يخبر ردفرز أنه كان آنذاك في نيوزيلندا. ولم يكن واثقاً من أن العودة إلى بريطانيا لمقابلة آل ثاني تستحق العناء. لذلك، طلب، على حد قوله، من أحد أصدقائه الذين يخدمون في القوات الخاصة البريطانية التحقق من أمر هذا الشيخ الشاب. في اليوم التالي، أرسل إليه صديقه رسالة من ثلاث كلمات: «عد إلى بريطانيا».يؤكد آل ثاني أنه أعجب بتريث ردفرز: «بدا لي شخصاً ذكياً لا يشتري الحصان الأبرز في المجموعة، لأن هذه الخطوة قد تكلف صاحبها أحياناً كثيراً من المال». أما ردفرز البالغ من العمر 41 سنة، فيذكر أن مقاربة آل ثاني إلى عالم الاستثمار تروقه. يوضح ردفرز: «قررنا أن علينا إدارة عملنا هذا كما لو أنه شركة. أقول «كما» لأننا نستثمر في سباقات الخيل، التي تنطوي دوماً على احتمال ألا تتمكن من تحقيق المكاسب».شكل فوز آل ثاني بكأس ملبورن قصة عن «عز بعد فاقة» بدأت عام 2006 حين بيع دونادن بنحو ألفي دولار إلى زوجين هولنديين، جيتي فان در هلست وزوجها هانز دييل في مزاد لبيع الأمهار في دوفيل بفرنسا. تذكر فان در هلست، وهي مربية كلاب: «لم يتحدر من سلالة بارزة، لكنه بدا قوياً وجميل المظهر. لم يرد أحد شراءه. هكذا حصلنا عليه».خلال السنوات الثلاث التالية، عاش هذا المهر الفرنسي في مزرعة هذين الزوجين في ندرويرت بهولندا، وبما أن دييل مسؤول في مضمار لسباقات الخبب (trotting) الهولندية، جعل دونادن يعتاد بوابات الانطلاق فيما كان صغير السن بعد للسماح له بعبور الأبواب في منزلهما، وفق فان در هلست. بعد ترويض دونادن صار بالإمكان ركوبه، فباعه دييل وفان در هلست إلى ألبان دو ميول، مالك اسطبل سباق قطري متخصص بتربية الأحصنة العربية، مقابل 17 ألف يورو (أي نحو 20 ألف دولار) في مزاد في ستراسبورغ بفرنسا.عندما اشترى ردفرز دونادن السنة الماضية نيابة عن آل ثاني، لم تكن الغاية من ذلك الفوز بكأس ملبورن، بل سباق أقل أهمية بكثير في فرنسا. لكن دونادن خسر بفارق بسيط. لكن آل ثاني كان واثقاً من التقدم الذي حققه دونادن. لذلك، تكبد كلفة باهظة لينقل هذا الحصان إلى ملبورن ويحقق إنجازاً كبيراً. يذكر آل ثاني: «حالفنا الحظ». عن الأعمال يقول: «استثمرنا مالنا في الأحصنة الأفضل وبالثمن المناسب». هذا الشيخ القطري الشاب يرفض هدر المال حتى في ما يُعرف برياضة الملوك!
توابل - EXTRA
فهد بن عبدالله آل ثاني اسم لامع في سباق الخيل!
19-01-2012