يكفي أن تكون مشاركة في العمل لندرك قيمته الفنية، فهي تختار أدواراً مسرحيَّة وسينمائيَّة وتلفزيونيَّة بحرص شديد، لذا رفعها كل عمل شاركت فيه الى مصاف الممثلات اللبنانيات القديرات اللواتي أثبتن حضورهنّ بخطّهن الفني النظيف. جوليا قصّار، حاصدة جوائز تقديرية عربياً وعالمياً، مثلت أخيراً في الفيلم السينمائي «شتي يا دني» وفي مسلسل «الشحرورة» وفي جعبتها مسرحيتان وفيلم سينمائي ومسلسل درامي. عن مسيرتها وأعمالها تحدثت إلى «الجريدة».

ما أهمية نيلك جائزة مهرجان «مالمو» عن أفضل ممثلة في فيلم «شتي يا دني»؟

Ad

أشير إلى أنني نلت قبل هذا المهرجان جائزة أفضل ممثلة في مهرجان الرباط الذي ضم لجنة تحكيم دولية وتبارت فيه أفلام أجنبية وعربية، ونال «شتي يا دني» جائزتي لجنة التحكيم الخاصة والصحافة سواء على صعيد الفيلم الأجنبي أم العربي.

أما في مهرجان «مالمو»، فتبارت الأفلام العربية لتعريف الأجانب إلى الثقافة العربية، فنلنا جائزتي التحكيم الخاصة والتمثيل مكافأة لإيماننا بهذا العمل الذي خاطرنا فيه وتعبنا لأجله. إلى ذلك أثبتنا قدراتنا الفنية كلبنانيين خارج الوطن، ما يرضيني كممثلة تعيش دائمًا في الشك وتسأل نفسها: «هل أنا جيدة وهل مسيرتي صحيحة؟».

ما أهمية أن يحصد فيلم لبناني جوائز بعد منافسته أفلامًا عربية؟

في أثناء مشاركتي في «مهرجان القاهرة السينمائي» عن دوري في فيلمين سينمائيين، تحدثت في ندوة عن السينما اللبنانية مع بعض السينمائيين والمهتمين بهذا المجال عن غياب الدعم والصناعة والإنتاج، فعلّق ناقد أجنبي بالقول: «نتمنى ألا يتحسّن الإنتاج في لبنان إذا كانت النتيجة بهذا المستوى وبهذه النوعية الجيدة!»، ما يعني أنهم يقدّرون الجودة التي يقدمها هذا البلد المفتقر إلى الإمكانات المادية.

هل تكتفين بهذه الجوائز التقديرية أم تطمحين إلى تقديم المزيد؟

يحول اختياري الخط الفني الصعب والشاق دون مشاركتي في أي إنتاج يعرض عليّ، في مقابل التزامي العمل الأفضل والأكثر جودة. من هنا يثبت التقدير المعنوي أن خطي صحيح لأن ثمة من يقدّر أعمالي ويميّزها، وهذا أمر إيجابي يحمّلني مسؤولية إضافية ويشجعني على الاستمرار.

«شتي يا دني» قصة واقعية، هل تؤيدين أن تكون السينما لسان حال الواقع؟

لا قيمة للسينما إذا لم تكن مرآة المجتمع وتناولت وجع الناس. ثمة أفلام ترفيهية وتجارية، خصوصًا في هوليوود، نستمتع بمشاهدتها. لكن السينما العربية تتميَّز بأنها تعكس خصوصية مجتمعها وتعبر عن روحها بطريقة فنية مختلفة فنكتشف من خلالها ثقافة هذا البلد.

هل تعبّر الأفلام السينمائية اللبنانية عن روحيَّة مجتمعنا؟

طبعًا. حتى الأفلام التسجيلية والقصيرة التي ينتجها الجيل الجديد تتمتع بمستوى راقٍ وجميل. يختار هؤلاء مواضيع نابعة من مجتمعنا ولديهم همّ التفتيش عن الذاكرة أسوة بالسينمائيين المخضرمين.

أدّيتِ أدوارًا تتمحور حول قضية المخطوفين، هل أنت متعاطفة معها؟

أتعاطف مع أي دور أقدمه، إنما شاءت الظروف أن أجسّد قصة واقعية لامرأة لبنانية تدعى أوديت تنتظر عودة ابنتها وابنها المخطوفين وذلك في مسرحية «ذكريات» لروجيه عساف، فتعرفت إليها حينها وتحدثت عنها بعد وفاتها، قبل عودة نجليها، في «خيمة الانتظار» حيث تخيّم أمهات لبنانيات يطالبن بعودة أبنائهن المفقودين. بعدها شاركت في مسرحية «يوم آخر» وأديت دور امرأة قررت التوقيع على إعلان وفاة ابنها المفقود بعد 15 عامًا من الانتظار. هكذا أصبحت معنية بواقع أمهات لبنانيات يعشن الحاضر مع الماضي بتسامح ووعي، ما يطمئننا إلى أننا لن نقع في حرب أهلية جديدة في لبنان.

تعاونت مرتين مع المخرج بهيج حجيج، إلى أي مدى يؤثر التكامل الفني بينكما في نجاح العمل؟

على الشخص أن يكون مرتاحًا في العمل ومنسجمًا مع من حوله، فكيف الحال إذا كان ممثلا يشارك الآخرين في العمل الفنّي؟ حجيج صديق قديم، كان أستاذي في دراستي الجامعية ومن ثم زميلي في التعليم الجامعي. أديت معه دورًا قصيرًا في فيلمه «زنّار نار» وقررنا حينها التعاون مجددًا وهكذا حصل، ونحرص على استمرار التعاون نظراً إلى انسجامنا الفني.

جسّدتِ شخصية والدة الفنانة صباح في مسلسل «الشحرورة»، فهل لفتك أداء ممثل معيّن فيه؟

ضمَّ المسلسل ممثلين لديهم تاريخهم الفني فأعطوه قيمة، خصوصًا الممثل اللبناني الذي تحمّل مسؤولية نجاح المسلسل وأثبت قدرته على العطاء وفق دوره وإمكاناته.

دافعت عن صباح عندما وجهت انتقادات إلى سيرتها الذاتية، لماذا؟

لست محامية دفاع عنها وهي لا تحتاجني لهذه الغاية، لكني أعتبر أن حياتها شفافة ويعرف الجميع تفاصيلها، لذا لا مبرر لانتقادها اليوم. صباح امرأة أعظم من الانتقادات وهي فنانة كبيرة أسوة بعمالقة لبنان الذين يجدر التحدث عن أعمالهم وتضحياتهم وعطائهم فحسب.

كيف تقيّمين المسلسل فنيًّا؟

لا وجود لعمل كامل مهما علا شأنه، فإذا تعرّض المسلسل لبعض الانتقاد فلأنه يتناول سيرة ذاتية. تكمن أهميته في قدرته على منافسة أي عمل عربي آخر، لذلك نتمنى أن يكون مستوى الإنتاجات اللبنانية المقبلة عاليًا.

ما رأيك بالانتقاد الذي طاوله؟

لدينا ميل للتحدث عن أمور سلبية وتحطيم ذاتنا أكثر من إبراز الإيجابيات التي نحتاج إلى الإضاءة عليها لنستمرّ.

يُطالَب الفنان بأن يبقى دائم الابتسام وبأبهى صورة أمام جمهوره، فكيف هو وراء الكواليس؟

إنه انسان يتألم ويبكي ويتعب ويجاهد في مهنة متعبة أسوة بمهن أخرى. أفضل أن تبقى صورته لامعة لأن مهمته إعطاء الأمل للجمهور والتعبير عن التفاؤل، علمًا أنني ضد أن يتكلّم عن تفاصيل حياته الخاصة.

إذًا لا تؤيدين عرض سيرة الفنان الذاتية.

لا أؤيد ذلك ولا أرفضه في المطلق. يعود الأمر إلى شخصية كل فنان. أحبت صباح أن تكون حياتها شفافة في متناول جمهورها فيما يفصل فنانون آخرون بين حياتهم الفنية والشخصية. بالنسبة اليّ، الخصوصية مهمّة جدًا، ووحدها أعمال الفنان ملك الناس وليست تفاصيل حياته.

كونك ممثلة مخضرمة، هل سبق أن نشبت حرب إعلامية بين الممثلات أسوة بما نشهده أخيرًا؟

دفع ازدياد البرامج والفضائيات الإعلام إلى البحث عن أي خبر لنشره بدل الإضاءة على نتاجات الفنانين. سابقاً، كانت الخلافات بين الفنانين تأتي في سياق طبيعي وعادي وتبقى خارج التداول الإعلامي فلا تشكّل حدثًا أساسيًا مثلما يحصل راهنًا.

أنتِ ناجحة في اختيار أدوارك، كيف تحافظين على هذا الموقع؟

أنصح طلابي دائمًا بمعرفة ماذا يريدون من هذه المهنة والتحلّي بوعي ومسؤولية في خياراتهم. صحيح أن في ذلك صعوبة جمّة وإنما أنا مقتنعة ومؤمنة بهذا الخط. كذلك أنصحهم بالتفتيش عن خصوصيتهم، فللأسف بات الاستنساخ عندنا شائعًا.

ثمة خلل ما في الدراما اللبنانية يبقيها في موقع الضعف، كيف تحددينه؟

يتطلب المسلسل إنتاجًا ضخمًا، وأن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب وألا تكون الصداقة الشخصية على حساب جودة العمل، بدءًا من النص مرورًا بتنفيذ الإنتاج ووصولاً الى {الكاست» الصحيح فالإخراج... تشكل هذه العناصر سلة متكاملة ومترابطة مع بعضها البعض، يتعاون فريق العمل على إنجاحها. إلى ذلك يجب أن تغير محطات التلفزة سياستها الإنتاجية لأن الدراما تحتاج إلى سخاء مالي وإعطاء الممثل حقوقه ماديًا ومعنويًا ليخفف من ارتباطاته ويقدِّم الأفضل.

كيف تقيمين المسرح اللبناني؟

ثمة أعمال مسرحية على رغم غياب الدعم والتشجيع وإهمال وسائل الإعلام اللبنانية المسرح، خصوصًا المرئية منها. لذلك قررنا في مسرحية «فترين» التي قدمناها العام الماضي الاستغناء عن الإعلان في التلفزيون والدعوة عبر الـ «فايسبوك» فحققنا نسبة مشاهدين مرتفعة. من واجب المحطات الإعلان عن المسرحية والإضاءة عليها بدل الاكتفاء بمقابلة مع أبطالها.

ما القاسم المشترك بين أدائك: المسرحي والدرامي والسينمائي؟

تختلف التقنيات والأساليب ويبقى الجوهر الصحيح، وهو أن أكون مقنعة كممثلة وصادقة وغير مبالغة في أدائي.

قدمت برامج تلفزيونية آخرها «هنّ» على قناة «الحرة»، ماذا أضاف إليك التقديم؟

شاءت الصدف، منذ بداية انطلاقتي الفنية، أن يتزامن تقديمي البرامج مع عملي في المسرح، لذلك كان يمكن أن أتوجه نحو التقديم بدل التمثيل، إنما شكل الأخير أولوية بالنسبة اليّ، وكان عملي الأول في إطار البرامج التثقيفية عبارة عن محطات تخللت مسيرتي وشكّلت نوعًا من التحدي، خصوصًا في برنامج «هنّ» وهو الأصعب.

لماذا؟

لأنه يتبنى مشكلات المرأة العربية في الميادين كافة، فتعرفت من خلاله إلى أهمية المرأة العربية وقوتها في مجتمعها. كذلك شكّل البرنامج محطة صعبة وجدية وعميقة تطلبت مني تبني قضاياه فيما أفضل التزام الموضوعية والحياد في التقديم.

أنت عضو في نقابة الممثلين اللبنانيين، فما دورها في متابعة تطبيق قانون تنظيم المهنة في لبنان؟

لو آمن الممثلون جميعهم بأن هذا المكان هو بيتهم الثاني الذي يجب دعمه وتمويله والاهتمام به والقيام بواجباتهم تجاهه وخدمته قبل مطالبته بخدمتهم، لكنا أفضل حالا. يجب أن ندعم هذه النقابة لتصبح قوية وتؤدي واجباتها تجاه الفنانين اللبنانيين.

سينما ومسرح ودراما، ماذا تحضرين؟

أحضر مسرحيّتين مع ريمون جبارة وعايدة صبرا ولينا أبيض، وفيلماً سينمائيًا ومسلسلا دراميًا مختلفًا عما اعتاد عليه الجمهور. سأعلن عن التفاصيل كلها عندما يحين الوقت.