يبدو أن حكومة كراتشي تعتبر الصين خياراً بديلاً عن الأميركيين في باكستان، وربما في أفغانستان أيضاً، لكن معظم هذه الأفكار يبقى مجرد أوهام... حتى الصينيون أنفسهم يحثون باكستان، في المجالس الخاصة، على كبح نشاطات المتطرفين، وإصلاح العلاقة مع واشنطن، وتحريك عجلة الاقتصاد. يُعتبر الهجوم الإرهابي الذي دام 16 ساعة على قاعدة بحرية في وسط كراتشي، الذي انتهى يوم الاثنين 23 مايو، جريئاً بشكل فاضح، حتى وفق أحدث معايير حركة "طالبان" الباكستانية وشركائها. نتيجةً لذلك، ساد جو من الارتباك والغموض بشكل غير مسبوق، فقال وزير الخارجية رحمن مالك إن ستة معتدين على الأكثر كانوا متورطين في الهجوم (تمكن اثنان منهم من الهروب). وأضاف أن الخبراء التقنيين الصينيين الأحد عشر والأميركيين الستة الذي كانوا يعملون في تلك القاعدة لم يُحجَزوا كرهائن مطلقاً. غير أن التقرير الأولي الذي أصدرته البحرية بالتعاون مع شرطة كراتشي ذكر أن حوالي 15 عنصراً قصفوا القاعدة، وقد سرت أنباء عن أخذ بعض الصينيين كرهائن، قبل أن ينكر وزير الخارجية الصيني الأمر. كان القصف الذي نفذته حركة "طالبان" الباكستانية على قاعدة مهران أسوأ اعتداء إرهابي على القوات المسلحة المحلية منذ سنتين، فقد قتل المعتدون 10 حراس باكستانيين على الأقل خلال معارك إطلاق نار، مما حول الموقع إلى ساحة حرب فعلية. لقد أظهر الإرهابيون مجدداً أن القوات المسلحة الباكستانية تتألف للأسف من مجموعة هواة.اكتفى المعتدون باستعمال سلم لتسلق أحد الجدران الخلفية للقاعدة البحرية، ثم استغلوا مساحة شاغرة لا تلتقطها كاميرتا الأمن، وتنقلوا على طول 1.5 كيلومتر داخل المنشأة، ففجروا طائرة تجسس عالية التكنولوجيا، كان قد بناها الأميركيون بقيمة 35 مليون دولار، وألحقوا الضرر بطائرة أخرى، إذ نُفّذت الضربة بطريقة عبقرية، وقد بدا أن العملية ارتكزت على معلومات وافية من مصدر داخلي.يقول جاويد حسين، عميد متقاعد خدم في صفوف المغاوير في باكستان، إن هذه الاعتداءات قد تؤدي إلى "إحباط" القوات المسلحة بالكامل. وقع هذا الحادث بعد فترة قصيرة من العملية التي نفذتها القوات الأميركية الخاصة ضد أسامة بن لادن. كان الأمر أشبه بإهانة، أي أن يتمكن الفريق الأميركي من المجيء وقتل بن لادن ثم العودة إلى أفغانستان قبل أن يعرف الجيش الباكستاني شيئاً عن العملية.منذ أن أعلنت بعض الجماعات الجهادية الباكستانية الحرب على بلدها في عام 2007، شنت هجمات على قواعد جوية عدة، وحافلات تنقل جنوداً، وخمسة مكاتب تابعة لمديرية الاستخبارات الداخلية على الأقل، ووكالة التجسس العسكرية التي أنتجت وطورت عدداً من المنظمات المتطرفة. أسوأ ما في الأمر هو أن فريقاً من المسلحين شق طريقه نحو مقر الجيش الوطني في روالبندي، عام 2009، عبر فتح النار في المكان، وقد دام ذلك الاعتداء حوالي 24 ساعة وترافق مع احتجاز الرهائن وقتل 16 جندياً.يتساءل البعض الآن عما إذا كانت الترسانة النووية الباكستانية بأمان، فالأمن يُعتبر مسألة متشعبة وصعبة الاختراق، لذا من المستبعد أن يتمكن الإرهابيون من مصادرة قنبلة كاملة، غير أن تلك الاعتداءات قد تعطي ثمارها. يتزايد القلق من هذا الاحتمال بسبب نجاح المتطرفين المستمر في حشد المؤيدين لهم ضمن صفوف القوات المسلحة. قالت حركة "طالبان" الباكستانية هذا الأسبوع إنها لن تهاجم أي منشأة نووية لأن "باكستان هي الدولة المسلمة الوحيدة التي تملك قوة نووية". لكننا لا نعرف مدى صحة هذا الادعاء!إذ يظن البعض في باكستان، منهم القوات المسلحة، أن الولايات المتحدة تطرح تهديداً أكبر من المجاهدين على بلدهم، وتسعى باكستان بكل جهدها إلى استمالة الصين، فقد أثارت الرحلة التي قام بها رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني إلى الصين، وعاد منها لتوه، ضجة كبرى.يبدو أن الحكومة تعتبر الصين خياراً بديلاً عن الأميركيين في باكستان، وربما في أفغانستان أيضاً، لكن معظم هذه الأفكار تبقى مجرد أوهام... حتى الصينيون أنفسهم يحثون باكستان، في المجالس الخاصة، على كبح نشاطات المتطرفين، وإصلاح العلاقة مع الولايات المتحدة، وتحريك عجلة الاقتصاد.في عطلة نهاية الأسبوع، أعلن وزير الدفاع أحمد مختار أن الصين ستستلم غوادر الميناء الباكستاني الذي يقع على البحر العربي، كي تحوله إلى قاعدة بحرية. في الوقت الراهن، تتم إدارة الميناء بموجب عقد مع هيئة ميناء سنغافورة، لكن قضية رُفعت من جانب الحكومة الإقليمية للتشكيك بذلك العقد في المحاكم الباكستانية، مما قد يمهد الطريق أمام الصين للاستحواذ عليه. لكن هميون خان، من جامعة الدفاع الوطني في إسلام أباد، يصر على أن مصلحة الصين في غوادر لا تزال تجارية بشكل أساسي. وفق أي خطة طموحة، يمكن تطوير تلك المصالح لتشمل نقل السلع براً وعبر السكك الحديدية بين غوادر وجنوب غرب الصين. لكن يعتبر خان أن باكستان لن تخدم مصالح الصين قبل أن تصبح آمنة، فهذا الأسبوع، أعلنت الحكومة في بكين أن الصين علمت بأمر خطة استلام ميناء غوادر أخيراً.
مقالات - Oped
انعدام الأمان في باكستان
04-06-2011