الشيخ د.عمر الديب وكيل الأزهر الأسبق ورئيس لجنة حوار الأديان الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أحد رجالات الدعوة الإسلامية الذين مارسوا الحوار مع الآخر، وسعوا الى التقريب بين السنة والشيعة، وحاولوا بناء لبنة في بنيان تصحيح مسار الخطاب الديني حتى يأتي متواكباً مع معطيات العصر. «الجريدة « التقت الديب، وكان لنا معه هذا الحوار.* كنت ممن يتصدرون قضية الحوار بين الأديان، فكيف تنظر إلى هذه القضية، وهل الحوار في حد ذاته مجد حتى لو كانت الأطراف الأخرى متعنتة؟ الحوار هو السبيل إلى التعارف والتفاهم، فالذين يرفضون الحوار إنما يغلقون النوافذ أمام إسماع الآخر الصوت الإسلامي المعتدل، فالحوار مفيد جدا في نقل وجهة النظر الإسلامية وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، فالذين يرفضون الحوار إنما يكرسون نظرية الصراع بين الحضارات، وأنا بصفتي رئيسا للجنة الأزهر للحوار بين الأديان، أقول دائما إنه لا حوار بين الأديان، ولكن الحوار يكون بين أتباع الأديان، بمعنى أنني لا أحاور مسيحيا لكي أقنعه بالدخول في الإسلام، ولا المسيحي يحاورني كي يدعوني لترك الإسلام والدخول في المسيحية، فالحوار من أجل المنافع والتعاون المشترك.• هذا على صعيد الحوار مع الآخر المختلف في الدين والعقيدة، فماذا عن الحوار الإسلامي السني الشيعي؟الشيعة مذهب إسلامي مثلنا مثله، وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا فرق بيننا وبينهم، ودائما نحذر من دعاوى الفرقة والفتنة بين المسلمين، إنما المؤمنون إخوة، فهم إخواننا في الدين والعقيدة ولا نقبل أبدا أي عناصر تبث الفرقة بين المسلمين بحجة أن هؤلاء شيعة وهؤلاء سنة، أما الخلافات بين المذهبين فهي خلافات فرعية لا تمنع من كونهم إخوة لنا، والتقريب بين المذاهب واجب لتحقيق وحدة المسلمين وقد كان يتم منذ عهد قديم في أيام الشيخ محمود شلتوت، فالتقريب بين السنة والشيعة قائم على قدم وساق، ونحن في الأزهر ندرس الفقه الشيعي جنبا إلى جنب مع الفقه السني، وما يشيعه البعض من خلاف بين السنة والشيعة فهو من صنع أعداء الإسلام الذين يريدون الفرقة بين الأخ وأخيه، والمسلم والمسلم والمرء وزوجه، هؤلاء يريدون التفرقة، لأن الفرقة في مصلحتهم.• البعض يقول إن الاجتهاد لم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه بدأ في عهد عمر بن الخطاب أي غير مأخوذ عن الرسول... ما ردكم على ذلك؟- هذا غير صحيح، لأن الاجتهاد بدأ منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو إمام المجتهدين، وكان صلى الله عليه وسلم يجتهد فيما ليس فيه نص قرآني، فإذا أصاب الحق سدده الوحي، وإذا لم يصب الحق نزل الوحي يصوب له ما اجتهد فيه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاجتهاد ويطلب منهم أن يجتهدوا بين يديه فكان يقول لعبد الله بن عمرو بن العاص: احكم في هذا فيقول أأحكم بين يديك؟ فيقول صلى الله عليه وسلم إذا أخطأ المجتهد فله أجر وإذا أصاب فله أجران. ويقول لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: كيف تحكم يا معاذ؟ فقال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ فقال: بسنة رسوله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. أي أبذل أقصى ما عندي ولا أقصر... فأقره صلى الله عليه وسلم، وسر بهذا.• هناك من يطالب بإغلاق باب الاجتهاد والاكتفاء بما سبق من اجتهادات أئمة الفقه... ما تعليقكم؟ـ هذا خطأ كبير ولا يملك أحد أن يغلق بابا فتحه الله ورسوله وهو وسيلة من وسائل تطبيق الشريعة الإسلامية وتنزيل أحكامها على الواقع لأن نصوص الشريعة متناهية، أي محدودة، أما حوادث الناس فغير متناهية، وحتى يمكن تطبيق هذه الشريعة المتناهية على أحداث الناس غير المتناهية فلابد من الاجتهاد ، وإغلاق باب الاجتهاد غلق باب الرحمة وظلم لحياة الناس ولكن قد يكون لأصحاب هذه الدعاوى عذر فيما يرون من اختلاف أقوال بعض أهل العلم وتضاربها أحيانا ولكن ليس هذا مبررا، فلا نعالج خطأ بخطأ أكبر وأفدح.• كيف تنظر إلى الخطاب الديني الذي ينتهجه العالم الإسلامي اليوم، وما طرق العلاج من وجهة نظرك؟ـ لا يزال خطابنا الديني والدعوي قاصرا، وكثير من الدعاة يمارسونه بجهل شديد فضلا عما يتسبب فيه بعض الغلاة والمتشددين في تشويه صورة الإسلام، نحن نحتاج فعلا الى تقديم جماليات الإسلام وسماحته. نحتاج إلى تقديم صورة الإنسان المسلم، ولنأخذ مثلا سلوك المسلمين في رمضان، لماذا لا نستغل الجو الإيماني والروحاني الذي يسود الشارع الإسلامي خلال هذا الشهر الكريم ولا نعمل على ترويج ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة خاصة وسائل الإعلام الناطقة بلغات الغرب، وهكذا نقدم صورة المسلم الحقيقي، وتنكشف كل محاولات التشويه التي يتعرض لها الإسلام وتتحطم على صخرة الواقع الحقيقي الذي يؤكد أن الإسلام دين الاعتدال والوسطية، ويجب في الوقت نفسه ونحن نوجه خطابنا الإسلامي إلى الغرب والشعوب الغربية أن ندرك كدعاة وكمؤسسات دينية مدى الحاجة إلى تطوير خطابنا الديني إلى الداخل إلى المسلم فيجب التأكيد وبقوة على ضرورة اتخاذ كل المجتمعات المسلمة بالأسباب التي تؤدي إلى الحياة الكريمة للمسلمين وتقوم على دعامات التقدم العلمي والاقتصادي وزيادة الإنتاج والتعاون والوحدة، وكلها من مبادئ الرسالة المحمدية وهي رسالة الخير والهدى والرحمة للبشر كافة.• هل ترى أن هناك صحوة إسلامية تشهدها المجتمعات الإسلامية حاليا؟- أشعر حقا بأن هناك صحوة إسلامية تعم المجتمع المسلم كله، ومن أبرز مظاهر هذه الصحوة التعمق في الدين وبحث عدد كبير من المسلمين عن الممارسات الحلال والإقبال عليها والابتعاد عن الممارسات التي حرمها الشارع الحكيم، كما أن هناك التزاما متزايدا بشعائر الإسلام، ونحن لا نحتاج إلا الى استعادة الثقة في أنفسنا، وتفعيل القيم الإسلامية في مجال العمل والإنتاج والوحدة بين المسلمين، ولو قمنا بتفعيل هذه القيم فلن يمر وقت طويل إلا ونجد العالم الإسلامي قد استرد عافيته وعاد المسلمون من جديد أصحاب كلمة مسموعة.• انتشرت خلال السنوات الأخيرة في مصر والعالم العربي ظاهرة انتشار زواج القاصرات رغم وجود تشريعات تمنع ذلك، فكيف يمكن معالجتها؟لمواجهة هذه الظاهرة يجب العمل على سن تشريعات وقوانين في عموم الدول العربية والإسلامية تمنع زواج القاصرات واستخدام قوة القانون في حماية الطفولة وتحقيق مصالح الفتيات القاصرات ودرء المفاسد والإضرار عنهن مما يرتكب في حقهن من مخالفات وتجاوزات تتنافى مع مقاصد وأهداف الشريعة الإسلامية السمحاء، وإن «تزويج القاصرات» ليس واجباً ولا مندوباً شرعاً، وإنما في أبعد أحواله من المباحات التي تناقش في إطار مقاصد الشريعة، وفي إطار مبدأ «دفع المفاسد أولى من جلب المصالح»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء». فالمخاطبون في الحديث هم الشباب وليس القصر، والشرط للزواج هو الاستطاعة مادياً ومعنوياً وغير ذلك من الأمور التي يتطلبها الزواج ولا تتوافر للقاصر.
توابل
وكيل الأزهر الأسبق د. عمر الديب: خطابنا الديني والدعوي مازال قاصراً وكثير من الدعاة يمارسونه بجهل
17-08-2011