يوماً بعد يوم يتبين لنا أن ما يسمى بـ»خطة التنمية» بعيد عن التنمية الحقيقية، وأنه يمثل فقط مشاريع مبعثرة لسنوات هنا وهناك تم تجميعها تحت مسمى «خطة التنمية» دون رؤية واضحة عن وضعية البلد بعد خمس سنوات، فمن البداية تحدثت الخطة عن إيجاد فرص عمل أكثر للمواطنين في القطاع الخاص، وإذا بالحكومة تزيد الكوادر في القطاع العام بشكل جنوني، ومازال مسلسل الزيادات المكسيكي مستمراً دون رؤية ومسطرة واضحتين.

Ad

وبعدها دخلنا في دوامة تمويل مشاريع التنمية وشركاتها، وبعد سنة من النقاش والأخذ والرد خرجت علينا الحكومة بحل يصح أن نطلق عليه «لا طبنا ولا غدا الشر»، فحل الحكومة العجيب لمشكلة تمويل شركات التنمية هو بجعل التمويل عبر البنوك التجارية مع ضمان الحكومة لشراء منتجات هذه الشركات، وبيعها للمواطنين بسعر مدعوم!

وهذا الحل يعتبر اعترافاً ضمنياً من الحكومة بعدم جدوى إنشاء أغلب هذه الشركات لعدم قدرتها على تسويق منتجاتها من دون تدخل الحكومة بدعم الأسعار، لكن هل تستطيع الحكومة دعم هذه الأسعار إلى ما لا نهاية؟

أليس من المفترض أن تكون خطة التنمية معنية بإيجاد شركات داعمة لميزانية الدولة بدلاً من أن تكون عبئاً عليها؟ إذن، أين التنمية عندما نتحدث عن شركات لا تستطيع تنمية نفسها بنفسها؟ وماذا ستفعل الحكومة في حال قل إنتاج حقولنا النفطية أو انخفضت الأسعار بشكل حاد لأي سبب كان؟

فنحن نعيش في عالم باتت فيه الدول كشركات تسعى إلى تسويق منتجاتها للدول الأخرى، ولذلك نجد الرؤساء يتفاوضون نيابة عن الشركات الكبرى في دولهم على الرغم من أنها شركات خاصة، لكن حصولها على تلك المشاريع والعقود يعني توفير فرص عمل أكثر لمواطنيها، إضافة إلى زيادة إيرادات ميزانية الدولة من ازدياد ضرائب هذه الشركات لأنها ربحت أكثر نتيجة تلك العقود، لكن في الكويت يتم العكس، فنؤسس شركات لتكون عالة على الدولة ومركز صرف بدلاً من أن تكون مركز ربح لميزانيتها!

ولذلك، فإن التنمية الحقيقية لا تكون في إنشاء شركات دون وجود البنية التحتية القادرة على الإبداع وإنتاج سلع تنافسية، فعند بداية الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي قال الرئيس الأميركي أيزنهاور إنه سينتصر على الاتحاد السوفياتي بالتعليم وليس بالأسلحة، فالتعليم هو الذي يخلق العقول القادرة على الإبداع التي تشكل عصب الشركات الكبرى الرابحة، ولنا في اليابان عبرة، فبعد أن كانت دولة منهارة مهزومة بعد الحرب العالمية الثانية اهتمت بالتعليم لتصبح ثاني أقوى اقتصاد في العالم على الرغم من شح مواردها الطبيعية وطبيعة أرضها الجغرافية الصعبة، فبغير تطوير التعليم والتخلص من المناهج البالية، لن يكون هناك تنمية في البلد.

فإنشاء الطرق والجسور ليس تنمية، بل هو مشاريع خدمات فقط، إذ قد تكون آثارها عكسية لأنها تخلق فرص عمل للأجانب مما يعني مزيداً من الخلل في التركيبة السكانية ومزيداً من الضغط على الخدمات والزحمة المرورية، فعلينا الرجوع إلى الاستثمار في البشر وليس الحجر الذي لن ينفعنا إذا لم تكن هناك إيرادات مستمرة للدولة بعيداً عن النفط الناضب، لكن يبدو أن أحداً من المسؤولين لن يلتفت إلى أهمية هذا الموضوع لأن الصوت الشعبي الأناني هو الطاغي على الساحة السياسية؛ بحيث باتت الحكومة تتنافس مع المجلس على إعطاء المواطنين إبر التخدير النفطية.