أبو العلا محمد، وأحمد صبري النجريدي، وداود حسنيمع اختلاف الدور الذي لعبه كل من هؤلاء الملحنين الثلاثة في حياة أم كلثوم، فان قاسما مشتركا يجمع بينها وبينهم، هو أنهم ملحنو المرحلة الأولى في حياتها الفنية، فالأول (أبو العلا محمد) رحل في العام 1927، والثالث (داود حسني) رحل في العام 1937، أما الثاني (الطبيب والموسيقي الهاوي أحمد صبري النجريدي)، فمع أنه بقى على قيد الحياة، وحاول أن يجدد نشاطه الموسيقي في الثلاثينيات والأربعينيات، إلا أن أم كلثوم توقفت عن التعامل معه في أواخر العشرينيات، لأسباب عديدة، ربما كان من الأسباب الفنية بينها، انطلاق مرحلة التعاون الفني بزخم كبير بينها وبين محمد القصبجي (ابتداء من أن كنت أسامح 1928) من جهة، وبينها وبين زكريا أحمد (ابتداء من اللي حبك يا هناه 1931) من جهة ثانية. لذلك، ولأسباب أخرى سنفصلها في السطور المقبلة، يمكن أن نضع هذا الثلاثي من الملحنين تحت عنوان «ملحنو أم كلثوم الأوائل».لقد أفضنا بما يكفي، في السيرة الشخصية لأم كلثوم، بتيان تفاصيل العلاقة الشخصية التي بدأت تجمع أبي العلا محمد مع أم كلثوم، منذ أن كان يدعوها للاستماع إليها في جولاته الريفية. لقد كان الشيخ أبو العلا محمد يشترك مع زكريا أحمد في صفتين متوازيتين، كانت ترشح أيا منهما للعب الدور الأول في حياة أم كلثوم بعد انتقالها إلى القاهرة:صفة الإعجاب المبكر بصوت أم كلثوم، وإصرارهما على ضرورة انتقالها إلى القاهرة لاحتراف الغناء.صفة الجمع بين إتقان الإنشاد الديني، وإتقان فنون التلحين والغناء الدنيوي، الأمر الذي كان يشكل الجسر الطبيعي الوحيد الذي يمكن أن يشجع أم كلثوم على ذلك التحول التاريخي الكبير من الإنشاد الديني إلى الغناء العاطفي.ومع ذلك، فقد رأينا أن الذي اختارته أم كلثوم للعب الدور الأول في حياتها القاهرية الجديدة كان الشيخ أبو العلا محمد، لأسباب عديدة منها افتتانها المبكر بصوته، عندما كانت تستمع إليه في الاسطوانات، ثم في رحلاته الريفية، ومنها المهابة التي كانت تنبع من شخصيته الإنسانية، ومن تخصصه في غناء القصائد الرصينة، من دون الأشكال الأخرى للغناء (مثل الدور والطقطوقة). وربما كان هذا السبب الثاني، هو الذي دفع والد أم كلثوم الشيخ إبراهيم البلتاجي إلى اختياره ملحنا أول لأبتنه في القاهرة، عندما كان ما زال هو صاحب القرار الأول في حياتها الشخصية والفنية. ومما يرجح هذا الاعتقاد، انه بالرغم من معرفة زكريا أحمد المبكرة بأم كلثوم، منذ سنوات نشأتها الريفية، ولعبه دورا في إقناع والدها بضرورة الانتقال للقاهرة، فان تعاونه الفني معها قد تأخر من العام 1923 (عام استقرارها في القاهرة) حتى العام 1931، فهل من باب الصدفة أن هذا العام (1931) كان عام رحيل الشيخ إبراهيم البلتاجي، وعام انطلاق التعاون الفني بين زكريا أحمد وأم كلثوم، بزخم غير عادي، حتى كأن ذلك التعاون نهر كانت مياهه محتبسة وراء سد، ثم تدفقت في هدير جارف عند زوال السد؟على أي حال، فان أبو العلا محمد لم يكن فقط الأستاذ الأول لأم كلثوم في فنون الغناء، ولكنه كان أيضا الملحن الأول في حياتها، الذي سهل لها برصانته الشخصية والفنية، وبتخصصه في تلحين القصائد، إضافة إلى قيامه بتسجيل وترديد بعض ما كان يحفظه من قصائد أستاذه الأول عبده الحامولي (ويحفّظ هذه القصائد بدوره لأم كلثوم) سهل لها كثيرا مهمة موافقة والدها على انتقالها من الإنشاد الديني إلى احتراف الغناء.لقد بلغ مجمل ما سجلته أم كلثوم بصوتها من قصائد أبو العلا محمد أحد عشر قصيدة، إضافة إلى قصيدتين كان لحنهما ينسبان إلى أبو العلا محمد، غير أن المحققين في تاريخ الموسيقى العربية أعادا لحنهما لعبده الحامولي، هما قصيدة أراك عصي الدمع، وقصيدة أكذّب نفسي.وقد أتيح لي شخصيا أن أطلع من أحد الذين ساهموا في تصحيح نسبة هذه الألحان، المؤرخ محمود كامل، على الرواية الكاملة لهذا الموضوع .فقد كانت هاتان القصيدتان اللتان سجلتهما أم كلثوم على اسطوانات، تنسبان في أوساط المحترفين والهواة للشيخ أبي العلا محمد. إلى أن أتيح للأستاذ محمود كامل الاستماع لدى أحد حفظة الاسطوانات الأولى الأول التي كانت تسجل على مخروط معدني يشبه القدح (من هنا اسم اسطوانة، لأن هذا الشكل هو الذي يحمل في علم الهندسة اسم الشكل الاسطواني) إلى قصيدة أراك عصي الدمع بصوت عبده الحامولي. فما كان من محمود كامل إلى أن أسرع إلى أم كلثوم، يزف إليها الخبر ويستفسر منها عن الملابسات.الوفاء للشيخ أبو العلاوقد روى لي الأستاذ محمود كامل كيف أن أم كلثوم بحصافتها وذكائها (وربما أيضا بروح الوفاء لأستاذها الأول أبو العلا محمد) حاولت التشكيك في اكتشاف محمود كامل، الذي بادرها بالسؤال: من أين استقيت نسبة لحن «أراك عصي الدمع» للشيخ أبو العلا؟ فروت أم كلثوم أنها لم تسأله يوما عن مصدر اللحن، ولكن بما أنها لم تسمع اللحن إلا منه مباشرة، فقد كانت تستنتج أنه من ألحانه. فلما أكد لها محمود كامل أنه استمع إلى القصيدة (باللحن ذاته) بصوت عبده الحامولي، قالت له مشككة ومدققة: «ولكن، من أي لك أن تعرف صوت عبده الحامولي، ونحن لم نسمع له أي تسجيل آخر؟ فرد محمود كامل: صحيح ما تقولين، فقد بقيت مترددا، إلى أن سمعت في التسجيل صوتا يستحسن الغناء بعبارة: «يا سي عبده»، وهنا أسقط في يد أم كلثوم، وصادقت على رواية المؤرخ الأستاذ محمود كامل الذي نقلها (على ما يبدو) إلى شركة صوت القاهرة، فصدرت أشرطة واسطوانات أم كلثوم القديمة بعد ذلك وهي تحمل اسم «عبده الحامولي» في خانة الملحن، أمام قصيدتي «أراك عصي الدمع» و«أكذب نفسي».كذلك، لا بد من الإشارة إلى أن بقية القصائد الإحدى عشر التي سجلتها أم كلثوم من ألحان أبو العلا محمد، هي في معظمها، وربما كلها، غير ملحنة خصيصا لأم كلثوم، ولكنها من الألحان التي وضعها أبو العلا محمد لنفسه ولأصوات أخرى، ولكنه سمح لأم كلثوم بإعادة تسجيلها (ربما باستثناء قصيد «الصب تفضحه عيونه» التي لحنها الشيخ أبو العلا من شعر أحمد رامي عندما كان هذا الأخير ما يزال في بعثته الدراسية في باريس).فإذا انتقلنا أخيرا إلى التقييم الفني الشامل لحصيلة ما غنته أم كلثوم في سنواتها الأولى من ألحان الشيخ أبو العلا محمد، أمكننا القول بكل موضوعية، أن القيمة التاريخية الأولى لهذه القصائد، تكمن في الدور الذي لعبته كجسر أتاح لأم كلثوم الانتقال من الإنشاد الديني (الرصين بطبيعته) إلى الغناء الدنيوي، في أحد أشد ألوانه رصانة (لون القصيدة).أن في القيمة الفنية المجردة لتلك القصائد، فبالإمكان أن ندرك، إذا أعدنا الاستماع إليها الآن، ومقارنتها برصيد تطور فن القصيدة العربية في القرن العشرين (خاصة بصوتي أم كلثوم وعبد الوهاب وبالحان عبد الوهاب ورياض السنباطي) فأن الأهمية الفنية الكبرى تبقى مرهونة بقصيدتي عبده الحامولي «أراك عصي الدمع» و«أكذّب نفسي»، وبقصيدتي أبو العلا محمد «وحقك أنت المنى والطلب» و«أفديه إن حفظ الهوى»، مع إبقاء المرتبة الثانية في الأهمية الفنية لقصيدة أبو العلا «الصب تفضحه عيونه»، أما بقية ما سجلته أم كلثوم من قصائد لحنها الشيخ أبو العلا محمد، فهي جزء من ذلك الرصيد التاريخي، ولكنها لا تحتل فيه قيمة فنية كبرى.تجربة النجريديفإذا انتقلنا إلى الملحن الثاني في حياة أم كلثوم، طبيب الأسنان والموسيقي الهاوي الدكتور أحمد صبري النجريدي، فيمكن القول أنه لعب في حياة أم كلثوم دورا مساعدا ومكملا لدور أبو العلا محمد.لقد حفظت لنا تسجيلات «صوت القاهرة» أربعة عشر لحنا من ألحان النجريدي بصوت أم كلثوم، أربع منها على شكل القصيدة (على طريقة أبو العلا محمد)، وعشر على شكل الطقطوقة.أما القصائد الأربعة فهي: مالي فتنت بلحظك الفتاك، وكم بعثنا مع النسيم سلاما، ولي لذة في ذلتي وخضوعي، وطلع الفجر ولاح، أجملها وأقواها فنيا، قصيدة «مالي فتنت بلحظك الفتاك» للشاعر المخضرم علي الجارم.ومع أن كل قصائد النجريدي لأم كلثوم نسجت على منوال أبو العلا محمد، فان أقربها إلى مستوى «وحقك أنت المنى»، هي لحن النجريدي «مالي فتنت» الذي يمكن لمن يسمعه للمرة الأولى أن يحسبه من الحان أبو العلا محمد.لقد لعب أحمد صبري النجريدي دورا مكملا لدور أبي العلا محمد، ليس كأستاذ لأم كلثوم، ولكن كملحن يزودها بالألحان التي تجمع بين الرصانة من جهة، وبين التميز عن الألحان الشائعة بأصوات منافسات أم كلثوم الأوليات. أما الخدمة التاريخية التي قدمها النجريدي لأم كلثوم، في تلك المرحلة الانتقالية الحساسة، فهو أنه بالإضافة إلى مساهمته المشكورة بالحان القصائد الأربع، التي جاءت تدعم خط أبي العلا محمد في تثبيت بداية أم كلثوم الفنية على أسس صلبة راسخة، فقد أكمل هذه المساهمة بأن لحن لأم كلثوم أول ما أنشدته على شكل الطقطوقة (إضافة إلى طقاطيق محمد القصبجي)، ذلك أنه ما كان ممكنا لأم كلثوم، بعد بدايتها الراسخة التي ثبتها أبو العلا محمد، أن تقصر غناءها على القصائد وحدها.من هنا ولدت حاجتها إلى من يدخلها مجال غناء الطقطوقة، الذي ما كان يمكن لها تجنبها طويلا، ولكنها كانت بحاجة إلى لون من الطقطوقة يجمع بين السلاسة والخفة من جهة، وبين الرصانة التي تميزت بها منذ بدايتها، وتفوقت بها على منافساتها. هنا، لعبت ألحان أحمد صبري النجريدي الدور المطلوب. ولعل أجمل تلك «الطقاطيق» وأكثرها تطلعا إلى الأفق الأوسع لفن الطقطوقة الذي تسلم زمامه في نتاج أم كلثوم زكريا أحمد ومحمد القصبجي طويلا قبل أن ينضم إليهما السنباطي، فيما بعد، هي «طقطوقة» «يا كروان والنبي سلم».ولعل ما ساعد النجريدي على مهمته، وقوف أحمد رامي إلى جانبه، فتولى كتابة شعر عامي مميز، وساهم بلا شك إلى جانب موهبة النجريدي الطازجة، في تأمين المواصفات المطلوبة لبدايات جادة لصوت أم كلثوم، في لون الطقطوقة.ومع أن النجريدي قد تورط بتلحين طقطوقة لأم كلثوم بعنوان «الخلاعة والدلاعة مذهبي» يمكن اعتبارها زلة قدم وحيدة لأم كلثوم في حياتها الفنية، في مجال اختبار الشعر الغنائي الراقي، فان من الضروري إبقاء هذه الزلة في حجمها الطبيعي، ذلك أن الاستماع إلى التسجيل الكامل للأغنية، يؤكد أن المستوى العام لكلمات هذه الأغنية ليس هابطا كما يوحي بذلك المطلع. كما أنه إضافة إلى ذلك، فان أحمد رامي تدخل فيما بعد وعدل المطلع ليصبح «الخفافة واللطافة مذهبي»، غير أن تسجيل اسطوانة هذه الأغنية ما زال يحمل المطلع الأول «الخلاعة والدلاعة»، تسجيلا لزلة القدم هذه.أما أسباب توقف النجريدي عن التلحين لأم كلثوم، مع أنه بقي على قيد الحياة،وبقي يمارس هواية التلحين، فهي متعددة، ويمكن استقراءها واستنتاجها كما يلي:ظهور محمد القصبجي في حياة أم كلثوم، وتفتح عبقريته اللحنية دفعة واحدة، بعد طول صمت، في ظروف فنية سنحللها في الفصل الذي يحمل اسم القصبجي.لقد أدت الألحان الأولى التي وضعها القصبجي لأم كلثوم، ابتداء من «إن حالي في هواها» (وخاصة بعد «إن كنت أسامح»)، إلى كشف الحجم المحدود والآفاق المحدودة لموهبة الملحن الهاوي النجريدي، واكتمل هذا الاتكشاف مع انضمام داود حسني وزكريا أحمد (بعد القصبجي) إلى فريق ملحني أم كلثوم، بزخم تأليفي ما كان يمكن لموهبة متواضعة محدودة كموهبة النجريدي أن تقف بجواره أو تجاريه.يبدو أن سببا شخصيا جاء يكمل هذا السبب الفني، وهو أن النجريدي على ما يبدو، لم يحسن الفصل بين العلاقة الفنية والعلاقة الشخصية، فحاول على ما يبدو التقرب العاطفي من أم كلثوم، الأمر الذي أوجد توجسا لديها، خاصة في تلك الفترة المبكرة التي كانت فيها ما تزال برعاية والدها وشقيقها خالد. فكان أن انسحب النجريدي من حياة أم كلثوم، بل من الحياة الفنية عموما (إذ ليس له بعد أم كلثوم الحان تذكر) بعد أن أدى دوره مشكورا في وقته المناسب، بحجم متواضع، ولكنه خطى صفحة لا تنسى في تاريخ الموسيقى العربية المعاصرة، لأن هذا الدور اقترن باسم مغنية تاريخية، هي أم كلثوم.ثالث هؤلاء الملحنين الأوائل لأم كلثوم، هو الملحن المخضرم داود حسني.ومع أن داود حسني بدأ التلحين لأم كلثوم في العام 1930 (ربما كان لحنه الأول لأم كلثوم دور «شرّف حبيب القلب»)، ومع أنه بقي على قيد الحياة حتى العام 1937، فان تعاونه مع أم كلثوم اقتصر على ثلاثة أعوام فقط 1932-1930، فكان آخر ما سجلت من ألحانه، على شكل الدور أيضا «يا عين دموعك».حفظت لنا تسجيلات صوت القاهرة أحد عشر لحنا لداود حسني بصوت أم كلثوم، لم يكن غريبا أن تسعة منها كانت على شكل الدور، ولحنين فقط على شكل الطقطوقة.وسنكتشف، ونحن نحلل تفاصيل التعاون بين أم كلثوم ومحمد القصبجي، أن المسيرة التاريخية لفن أم كلثوم، كان لا بد لها لتكتمل، في مسارات حافلة بكل مدراس التلحين العربي المعاصر، من أن ينخرط فيها، إلى جانب القصبجي، وتياره التجديدي الجارف، ملحنون في كلاسيكية وتقليدية داود حسني وزكريا أحمد.لقد كان داود حسني، منذ نشأته الفنية في إطار النهضة الموسيقية الأولى، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، يعتبر التلميذ النجيب لزعيم ملحني تلك النهضة الأولى (محمد عثمان). وبما أن محمد عثمان هو صاحب الإنجاز الأهم في تطوير شكل الدور وإيصاله إلى أعلى ذراه في أواخر القرن التاسع عشر (كادني الهوى، ياما انت واحشني، أصل الغرام نظرة، قد ما أحبك، في البعد ياما، إلى أخر هذه السلسلة الذهبية من الأدوار الخالدة)، وبما أنه كان يقول عن داود حسني إنه خليفته، كان لا بد أن يكون لداود حسني باع في تلحين الأدوار، خاصة وان شكل الدور بقي مزدهرا حتى منتصف عقد الثلاثينيات مع زكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب.لقد كان ظهور داود حسني في حياة أم كلثوم، على قصره واقتصاره على سنوات ثلاث، ضرورة تأسيسية هامة في مرحلة تكامل ملامح شخصية أم كلثوم الفنية. فبعد أن أسس لها أبو العلا قاعدة الانطلاق المتينة الراسخة، ويسّرت لها الحان النجريدي اللطيفة سيلا إضافية للانتشار، جاء القصبجي ليبدأ مع أم كلثوم ما يمكن أن نسميه بدون مبالغة ثورة تجديدية، موازية لثورة عبد الوهاب التجديدية. وبما أن مزاج أم كلثوم الفني، بتركيبته الداخلية، كان (كما ثبت فيما بعد) أشد محافظة من مزاج القصبجي، فقد كان ضروريا أن يظهر في حياتها، إلى جانب القصبجي الذي فتح لها أبواب فن المونولوج الجديد على مصاريعة، ملحن (أو أكثر)، يزودها بألوان كلاسيكية تقليدية متطورة، تتصل بمزاجها الشخصي وتلبي حاجاته، وتواصل البداية الكلاسيكية التي أسسها أبو العلا محمد. ومع أن زكريا أحمد قد جاء بعد داود حسني بسنة واحدة (1931) ليأخذ الموقع الرئيسي في لعب هذا الدور، فان داود حسني هو الذي أخذ المبادرة، في مرحلة كان يعيش فيها ذروة نضجه الفني، فكان أول من لحن لأم كلثوم في شكل الدور، وهو النمط الذي تابعه باقتدار وتميز وتوسع فيما بعد (كما سنرى) زكريا أحمد ، حتى بلغ عدد الأدوار التي غنتها أم كلثوم من الحان داود حسني وزكريا أحمد العشرين دورا، وربما تجاوزها، وهو رقم قياسي في هذا الشكل الفني المعقد من أشكال الموسيقى العربية في القرن العشرين، خاصة إذا قارناه بما أنجز محمد عبد الوهاب من أدوار وهي خمسة، لم يصلنا منها بصوت عبد الوهاب إلا أدواره الأربعة الرائعة الشهيرة.على أي حال، كان داود حسني في تلك السنوات قد بلغ ذروة نضجه الفني، وأصبح يمارس دوره في رعاية كثير من المواهب الناشئة المبشرة، ولم تكن أم كلثوم أول وآخر من احتضن داود حسني من مواهب، فقد تدرب على يده كل من أسمهان (هو الذي اختار لها اسمها الفني) ومحمد عبد المطلب وليلى مراد وسواهم. ولعل أجمل ما لحن لأم كلثوم من أدوار كان «روحي وروحك في امتزاج» الذي تعتبر الآهات في وسطه (والآهات في الوسط شرط من شروط الشكل الفني للدور) من أروع ما أنشد من آهات في تاريخ الدور في القرنين التاسع عشر والعشرين. إضافة إلى طقطوقتين جميلتين: حسن طيع اللي فتني، ويا فؤادي إيه ينوبك، ولكنهما لم ترتفعا إلى مستوى ما سيلحنه زكريا أحمد لأم كلثوم من طقاطيق مدهشة، فيما بعد.لقد أدى هؤلاء الملحنون الثلاثة الأوائل أدوارا تأسيسية متفاوتة الأهمية، وان كانت متكاملة بلا شك، بين أبي العلا محمد، وأحمد صبري النجريدي وداود حسني، ومهدوا الطريق واسعا وعريضا أمام الثلاثة الآخرين، الذين أطلقنا عليهم لقب «الملحنون الرئيسيون» لأم كلثوم»: محمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي.إلياس سحاب
توابل - سيرة
أم كلثوم... السيرة والأغاني - السيرة الفنية (الحلقة التاسعة عشرة) أراك عصي الدمع وأكذب نفسي من إبداعات عبده الحامولي ونقلها أبوالعلا محمد مع وحقك أنت المنى والطلب والصبّ تفضحه عيونه أحمد النجريدي طبيب أسنان هاوٍ لحّن لها أربع قصائد وحاول التقرب منها عاطفياً فأخرجته من حياتها
02-09-2010