حصلت "الجريدة" على حكم محكمة التمييز الصادر يوم الأربعاء الماضي بشأن تملك البنوك الاسلامية عقارات السكن الخاص المرفوع من بيت التمويل الكويتي (بيتك) ضد وزارة العدل، إذ أكدت المحكمة في حيثيات حكمها بأن المادة 99 من القانون رقم 30 لسنة 2003 الخاص بالبنوك الاسلامية هي محل التطبيق على جميع البنوك الإسلامية.

ولفتت المحكمة إلى أنه وفق هذه المادة فإنه يحظر على البنوك الاسلامية التملك والتعامل في قسائم أو مباني السكن الخاص إلا في حالات حددتها المادة 99 من القانون رقم 32 لسنة 1968 والمعدل بالقانون رقم 30 لسنة 2003، وهي تملك البنوك الاسلامية لأغراض تنفيذ عمليات التمويل، وما تحتاج إليه البنوك لممارسة اعمالها أو سكن موظفيها وما تؤول اليها بسبب عدم وفاء الغير بالتزاماته تجاهها على ان تقوم ببيعه خلال ثلاث سنوات، ويجوز مدها عند الاقتضاء بموافقة البنك المركزي.

Ad

وبهذا أخرجت محكمة التمييز البنوك الاسلامية من امكانية بيع وشراء وتملك عقارات السكن الخاص بشكل عام، ولا يجوز للبنوك الاسلامية سوى تملك عقارات السكن الخاص إلا لأغراض التمويل وبيعها خلال سنوات، إذا آلت اليها نتيجة لعدم وفاء الغير تجاهها.

وحسب مفهوم المادة 99 من باب البنوك الاسلامية الذي تمسكت به "التمييز" وهي أعلى محكمة قضائية في دولة الكويت، فإنه لا يجوز للبنوك الاسلامية تملك عقارات السكن الخاص بقصد المضاربة من بيع وشراء العقارات السكن الخاص، ومن ثم فإنه اذا ثبت تملكها بقصد البيع والشراء والربح فإن الحظر الواقع بالمادتين 8 و9 سيكون محلا للتطبيق وستحل على البنوك الغرامات في مارس المقبل.

البنوك الإسلامية ليست شركات تجارية

وأضافت محكمة التمييز في حيثيات حكمها أن المادة 99 من قانون البنوك الاسلامية لا تنطبق الا على البنوك الإسلامية، ولا يمكن تطبيقها على الشركات التجارية المعنية بنصوص القانونين رقم 8 و9 لسنة 2008.

وتعود وقائع القضية الى امتناع إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل قيد وتسجيل العقارات المملوكة لبيت التمويل الكويتي لأنها مشمولة بالحظر الصادر في القانونين رقم 8 و9 لسنة 2008 اللذين يحظران على جميع البنوك والشركات تملك عقارات السكن الخاص، وان بيت التمويل الكويتي هو شركة تجارية، وبالتالي فإن الحظر يشمله، كما أكدت الحكومة في طعنها أمام محكمة التمييز في قانون البنوك الاسلامية صادر عام 2003 والحظر على جميع البنوك جاء لاحقا في عام 2008 وينطبق على جميع البنوك بلا استثناء.

وقالت محكمة التمييز بالدائرة الإدارية برئاسة المستشار محمد السيد الرفاعي وعضوية المستشارين احمد عبدالفتاح ومحمد الأدهم ود. حسني درويش ومحمد عثمان "إن البين من استعراض النصين الواردين بالقانونين رقم (8) ورقم (9) لسنة 2008 المشار اليهما انه لا مجال للقول بتعارض اي من احكامهما بالحكم الوارد بالمادة (99) من القانون رقم (32) لسنة 1968 والمضافة بالقانون رقم (30) لسنة 2003، مادام ان أسبقهما خاص ببنوك بعينها هي البنوك الاسلامية وان اتخذت شكل شركة المساهمة، واللاحق عام يتعلق بمجمل الشركات الواردة بالنصين الواردين في القانونين رقم (8) ورقم (9) لسنة 2008، ومن المسلم به - وعلى ما سلف بيانه - ان النص الخاص يخرج مجاله عن دائرة العموم، فيصير العموم من حيث المجال الاصطلاحي له مما ينحسر مؤداه عن ذلك المجال المخصص بحكم مخالف، ومن ثم يرفع التعارض بين النصوص، وهو بما لا يقوم معه وجه للقول إن اللاحق ينسخ السابق، لأن النسخ الضمني لحكم جاء به التشريع لا يكون الا بحكم جاء به تشريع لاحق، ولا يقوم ذلك الا باستنفاد اساليب التوفيق بين النصوص وتمحيص مجال كل منها، وان يتبين أن الامر الواحد بات محكوما في الوقت الواحد بحكمين نقيضين لا يجتمعان".

نسخ ضمني

وفي هذه الحالة يمكن القول بالنسخ الضمني في هذا المجال الذي اجتمع فيه النقيضان، وهو الأمر غير الحادث في النزاع الماثل، إذ انفرز مجال الخصوص عن العموم اصلا، كما لا يكفي القول بإلغاء الخاص بالعام مجرد النص فيه على الغاء كل حكم يخالف احكام القانون الجديد، فالقانون الخاص لا يلغيه الا قانون خاص مثله، ولا ينسخ بقانون عام ما لم يكن التشريع الجديد الذي أورد الحكم العام قد أشار بعبارة صريحة الى الغاء الحالة التي كان يحكمها القانون الخاص، او جاءت عباراته قاطعة في سريان حكمه في جميع الأحوال ويبينه بوضوح او يشير اليه في ديباجته، اذ لا يكفي ان ينص القانون الجديد على الغاء كل ما يخالفه من أحكام، لأن النص بهذه الصورة يؤدي الى الغاء ما يخالفه من احكام عامة في التشريع السابق دون الأحكام الخاصة التي تحتاج الى نص خاص بإلغائها، إعمالا للقواعد العامة التي جعلت القانون الخاص لا يلغيه او يعدله او يقيد من تطبيقه الا قانون خاص مثله فلا تؤتي النصوص الواردة في قانون عام اثرها في هذا المجال. والحاصل انه قد خلت ديباجة كل من القانونين رقم (8) ورقم (9) لسنة 2008 من الاشارة الى قانون النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية.

وأضافت المحكمة قائلة انه ولو كان المشرع قد قصد انصراف حكمهما على البنوك الاسلامية ما أعوزه النص على ذلك صراحة. ولا وجه للحجية بأن ما ورد بمضابط مجلس الامة من مناقشات لمشروع القانونين، انما تفيد بخلاف ذلك، اذ انه من المعلوم انه وان كانت الاعمال التحضيرية للقانون هي مما تلقي بظلالها على احكامه عند اعمالها بعد صدور القانون لمراعاة ما يستخلص منها من إدراك للتوجهات العامة التي توضح مقاصد التشريع وأسباب إعداده والتوجهات العامة والسياسات العامة التي أريد به تحقيقها والمسائل العامة التي أريد به علاجها، فإن كل ذلك لا يصل به الحال الى اعتبار ما ورد بهذه الاعمال ولا بأقوال المناقشين لمشروع القانون بمنزلة تفسير لنصوصه لها وجه إلزام او لها حجية ترجيح او تغليب لوجه تفسير آخر لا تفيده نصوص القانون، باعتبار أن آراء من ساهموا في إعداده انما هي محض آراء فردية واجتهادات شخصية، فالقانون إنما يصدر عن ارادة جماعية تتأتى من جمهور الموافقين عليه المصوتين له في المجلس النيابي، وليس بسائغ حصر نطاق احكام القانون في إرادة فردية معبرة عنه، وهو قد صدر عن إرادة جماعية شاملة، كما انه ليس من السائغ ايضا حصر القانون في إرادة باطنة من نية فرد أو أفراد ساهموا في تنشئته الاولى، بل يتعين ان تستخلص احكامه في وجود الإرادة الظاهرة المفصحة عن ذاتها من نص عباراته.

رفض الطعنين

وبينت المحكمة قائلة "ومتى كان ما تقدم جميعه، وكان الثابت من الأوراق ان بيت التمويل الكويتي (المطعون ضده) قد تقدم بعدة طلبات لإدارة التسجيل العقاري والتوثيق لاتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تسجيل او قيد المحررات محل النزاع، وبدلا من ان تقوم ادارة التسجيل العقاري والتوثيق (الطاعنة) بفحص هذه الطلبات والتأكد من استيفاء الأوراق والمستندات المتطلبة في هذا الشأن والمضي نحو اجراء تسجيل او قيد المحررات المرافقة لهذه الطلبات، وذلك طبقا لقانون التسجيل العقاري، أمسكت عن اتخاذ هذه الاجراءات او السير فيها او استكمالها، على سند من شمول الحظر الوارد في القانونين رقم (8) ورقم (9) لسنة 2008 بيت التمويل الكويتي، في حين انه يعتبر من البنوك الاسلامية المخاطبة بالحكم الخاص الواردة في المادة (99) من القانون رقم (32) لسنة 1968، والذي حظر عليها التملك والتعامل في قسائم او مباني السكن الخاص، الا في حالات محددة، آخذا بعين الاعتبار ان حكم المادة (99) سالفة الذكر إنما ينصرف الى البنوك الاسلامية الموصوفة في القانون بهذا الوصف، ولا ينصرف اليها بحكم كونها من الشركات التجارية، وهو مما تنحسر عنها الأحكام الواردة بالقانونين رقم (8) ورقم (9) لسنة 2008، الأمر الذي يغدو معه قرار الجهة الادارية السلبي بالامتناع عن اتخاذ الاجراءات او السير فيها او استكمالها نحو تسجيل او قيد المحررات موضوع النزاع غير قائم على سبب صحيح قانونا حريا بالإلغاء، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه سديدا الى هذا النظر فإنه يتعين تأييده ورفض هذين الطعنين.

الياقوت: حكم "التمييز" لمصلحة "بيتك" أحيا قطاعاً مهماً في الاقتصاد الوطني

قال المستشار القانوني لبيت التمويل الكويتي (بيتك) حامد الياقوت، إن حكم محكمة التمييز بتأييد الحكم المطعون فيه في ما يخص عدم خضوع "بيتك" للقانونين 8 و9 لعام 2008، في شأن حظر التعامل على عقارات السكن الخاص، مما يعني السماح له بعمليات الرهون والتمويل على هذا القطاع، أسدل الستار على قضية التسجيل العقاري الشهيرة بعد استكمال كل درجات التقاضي، وصدور حكم بات وقطعي من شأنه إنعاش قطاع العقار السكني، الذي عانى ركودا في الآونة الأخيرة بسبب ضعف التمويل، بينما أكد مدير إدارة العقار المحلي في "بيتك" صلاح الخميس أن جهود "بيتك" وأنشطته في مجال العقار لا تستهدف المضاربة أو الاحتكار، بل مساعدة المواطنين للحصول على التمويل، وأن جميع الفروع تواصل عملها باستقبال العملاء وتقديم الخدمات العقارية بأفضل مستوى.

وأكد الياقوت أن قرار محكمة التمييز أحيا قطاعا مهما من قطاعات الاقتصاد الوطني، وسيساهم بلا شك في تسريع وتيرة أدائه، بما ينعكس إيجابا لمصلحة المتعاملين في السوق قائلا "قضية التسجيل العقاري من أهم القضايا التي عرضت على القضاء الكويتي خلال الفترة الأخيرة، ولها عدة اعتبارات بالنظر إلى أهمية القضية الإسكانية وتأثيرها المباشر على حياة كل مواطن، فقرار المحكمة بأحقية "بيتك" في التعامل على عقارات السكن الخاص يؤكد مكانة وأصالة الجانب الشرعي في معاملاته، إذ أكدت محكمة التمييز الدائرة الإدارية أن كلا من القانون 8 و9 لسنة 2008 لا ينصرف إلى "بيتك" بصفته أحد البنوك الإسلامية، ويخضع لقانون 30/ 2003 بشأن إضافة قسم خاص للبنوك الإسلامية إلى القانون 32/1968.

وأضاف أكدت المحكمة أن امتناع إدارة التسجيل العقاري عن اتخاذ إجراءات تسجيل او قيد المحررات المقدمة من "بيتك" لا يقوم على سبب صحيح من القانون، وقد استقر الرأي بلا منازعة بعدم خضوع "بيتك" لأحكام القانونين 8 و9.

من جانبه، أكد مدير إدارة العقار المحلي صلاح الخميس أن صدور الحكم بشكل نهائي من أعلى جهة قضائية من شأنه تحريك عمليات التمويل التي يقدمها "بيتك" على السكن الخاص، مشيرا إلى أن جميع فروع البنك التي تقدم الخدمات العقارية تواصل عملها في توفير التمويل اللازم للمواطنين بما يمكنهم من اقتناء بيت العمر وفق الشروط والضوابط الائتمانية المعتادة، وقد عانى الكثيرون جراء تداعيات القانون، كما تأثر السوق بشكل عام ومباشر نظرا للدور المهم الذي يلعبه "بيتك" في السوق العقاري بشكل عام، وفي جهود المساعدة على التخفيف من حدة الأزمة الإسكانية تحديدا، باعتبار أن مسألة التمويل كانت ولا تزال العقبة الرئيسية في موضوع توفير السكن المناسب للمواطنين في ظل قلة المعروض وزيادة الطلب على العقار السكني الذي يمثل أولوية في حياة كل أسرة كويتية.

وأضاف الخميس "نتطلع إلى خدمة عملائنا وتوفير التمويل المناسب بما يحقق احتياجات العملاء المتنوعة من تملك عقار سكني يليق بهم وفق الضوابط الشرعية والقانونية المعتمدة، كما يجب تأكيد أن أنشطة "بيتك" في مجال العقار لا تعكس أي ممارسة بهدف المضاربة أو الاحتكار.