بعد أن كان الأطفال قديماً يستمعون إلى أغان جميلة فنياً وتربوياً مثل {ذهب الليل» و «ماما زمانها جاية» لمحمد فوزي أو أغاني عفاف راضي وغيرها، انتشرت في السنوات الأخيرة نوعية غريبة من الأغاني الموجّهة الى الأطفال تتضمّن كلمات شاذة وإيحاءات جنسية أحياناً مثل «بوس الواوا» لهيفاء وهبي و{بابا أوبح» لمجموعة أطفال، فما هي أسباب هذا التحوّل في صناعة تلك الأغاني؟

يقول الشاعر الغنائي شوقي حجاب، الذي كتب مجموعة من أجمل أغاني الأطفال، إن المشكلة تعود أساساً إلى أن الأغاني تحوّلت إلى تجارة بحتة ولم تعد ترسيخاً لقيم أو مبادئ أو حتى جماليات، كما كانت الحال قديماً عندما كانت الثقافة هي التي تدير الإعلام، وكانت تتوافر ضوابط فنية وأخلاقية تحدّد ما يجب أن يقدَّم من خلال لجان متخصصة، أما الآن فقد تحوّل الفن الى فكر استهلاكي وتجاري غير مسؤول.

Ad

أما السبب الثاني لانتشار هذه الأغاني برأي حجاب فيرجع الى العدد المهول من الفضائيات التي تبحث عن أي مادة لملء أوقات الإرسال من دون الاهتمام بالأطفال والتأثير السلبي الذي يعود عليهم بسبب استماعهم الى تلك الأغاني التي أصبحت تحتوي على إيحاءات جنسية فجة.

في ما يخصّ دور الرقابة، يرى حجاب أنه ليس مؤثراً لأن مسؤولي الرقابة أصبحوا يتخذون قراراتهم تبعاً للأهواء الشخصية، مشيراً إلى «أن الرقابة التلفزيونية أصبحت «مشبوهة» لأنها تتخذ قرارات غير موضوعية وتتعامل مع الجهاز وكأنه «ملكية خاصة» من دون الرجوع إلى أي معايير أو قيم.

يلفت الشاعر الغنائي عوض بدوي، الذي كتب أغاني ألبوم نانسي عجرم للأطفال «شخبط شخابيط»، الى أن الزمن قد تغيّر وأن الأطفال الذين كانوا يستمعون إلى أغنية «ماما زمانها جاية» أو «هم النم} مختلفون عن أطفال اليوم الذين تأثروا بالتكنولوجيا الحديثة من تلفزيون وإنترنت وهاتف خليوي، فيسبقون برأي بدوي أعمارهم بسبب ما يتعرّضون له من غزو تكنولوجي، لذا لا بد من أن يكون مستوى الأغاني التي تقدّم لهم مناسباً لمستواهم الفكري، إلا أن هذا لا يعني تقديم أغان مبتذلة تحمل إيحاءات جنسية لأن ذلك من شأنه هدم القيم وإنتاج أجيال مشوّهة.

يشير بدوي إلى أن الرقابة لم تعد تؤدي أي دور في ما يقدَّم للأطفال أو الكبار، مؤكداً أن مجتمعاتنا ما زالت تحتاج إلى رقابة لأن الفنان لدينا لا يلتزم بالقيم الأخلاقية أو الاجتماعية، بتعبير أدق ليس رقيباً على نفسه ويحتاج دائماً الى رقيب خارجي يسيطر على إنتاجه، وأن هذا الإسفاف مرتبط بحال الفن عموماً الذي أصبح يهتم بالمكسب المادي فحسب، إلا أن خطورته على الأطفال أكثر وطأة لأنه يؤثر على تشكيل وعيهم وقيمهم، ما ينعكس على المجتمع ككل لسنوات طويلة مقبلة.

فريسة

تتفق الإعلامية فضيلة توفيق، صاحبة البرنامج إلاذاعي للأطفال «أبلة فضيلة»، مع بدوي على «ضرورة تفعيل دور الرقابة على جميع المصنفات الفنية، خصوصاً ما يقدَّم منها للأطفال الذين يرتبطون بهذه الأغاني ويرددونها، ما يساهم في تشكيل وعيهم وتربيتهم، لا سيما في هذا الزمن الذي أصبح الأهالي ينشغلون فيه عن أبنائهم ويتركونهم فريسة للتلفزيون والإنترنت اللذين يرسّخان فيهم قيماً غريبة عن مجتمعاتنا، ما يخلق أجيالاً مشوّهة»، وأبدت توفيق دهشتها من أن تحتوي أغنية للأطفال على إيحاءات جنسية مثل أغنية «بوس الواوا» لهيفاء وهبي.

بدوره، يرى الناقد الغنائي أشرف عبد المنعم أن «أغنية الطفل أحد ألوان الغناء مثل الأغنية العاطفية أو الوطنية، وجميعها تأثرت بالاضمحلال والفساد الاجتماعي والاقتصادي، إذ أصبح الربح المادي هدف المنتج الوحيد من دون أي أهداف فنية أو فكرية أخرى، وقد أصبح الوسط الغنائي يعاني من الفساد العام»، مشيراً إلى أن المشكلة ليست في الأجهزة الإعلامية الخاصة فحسب بل في الأجهزة العامة أيضاً التي أصبحت تذيع هذه الأغاني المبتذلة بعد أن كانت قديماً وسيلة لنشر القيم بين الأطفال، كذلك دار الأوبرا التي أصبحت تهتم بالحفلات التجارية التي تدر الربح.

وعما يقال عن أن ما يقدَّم من أغاني هو ما يطلبه الجمهور، يؤكد عبد المنعم أن دور الفن دائماً الارتقاء بذوق الناس وثقافتهم، مشدداً على خطورة تأثير الأغاني التي تقدَّم للأطفال على ثقافتهم وأخلاقهم لأن الأغنية أكثر تأثيراً برأيه من أي أنواع فنية أخرى، لذلك تساهم في خلق أجيال غير سوية، ما يؤثّر سلباً على المجتمع.