طالما قلنا إن تجاوز الحكومة مسلسل الاستجوابات لا يعني بالضرورة اقتناع أغلبية النواب بأدائها، بل هو في الأساس موقف ضد الغوغائية السياسية التي لا تريد الإصلاح، بل همها التعطيل واستمرار التأزيم والاستعراض السياسي، خصوصاً أن من يتصدرها هم رموز التطرف وخريجو الفرعيات، لكن الحكومة وللأسف لم تبادر إلى تعديل مسارها حتى تقنع الشارع بأنها تستحق الاستمرار، بل قامت بالعكس وهو فقدان المزيد من الأصدقاء بسبب حسابات سياسية خاطئة.

Ad

لكن المهم الآن هو الاستفادة من التجارب السابقة من أجل مستقبل أفضل، فقد بات من الضروري تغيير الطريقة التي من خلالها يتم اختيار تشكيلة مجلس الوزراء بعدما كررنا مراراً أن التشكيلات «القرقيعانية» السابقة جعل من السهل على بعض النواب استهداف الحكومة لأنه لا يوجد منهج وسياسة واضحة توحد وزراءها ضد الهجمات عليها، فرأينا التناقضات تطفو على السطح بين أعضاء الحكومة الواحدة التي يغني كل وزير فيها على ليلاه.

فبداية رأينا انطلاق خطة تنمية تبين لاحقاً أنها مجرد خطة خدمات، وتبين أيضا أنها غير قابلة للتطبيق بهذه السرعة في ظل النقص الشديد في التشريعات اللازمة لإنجاحها والتي لا أعتقد أنها ستقر قبل نهاية مدة الخطة، كما شهدنا تناقضاً بين الوزراء على كيفية تمويل الخطة وهو الإشكال الذي لم يحل إلى الآن، ورأينا الحكومة تتحدث عن التغيير وضخ دماء جديدة في المناصب بينما تم التجديد لأغلب الوكلاء والوكلاء المساعدين، خصوصاً أولئك الذين «أكل عليهم الدهر وشرب»، وأولئك الذين أمضوا أكثر من ربع قرن في مناصبهم!

ورأينا الحكومة تتحدث عن خلق فرص عمل في القطاع الخاص بينما نجد العكس على الأرض في ظل مسلسل الكوادر والزيادات، التي تقر بشكل فوضوي وغير مدروس في القطاع العام، مما جعل أحد مسؤولي ديوان الخدمة المدنية يقول إن الحكومة باتت تنافس النواب في إقرار القرارات الشعبية، حيث بلغت نسبة الزيادات المالية التي أقرت منذ 2005 إلى الآن 47% من حجم الميزانية العامة للدولة في بند الأجور والرواتب.

كما أن كثيراً من قرارات الحكومة كانت مجرد ردة فعل، فبعد زيادة الحرائق في مجمع الصوابر قررت الحكومة أخيراً تثمين المجمع مع أن المتخصصين نصحوا بهذه الخطوة منذ سنوات، وبعد أن خرج «البدون» في مظاهرات قررت الحكومة منحهم حقوقهم المدنية التي كان الكثيرون ينادون بها منذ زمن بعيد في ظل تعنت وممطالة حكومية مستمرة، وأزمة الرياضة لم تُحل إلى الآن بسبب المجاملات ولأن هناك وزراء يباركون كسر القانون لا تطبيقه.

وبإمكاني سرد المزيد والمزيد من الإخفاقات الحكومية في إدارة الدولة، لكن المهم أن نعي أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، خصوصاً بعد موجة الثورات التي اجتاحت العالم العربي، والتي تطالب بمزيد من العدالة والحرية والحكم الرشيد، فبات تشكيل حكومة متجانسة أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى، بحيث يختار وزراؤها بعد وضع رؤية وسياسة واضحة، لا أن يتم اختيار الوزراء ثم يحاول رئيس الحكومة إيجاد أرضية مشتركة بينهم كما حدث في التشكيلات السابقة.

أدرك أن المهمة صعبة في ظل الظروف التي يعيشها البلد، خصوصاً مع استفحال خلاف الأسرة وانعكاسه على النواب أحياناً وعلى الشارع أيضاً، وأدرك أن الإصلاح وتغيير النهج الذي كانت الدولة تدار به خلال الخمسين عاماً الماضية هما مهمة صعبة للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً، وأدرك أن المجلس غير مثالي ومبتلى بنواب الاستعراض والتأزيم، لكن أمام سمو رئيس الوزراء فرصة لتشكيل حكومة قوية تأخذ بزمام المبادرة ولا تكون قراراتها مجرد ردات فعل، حينئذ قد تستطيع هذه الحكومة كسب الشارع وتفويت الفرصة على من يريد استمرار الأزمات، بل قد تستطيع تغيير قناعات الناس بالانتخابات القادمة، بحيث يحكم اختيارهم الحكمة والكفاءة لا الصوت العالي.