صادقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي لتوها على معاهدة «ستارت» الجديدة لخفض الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا وأرسلتها إلى مجلس الشيوخ لإعطاء كلمته الأخيرة. نهدف بهذا المقال إلى حث المجلس على التحرك سريعاً للمصادقة عليها، لأن الحجج المطروحة المؤيدة للمعاهدة قوية ومقنعة.

Ad

فما أهمية معاهدة «ستارت» الجديدة؟ الإجابة بسيطة: انتهت صلاحية معاهدة «ستارت» الأصلية، التي وُقّعت عام 1991 ودخلت حيّز التنفيذ عام 1994، في ديسمبر الماضي، ومعها انتهى برنامجها للتدقيق والامتثال الذي توج أكثر من 30 عاماً من المفاوضات حول ضبط الأسلحة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وروسيا. ومنذ ديسمبر، لم يتمكن أي مفتش أميركي من زيارة مواقع الصواريخ الروسية كما لم يطأ أي مفتش روسي أرض الولايات المتحدة. بنتيجة الأمر، فقد كل جانب عنصراً مهماً من الشفافية في القوى الاستراتيجية الخاصة بالآخر. فالشفافية تعزز القدرة على التنبؤ التي تعزز بدورها الاستقرار. وحين تغيب الشفافية، تبدأ بذور انعدام الثقة والشك بالنمو.

لذلك تنهي المعاهدة الجديدة هذه المشكلة عبر إعادة إنشاء علاقة قوامها خفض الأسلحة النووية وبرنامج التفتيش والتدقيق المرافق لها. فضلاً عن ذلك، تنص على تخفيضات إضافية متواضعة (خارج إطار تلك المُتّفق عليها في اتفاقية عام 2002 الموقعة بين جورج بوش الابن وفلاديمير بوتين) في الترسانتين النوويتين الاستراتيجيتين الأميركية والروسية الراهنتين. فالحد من هذه الأسلحة عن طريق المراقبة واعتماد الشفافية وسيلة فعالة مع الوقت لتحقيق توازن مناسب يضمن الأمن الذي نحتاج إليه ويعترف بالوقائع العالمية المتغيرة.  

ما الذي يعترض عليه الخصمان إذن في هذه المعاهدة؟ أولاً، يُقال إنها تقيد خيارات الولايات المتحدة المتاحة في منظومة الدفاع المضادة للصواريخ الباليستية. صحيح أن المعاهدة تحظر تغيير وجهة استخدام قاذفات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الراهنة وأنابيب الصواريخ في الغواصات بحيث تحتوي منصات اعتراض الدفاع الصاروخي، لا تعتزم الولايات المتحدة القيام بذلك لسبب مهم: لقد نظرت وزارة الدفاع الأميركية في هذه الخيارات وخلُصت إلى وجود وسائل أكثر فعالية (وأقل تكلفةً) لدرء أي هجوم بالصواريخ الباليستية، فضلاً عن أن المعاهدة تجيزها كلها.

ثانياً، يُزعَم أن المعاهدة لا توفر ما يكفي من التدقيق والمراقبة لاسيما على عكس أحكام التدقيق الواردة في معاهدة «ستارت» الأصلية. على حد قول المعترضين، نصت المعاهدة القديمة على إجراء 28 عملية تفتيش للمواقع في العام، بينما لا تجيز الجديدة سوى 18. لكن هؤلاء لا يذكرون أنه بموجب معاهدة «ستارت» الأصلية، كان يوجد 70 موقعاً قابلاً للتفتيش في أنحاء الاتحاد السوفياتي، في حين تضم روسيا اليوم 35 موقعاً فقط. برأينا، أصابت وزارتا الخارجية والدفاع والمجتمع الاستخباراتي في تقديرها بأن إجراء 18 عملية تفتيش في العام، فضلاً عما نملكه من معلومات استخباراتية، سيسمح للولايات المتحدة بالتأكد من أن روسيا تلتزم بالمعاهدة، أو سيوفر الأدلة التي نحتاجها والتي تثبت خلاف ذلك.

لا يوفر برنامج التدقيق، كما يرغب بعض المعترضين على المعاهدة، معلومات حول خصائص أنظمة الصواريخ الروسية غير الخاضعة للتنظيم في المعاهدة، مثل حمولة الصواريخ، لكن من غير المفترض أن يتضمن ذلك. صُمم برنامج التدقيق بوجه التحديد للتأكد من امتثال الطرفين بأحكام المعاهدة المُرفق بها، وليس بمعاهدة أخرى أو سعياً وراء أهداف استخبارتية. لذلك يُعتبر برنامج التدقيق في معاهدة «ستارت» الجديدة أكثر من كاف للمهمة التي صُمم لإنجازها.

ثالثاً، يشتكي المعترضون من أن المعاهدة الجديدة لا تحد من صواريخ روسيا النووية القصيرة المدى. هذا صحيح، لكن لسبب بسيط: مجدداً فالمعاهدة صُممت لذلك الهدف. تعالج المعاهدة الجديدة الصواريخ النووية الروسية البعيدة المدى فحسب، تلك التي تهدد الولايات المتحدة مباشرةً. لم تخض الولايات المتحدة يوماً في مفاوضات سواءً مع الاتحاد السوفياتي أو روسيا بشأن معاهدة حول الأسلحة النووية القصيرة المدى، مع العلم أن الروس يملكون عدداً كبيراً من هذا النوع من الأسلحة، يفوق بأضعاف حجم القوة الأميركية التي تضاهيها، ويتخطى حاجاتهم بكثير. وبينما لم تسع الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عهد رونالد ريغان يوماً إلى مضاهاة روسيا في هذه الأنظمة بالطريقة التي سعينا بها وراء تكافؤ القوة في مجال أنظمة الصواريخ البعيدة المدى، لطالما عملنا جاهدين لامتلاك قوة كافية لحاجاتنا، وحاجات حلفائنا، من الردع، وقد حصلنا عليها. كما أشرنا سابقاً، يملك الروس الكثير من الأسلحة النووية القصيرة المدى التي تخدم مصالحهم وتضمن لهم الاستقرار في الوقت عينه على طول حدودهم. لكن هذه الحاجات يجب معالجتها في مفاوضات على حدة، لأنه ما من معاهدة تؤمن وحدها «علاجاً شافياً» لجميع التهديدات التي نواجهها، ومعاهدة «ستارت» الجديدة ليست استثناءً. فحين ننتقدها لأنها لا تعالج المسائل التي كان يُفترض بها معالجتها يعني أننا نسيء فهم تاريخ ضبط الأسلحة والعلاقات الدولية. وإن لم نتمكن من إدخال «ستارت» الجديدة حيز التنفيذ، فسوف نكون قد قلصنا بذلك فرصنا بتوقيع معاهدة في المستقبل تنظم أنظمة الصواريخ القصيرة المدى.

أخيراً، نفهم أن البعض قلق من ألا تحدّث إدارة أوباما تلك العناصر في قوانا الاستراتيجية التي تغدو نوعاً ما «قديمة»، لكن باعتقادنا، لم تتعامل الإدارة بشفافية تامة مع الكونغرس كما كان ينبغي لها أن تفعل بشأن خططها التحديثية، لذا نحثها على تصحيح سلوكها. مثلاً، بدلاً من الشعور بالرضا عن بيان الإدارة الذي قالت فيه إنها ستحتفظ «بما لا يقل عن 420 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات من نوع Minuteman»، يود بعض أعضاء مجلس الشيوخ معرفة العدد الذي تعتزم الإدارة الاحتفاظ به بالتحديد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. يحق لهم الاستفسار عن ذلك، لكن هذه المسألة ستظل قائمة سواء دخلت المعاهدة حيز التنفيذ أم لا. تسمح المعاهدة لكلا الجانبين بتحديث قواهما، فإما أن ينتفع كلاهما سوياً وإما أن يخسرا سوياً. لكن هذه المعاهدة لن تعود علينا بالمنفعة إن ارتأينا عدم القيام بما يستلزم لتحديث قوانا. لذلك لا تمثل الهواجس بشأن التحديث حججاً ضد المعاهدة، وإنما لمصلحة بناء إجماع سياسي بين الإدارة والكونغرس حول ما يجب تمويله اليوم وما يمكن إرجاؤه. في هذا الصدد، تشكل المعاهدة أداةً يستطيع بعض الديمقراطيين، الذين يشتهرون عادةً بمعارضتهم الأنظمة الاستراتيجية بموجبها الالتزام، بالتحديث؛ بينما يستطيع بعض الجمهوريين، الذين لا يشتهرون عادةً بتأييدهم ضبط الأسلحة، التصويت على المصادقة. على نحو معاكس، قد يؤدي رفض هذه المعاهدة إلى الوصول إلى الإجماع وإلى خلف قوانا أيضاً.

المعاهدات مثلما هو الزواج، لا يجوز الدخول إليها باستخفاف أو من دون سبب وجيه، بيد أن معاهدة «ستارت» الجديدة تعزز الأمن الأميركي وتحسن الاستقرار الدولي، وهذا سبب وجيه بما يكفي، لذا على مجلس الشيوخ المصادقة عليه سريعاً.

Brent Scowcroft و Jake Garn

* سكوكروفت، مستشار سابق للأمن القومي في إدارتي فورد وجورج بوش الابن. وغارن سيناتور جمهوري سابق من أوتاه.