نعم... نعم... تباً للديمقراطية، وسحقاً للحرية وحقوق الإنسان، وكل تلك الموبقات التي أخذتنا إلى هذا المنزلق الخطر، وعصفت باحترامنا لبعضنا، وحرمتنا من أعز ما نملك، وجعلتنا أضحوكة أمام كل من يضمر لنا الشر وعلى شاشات الفضائيات وألسنة مذيعي الأخبار والنشرات. تباً... تباً... وسحقاً لهكذا حرية وديمقراطية أفقدتنا احترام الكبير والعطف على الصغير وتقدير العالم وتبجيل المعلم وطاعة الحاكم.هل هذه هي الحرية التي يتحدثون عنها؟ وهل هذا ما يمكن أن تفضي به الديمقراطية؟ تطاول على الناس واعتداء عليهم، وجرجرتهم في المحاكم، واستدعاؤهم للنيابة، وتحطيم وتكسير ورصاص وسب ولعن واستباحة الأموات في قبورهم واستعداء طائفة ضد أخرى.إن حادثة قناة «سكوب» لخير شاهد على سوء الديمقراطية وبغض الحرية ودناءة احترام حقوق الإنسان، لسنا مع طرف ضد آخر، ولكننا نحزن لما يحدث في بلادنا بدعوى تلك المفردات التي هي بعيدة تمام البعد عن طريقة استخدامها في الكويت.لقد أخطأ أبناء بلدي في فهم الحرية والديمقراطية، فاعتقدوا أن الحرية تعني فعل أي شيء في أي وقت، واعتقدوا أن التطاول على خلق الله حرية رأي وديمقراطية حوار.لقد أخطأ أبناء بلدي عندما اعتقدوا أن الديمقراطية هي أن تحطم ما تريد ووقتما تريد، ونسوا أن الحرية تنطلق من احترام الآخرين، وأن الديمقراطية أساسها احترام وجهات النظر والآراء الأخرى، لقد أخذنا من الحرية والديمقراطية القشور ولم ندخل إلى المضمون على طريقة «ولا تقربوا الصلاة».القانون... مفردة لها وقع خاص في نفس كل الناس في العالم، تعني العدل والمساواة والقصاص من المخطئ وأخذ الحق للمجني عليه، لكن القانون في الكويت كلمة لها وقع آخر، فهي كلمة أسطورية شبيهة بما نسمعه في القصص الخيالية القديمة والمفردات الأسطورية الأخرى كالغول والعنقاء والخل الوفي وغيرها.القانون في الكويت يُسمع عنه ولا يشاهد، موجود ولكنه دائما «غائب»... «طلع»... «سافر»... «مع الأهل في الشاليه»... «أو طالع قنص»... «أو ماله خلق»، فالقانون في الكويت مفردة جميلة جداً، نادرة وعجيبة، تحمل المعنيين والضدين والخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيا أبداً.هذا الغائب الحاضر هو سبب «البلاوي» وما نحن فيه؛ لأن لو طبق لما شاهدنا «سكوب» تفعل ما تفعل، وما رأيناها تستحضر الأموات وتؤرق مضاجعهم، وما سمعنا أنها تتطاول على البشر بدعوى الحرية والديمقراطية. لو طبق القانون في بلادنا لما شاهدنا هذه المضحكات المبكيات، ولا سمعنا هذه المرادفات، ولما أطلقنا هذه الآهات والصيحات.لماذا لا نلتزم بأدب الحرية ونمارس الديمقراطية بحق؟ الإجابة واضحة لأن القانون «مازال في الشاليه» ولم يعد من «رحلة القنص» و»مسافر مع الوالد في رحلة علاج»... من حقنا أن ننتقد ولكن في إطار القانون، ننتقد المسؤول في عمله لا في شخصه، ننتقد الوكيل والوزير بسبب إخفاقاته في وزارته لا لأنه يتناول طعام الغداء قبل العشاء. ننتقد رئيس الحكومة لأنه قصّر في حق شعبه لا لأنه رفض أن ينام على جنبه الأيمن بدلاً من الأيسر.تطبيق القانون بحذافيره في الكويت ليس ترفاً أو معضلة تستحيل التنفيذ، وجاء وقت تطبيقه الآن دون إرادتنا، وإن لم نفعل فلنقل على الكويت السلام، لأننا سنشاهد قريباً طائفة أو قبيلة ستحذو حذو أبناء المالك إن لم يحصلوا على حقهم في التو واللحظة، وإن لم يطبق القانون سريعاً، وعلى رأي الإخوة السوريين سنعيش بقانون «كل من إيدو إلو»... و»خذ حقك بيدك».بلدنا بلد مؤسسات وقانون وحرية وديمقراطية، لكن مع الأسف هناك من أساء استخدام هذه المعطيات فشاهدنا ما شاهدنا، وإن لم يطبق القانون فالقادم أسوأ وسنجد هناك من يحاول أن يتخطى كل الحدود لتحقيق ما يراه صواباً كهذا المتصابي الذي تهجم أخيراً على الناطق الرسمي باسم الحكومة، وسنجد غيره كثراً ممن يؤججون مشاعر الكره والبغض والكراهية.يا حكومة طبقي القانون بالله عليك على الجميع وبسرعة «يرحمك الله»، فإما أن تدركي الكويت الأن وإما لن تدركيها بعد... وأعيدي للحرية هيبتها التي ضاعت بين أرجل «سكوب» والجويهل ومن على شاكلتهما.
مقالات
تباً للديمقراطية... سحقا للحرية!
22-10-2010