رغم ورود معلومات لي بمنتصف أبريل الماضي تفيد بأن المستشار فيصل المرشد عازم على تقديم استقالته أوائل مايو الجاري، فإنها تمثل لي بعض التردد في قبولها وتصديقها لقناعتي التامة أن لصبر فيصل المرشد صبرا آخر وخاصا لا يمكن أن ينتهي بما انتهى إليه، ولقناعتي التامة أن لفيصل المرشد حسا وروحا لا يمكن أن يفارقا القضاء الكويتي، وقد تثبت الأيام جزءا على الأقل مما أطرحه.

 وإن كان للرجل شجون وهموم فيتعين على المهتمين بالشأن القضائي أن يشاركوه بها، وخصوصا أننا اليوم نناقش قضية ترتيب البيت الداخلي للسلطة القضائية، وهي قضية سبق أن تم تناولها بقدر من التحفظ إلا أن غطاء التحفظ اليوم انكشف ولم يعد هناك مبرر للاستمرار فيه، فيتعين الإشارة إلى المزيد من التفاصيل غير المخلة بأعراف القضاء وتقاليده.

واستقالة المرشد برأيي تعود إلى سببين أولهما قد يكون معلنا بعدم احترام السلطة التنفيذية لقرار السلطة القضائية ممثلا في المجلس الأعلى للقضاء بترشيح المستشار فيصل المرشد لمنصب نائب رئيس محكمة التمييز منذ يوليو من العام الماضي، وهو المنصب الذي سيؤهل المرشد لرئاسة محكمة التمييز وسيجمعه بمنصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء في ظل قرب نهاية ولاية المستشار يوسف غنام الرشيد أواخر سبتمبر المقبل، بينما السبب الآخر برأيي هو الخلاف الداخلي  من تولي المستشار فيصل المرشد لمنصب نائب رئيس محكمة التمييز، حيث بدأ البعض بالتحرك للحصول على المنصب تحت مبررات «الأولى والأقدم في التعيين»

Ad

والاستمرار في مطالباته بتطبيق معيار الأقدمية الذي سار عليه المجلس الأعلى للقضاء في اختيار رؤسائه طوال فترات اختيار رؤساء المجلس الأعلى للقضاء. ومثل هذا الخلاف الداخلي حسب مصادر قضائية أخذ ينعكس على قرار اعتماد المستشار فيصل المرشد كنائب لرئيس محكمة التمييز رغم أن المجلس الأعلى للقضاء هو من قام بترشيحه قبل عام، وهو الأمر الذي يدعو إلى التساؤل والحيرة معا؟ إذا كانت الحكومة قد أقرت مشروع تعيين أعضاء المحكمة الدستورية الثلاثة ولم تقر مشروع المناصب القيادية في المجلس الأعلى للقضاء فهل يعد هذا الامتناع تدخلا واضحا وصريحا في عمل السلطة القضائية؟ أم ان هذا الامتناع غير متعمد، وسببه تراكم العديد من المشاريع الحكومية والقضائية على جدول أعمال مجلس الوزراء الموقر؟ أم ان السبب في عدم الإقرار هو إرجاء الحكومة الأمر لحسم المناصب كاملة وقت انتهاء ولاية المستشار يوسف غنام الرشيد في شهر سبتمبر المقبل فتعتمد الرئيس وتعتمد نائب الرئيس معا!

حاولت أن أبحث عن عوامل أخرى أصل من خلالها الى الأسباب التي دعت المرشد إلى التقدم باستقالته، فوجدت أن هناك سببا وإن كان ليس مباشرا فإنه جوهري ومن المنطقي طرحه، يتعلق بالإهمال الحكومي لمرفق القضاء الذي يتولى فيه منصبا كبيرا كرئيس لمحكمة الاستئناف وعضوا مهما وبارزا في المجلس الأعلى للقضاء، وهو برأيي موقف سلبي عبر عنه المرشد في لقاءات سابقة وأسهب في الحديث عن المعوقات التي تواجه القضاء والإهمال الحكومي في التعاطي مع مطالب السلطة القضائية.

ولكن هناك جملة من التساؤلات يتعين طرحها من اليوم إلى أن يحسم ملف ترتيب البيت القضائي، وهي ماذا بعد استقالة المستشار المرشد؟ كيف سيتعامل المجلس الأعلى للقضاء مع الأمر وكيف سيعقد؟ كيف ستنعقد المحكمة الدستورية ولجنة فحص الطعون؟ ومن هو نائب رئيس محكمة التمييز المقبل؟ ومن هو الرئيس المقبل؟ أيا كانت الإجابات من هنا وهناك فإن المرحلة المقبلة رغم حساسيتها فإنها ستمر صعبة على السلطة القضائية وهو ما لا نتمناه.