دعا عدد من المثقفين الكويتيين الى ضرورة الانتباه إلى البنية الثقافية في الكويت، والإسراع في اتخاذ إجراءات تساهم في المحافظة على الحريات التي يقرها الدستور، رافضين وصاية الجماعات الدينية التي تفرض رؤيتها الأحادية بتعسف، مؤكدين رغبتهم في ممارسة حياتهم اليومية بمنأى عن الوصاية الفكرية.

Ad

يرفض الدكتور خليفة الوقيان الإرهاب الفكري التي تمارسه الجماعات الدينية في الكويت والتي تحدد للقارئ ما يسمح له بالإطلاع عليه، وأشار إلى ضرورة التخلي عن مبدأ الوصاية على العقل البشري.

وانتقد الوقيان في تصريح لـ»الجريدة» أمس استسلام القيادات السياسية لقوى متخلفة تفرض رؤيتها الأحادية المتشددة. وقال: «أنا ضد الوصول إلى منابع المعرفة كافة، إذ باستطاعة القارئ أن يميز بين الصالح والطالح دون وصاية ذوي الاتجاهات المتشددة الذين يعتقدون أنهم أكملوا الاستيلاء على البلاد، وأن من حقهم أن يحددوا للمواطن ما يقرأ وما يلبس، وما يشاهد، وما يسمع.

إرهاب فكري

ويضيف الوقيان:»إن اللوم لا يقع على من يمارسون الإرهاب الفكري في الكويت لأنهم متّسقون مع إيدلوجياتهم التي ترى فرض رؤية واحدة على البلاد والعباد ولكن اللوم يوجه إلى القيادات السياسية المسؤولة عن الأمن الفكري والاجتماعي في البلاد والتي لا تمارس دورها حتى في الالتزام بما كفله الدستور من حريات في مقدمتها حرية الاعتقاد».

وقال: «الخوف على الكراسي قد أوصلنا إلى حالة من التدهور الثقافي والاجتماعي وأعتقد أن الأمور لن تستقيم مادامت هناك قوى متخلفة تفرض رؤيتها الأحادية المتشددة ووجود قيادات سياسية ترتعد فرائصها وتخضع للابتزاز الذي تمارسه تلك القوى المتزمنة ذات الرؤية المتخلفة».

ويحذر الدكتور الوقيان من تدهور البنية الثقافية في الكويت وتحولها إلى آلة تتلقى توجيه واحد معين يقوم على اللغو الديني ونبذ الآخر.

تعسف رقابي

بدوره، يقول أحمد الديين إن مشكلة الرقابة في الكويت بدأت منذ عام 1997 إذ ظهرت معايير متشددة يطبقها الرقباء في الكويت وبتعسف، أدى إلى عدم مشاركة عدد من الناشرين العرب ضمن معرض الكتاب في الكويت، وهذا النظام المتبع لا يتحمله المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بل المسؤولية كاملة تقع على عاتق وزارة الإعلام التي تبنّت التشدد الرقابي، خلافاً لما يحدث في معارض الكتب الأخرى التي يتم فيها رفع سقف الحرية والسماح بتداول الكتب وبيعها لاسيما أن الباحثين والاكاديميين ينتظرون موعد المعرض بفارغ الصبر للإطلاع على جديد دور النشر في العالم العربي، لكن دائما تذهب أحلامهم أدراج الرياح مصطدمة بمقاييس متشددة.

صورة مشرقة

ويشدد الديين على ضرورة تطبيق المبادئ الرقابية على الكتب الإباحية وكذلك العناوين التي تدعو إلى الكراهية والطائفية، مشيراً إلى أهمية إعادة النظر في مقاييس الجهات الرقابية ومعاييرها، كما يأسف لقرار منع عناوين لمؤلفين مستنيرين ويعدون من أبرز كتاب الوطن العربي.

ويضيف: «الخاسر الأول من هذا الوضع هو المثقف في الكويت لأن القارئ لن يستطيع الإطلاع على الكتب الحديثة وكذلك من العناوين التي يود إقتناءها لدور نشر عربية، والخاسر الثاني هي الكويت التي بدأت تفقد الكثير من سمعتها الأدبية والثقافية بسبب قرارات الرقابة المتعسفة، فلم تعد صورة الكويت مشرقة في أذهان بعض العرب، ويتحسرون على الأيام السابقة حينما كانت الكويت تنعم بالانفتاح الفكري والنهج الديمقراطي، وبصراحة ساهم التعسف في تقديم صورة مغايرة عن الكويت».

وفي حديثه عن معارض الكتب في دول الخليج يؤكد الديين أن الرقابة في هذه الدول أكثر تسامحاً، وبدأت في الأعوام الاخيرة بالتساهل مع دور النشر والسماح بعرض منتجاتها الثقافية والفكرية ضمن هذه الفعالية الثقافية التي تقام سنوياً.

واتساقاً مع هذه المعطيات والأسباب يدعو الديين المثقفين ومؤسسات المجتمع المدني في الكويت إلى اتخاذ موقف واضح تجاه هذا التشدد غير المبرر، معلنين رفضهم التشدد الرقابي مؤكدين حقهم في الحصول على المعلومات التي يرغبون في الوصول إليها، لاسيما أن قرارات المنع والتشدد الرقابي لا تنسجم مع روح العصر.

ويضيف:» الديمقراطية اليوم ليست الديمقراطية السياسية، بل حرية تداول المعلومات وحق الإطلاع على النتاج الفكري والثقافي وأعتقد أن من غير هذه الأمور لا يتوافر الأساس الديمقراطي».

المعرض فقد رونقه

وجدد رئيس جمعية الخريجين سعود العنزي رفض الجمعية القاطع لمبدأ الرقابة على الأعمال الفكرية والأدبية وبخاصة ما استمرت في تكراره وزارة الإعلام سنوياً من منع للكتب في معرض الكويت الدولي للكتاب.

وقال العنزي إن "المعرض فقد رونقه ولم يعد يثير اهتمام المثقفين ومحبي القراءة بعد أن حولته وزارة الإعلام بسبب رقابتها المتعسفة الى معرض لكتب الشعوذة والطبخ لا أكثر، كما تفوقت معارض الكتب في جميع دول الجوار على معرض الكويت بعد أن كانت الكويت تمثل شعلة للتنوير في المنطقة".

واضاف أن "هذه الهجمات المتتالية على مصادر الثقافة والمعرفة والاطلاع، إنما تمثل انصياع الحكومة ممثلة بوزارة الإعلام لضغط قوى الغلو والتشدد التي ترفض كل جديد وتعتمد سياسة المنع التي اصبحت هي الأساس والإباحة هي الاستثناء".

وأكد العنزي أن "الجمعية تكرر رفضها لوصاية أية فئة أو جهة حكومية على ما يقرأه الناس، فهذا شأن يخص الأفراد ولا مبرر لتدخل مؤسسات الدولة فيه، أما ما يدعيه البعض من كون هذا المنع من أجل المحافظة على النشء إنما يلغي دور الأسرة التي يفترض أن تكون هي الرقيب والمربي لأبنائها وليس متشددي المجتمع ومؤسسات الحكومة".

وختم العنزي قائلاً إن "من يستمر في عقلية المنع والرقابة في هذا الزمن إنما يصر على استخدام آليات لم يعد لها تأثير على الإطلاق، فالكتب والمواد الثقافية والفنية والفكرية متاحة على الإنترنت بشكل متزايد ويسير".

تجاهل نواب الأمة

وفي السياق نفسه، يؤكد الدكتور سليمان الشطي أن مشكلة التشدد الرقابي لا تقع على عاتق المثقفين بل على نواب مجلس الأمة الذين انشغلوا في استجوابات وزراء وسجالات في ما بينهم ضمن محاور لقضايا «تافهة» وأخرى هامشية، مستغرباً تجاهل بعض ممثلي الأمة للقضايا الثقافية الحيوية.

ويأسف الشطي للوضع الحالي وما آلت إليه الأمور من تدهور ثقافي في الكويت، قائلاً:» نريد كويتنا التي نعرفها نريد كويت عبدالعزيز الرشيد وأحمد العدواني وفهد العسكر وعبدالعزيز حسين».

ويضيف: «قضية المنع مستمرة، ومشاكلنا مع الرقابة قد فاقت الحد، وما يؤسف له الفرد أن ثمة عناوين تمنع حالياً بينما كانت تتداول في السابق، أعتقد هذا هو التقهقر والتراجع إلى الخلف».

ويتابع:» أنا ضد فكرة الرقابة في هذا العصر أو أي زمن آخر، لأن القاري ليس رضيعاً أو غراً، وإن كانت الرقابة وضعت لحماية المجتمعات من الفساد والتنشئة الاجتماعية القويمة، فللأسف الفساد بأشكاله المتعددة موجود في الفضائيات والشبكة العنكبوتية، لذا ينبغي على الجهات المسؤولة العمل على تحصين النفوس قبل اتخاذ قرارات تعسفية».

ويؤكد الشطي أن العتب لا يوجه إلى المسؤولين عن قرارات المنع بل يوجه إلى نواب مجلس الأمة الذين يستجوبون أحد الوزراء لماذا لم يتم منع كذا، كما يتصدى نواب آخرون للدفاع عن قضايا أقل أهمية، متسائلاً: لماذا لا يكون الوزير الفلاني في مرمى المستجوبين بسبب فقدان حق الإطلاع على الفكر أو قراءة كتاب.