«عائلة ميكي» فيلم جيد بقدر ما هو جاد، مهم بقدر ما هو حزين.

ظلمه ربما اسمه فبدا كأنه أحد الأفلام الخفيفة العابرة غير المهمة، وظلمه ثانياً أنه عرض في أول أيام عيد الفطر السعيد، ضمن إطار ما يعرف عادة «بأفلام العيد» في مصر، وهي أقل الأفلام شأناً وتندرج ضمن الأفلام الاستهلاكية، ظلمه ثالثاً أنه لأكرم فريد، المعروف بأنه أحد مخرجي الأفلام التجارية («حاحا وتفاحة»، «أيظن»...)، لكنه قد يكرر في «عائلة ميكي» ظاهرة المخرج سامح عبد العزيز، الذي تحوّل من الأفلام التجارية السطحية إلى أعمال فنية متميزة في السينما («كباريه»، «الفرح») وفي التلفزيون («الحارة»)... أي أنهما من بين المخرجين الذين يثبتون أن بعض الفنون لا يبرز الموهبة إلا بعد حين قد يقصر أو يطول، في ظل الظروف المعقدة التي يعانيها المجتمع والفن على السواء.

Ad

حاول البعض أن يقارن بين فيلمي «عائلة ميكي» و{عائلة زيزي» (1963) إخراج فطين عبد الوهاب، ربما بسبب تشابه العنوانين أو لأن الأحداث فيهما تدور داخل أسرة مصرية تؤدي فيها الأم (لبلبة في الفيلم الجديد وعقيلة راتب في الفيلم السابق) دوراً رئيساً في رعاية الأسرة وتنشئة الأبناء.

«عائلة ميكي» دراما اجتماعية تغلب فيها روح الحزن والشجن على روح السخرية من البداية إلى النهاية، بينما يندرج «عائلة زيزي» ضمن أفلام الكوميديا الاجتماعية الطريفة الجذابة ويخلو من مسحة الحزن التي نراها ونشعر بها واضحة ومؤثرة في الفيلم الجديد.

كاتب «عائلة ميكي» هو السيناريست الشاب الموهوب والمتميز عمر جمال، الذي سبق أن كتب سيناريو فيلم «أوقات فراغ» إخراج محمد مصطفى وإنتاج حسين القلا. عبّر جمال في فيلمه الأول عن المشاكل التي يعانيها الشباب بلغة ومفردات وحوار تخصّهم، كذلك جاء الفيلم الثاني.

تتقدم أسرة الموظفة مريم (لبلبة) وزوجها اللواء نصر الدين (أحمد فؤاد سليم) إلى مسابقة «الأسرة المثالية» (كان يفترض أن يكون هذا الإسم عنوان الفيلم)، تدور الأحداث في يوم واحد تكتشف فيه الأم حقيقة أنها وزوجها عاشا في وهم أنهما أسسا أسرة مثالية، فيما في الحقيقة يسيطر الكذب على تصرفات أبنائهما الخمسة، أكبرهم ضابط الشرطة، متخرّج حديثاً، يتمنى لو تتاح له فرصة عمل أخرى لأنه يتلمس يوماً بعد يوم أن عمله هذا بعيد عن طبيعته، ثم يصطحب صديقته إلى المنزل في غياب العائة ما عدا جدته الضريرة (رجاء حسين)، كذلك تفعل شقيقته المراهقة والتلميذة في الصفوف الثانوية التي تتعرف إلى شاب عن طريق «التشات» وتستقبله في منزلها أثناء غياب الجميع إلا الجدة التي تشعر بأن ثمة حركة أو أنفاساً في البيت، فيفسد ذلك على الأبناء أمرهم، فضلاً عن اكتشاف الأم أن ابنها الآخر متغيب عن جامعته ويدّعي بلوغه السنة الدراسية الرابعة والأخيرة في الكلية بينما هو في الحقيقة في السنة الثانية، والولد الذي يصغره يتعاون مع البلطجية، إلى جانب الطفل مختار (يدللونه «ميكي») الذي يجد سعادته في إيذاء الناس بإلقاء البيض عليهم وعلى واجهة سياراتهم من شرفة المنزل... وغيرها من سلوكيات تطبع تصرفات الأبناء الخمسة وتعبر عن فشل في التربية والتعليم، سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة أوالمجتمع.

يُبرز الفيلم عبر السيناريو الواضح والإخراج الجيد أن الكذب والخداع لا يقتصران على الأبناء، وأن الأخطاء ووضع الأقنعة لإخفاء الطبائع والحقائق يشملان الجميع: الجارة التي لا تكفّ عن النميمة، ضابط الشرطة القديم الذي لا يتوقف عن العنف، الشباب اللاهي في المقاهي، رفاق الابنة التافهين... إنه مجتمع فارغ من الجدية والروح والاستقامة، وتسوده سمة الكذب والخداع بلا حدود.

يصل الفيلم إلى طامته الكبرى مع موافقة الأبوين على طلب أصحاب المسابقة لهما برشوة لجنة التحكيم، ما يجعل هذه الأسرة مثالية زيفاً وإدعاء ورشوة أيضاً.

بعد الفوز بالمسابقة واللقب، يوجه سؤال إلى الأم في لقاء تلفزيوني عن مدى رضاها عن أولادها فترفض الإجابة إنما تؤكد في النهاية أنهم الأبناء على أي حال وعليها مواصلة المسار مع الأب الذي كان حنوناً، لكنه غرق في عمله. وتعترف: «لكن الشجن كبير».

تعاونت العناصر الفنية المختلفة: تصوير رؤوف عبد العزيز، مونتاج مها رشدي، ديكور كمال مجدي، موسيقى عمرو إسماعيل، تحت إدارة المخرج في تحقيق هذا الفيلم الجيد والجاد، المهم والمؤثر.

أدت لبلبة دوراً يُضاف إلى أدوارها المهمة والجميلة منذ «ليلة ساخنة»، ومعها كوكبة الممثلين والوجوه الجديدة التي أجادت أدوارها سواء في تجسيد شخصيات الأبناء الخمسة أو أصدقائهم.