إذا فازت الأحزاب العلمانية، ثم نجحت في التحالف في ما بينها لإبعاد خطر الإسلاميين، فقد تستفيد مصر من مجتمعٍ أفضل يتمتع بهامش أكبر من الحريات، وقد يسعى الشرق الأوسط عموماً إلى تعزيز السلام الدائم وإقامة توازن مستمر بين العلمانية والنزعة الإسلامية.

انتهت أيام نظام حسني مبارك، فقد أدت حركة الحشود البشرية التي اكتسحت شوارع القاهرة والإسكندرية والسويس إلى تجريده من شرعيته نهائياً.

Ad

يكمن السؤال الأساسي الآن في ما إذا كانت مصر ستتبع السيناريو الإيراني المتمثل باستئثار الإسلاميين بالسلطة- أي «الإخوان المسلمين» في مصر- فوراً أم بعد ممارسة قمع تدريجي يطول خصومهم العلمانيين، أو وصول جماعة علمانية يدعمها الجيش، بمساعدة الأميركيين، إلى السلطة عند رحيل الرئيس المُسنّ.

أعلن الأميركيون خيارهم المفضل ومسارهم حين لاموا النظام على استعمال العنف، حتى لو بأشكال خفيفة، ضد المحتجين، ثم أعلنوا تعليق المساعدات العسكرية التي تصل قيمتها إلى 1.5 مليار دولار سنوياً. كانت الرسالة الموجهة إلى الجيش المصري واضحة جداً: تخلوا عن مبارك! (صدر هذا الموقف بعد ثلاثة أيام من إعلان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأن نظام مبارك «مستقرّ». لم يكن الوفاء تجاه حليف قديم منذ ثلاثين عاماً ممكناً في هذه المسألة).

ارتكزت هذه المقاربة الأميركية على نشوء مفهوم مفاجئ مفاده أن النظام القديم وصل إلى نهايته وعلى رغبة في كبح الإخوان المسلمين الذين انضموا إلى الثورة الشعبية يوم الجمعة. سيحدد الجيش على الأرجح توجه مصر خلال الأشهر المقبلة.

غير أن القرار الحاسم بشأن مستقبل البلاد سيتحدد على الأرجح خلال فترة زمنية تتراوح بين أربعة أو ستة أو ثمانية أشهر، حين سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع. ستساهم أي حكومة انتقالية يدعمها الجيش- سواء تألفت من مختلف الفئات وأخذت صورة حكومة الوحدة الوطنية وضمّت الأحزاب العلمانية والإسلامية، أو اتخذت شكل حكومة علمانية محدودة الفئات- في تمهيد الطريق لإجراء تلك الانتخابات التي ستشكّل أول تجربة ديمقراطية تشهدها البلاد.

وسيتحدد مصير مصر، وربما الشرق الأوسط كاملاً، من خلال تلك الانتخابات.

إذا فاز «الإخوان المسلمون»، أكبر أحزاب البلاد وأكثرها تنظيماً- كما فازت حركة «حماس» المشابهة للإخوان خلال الانتخابات الفلسطينية العامة، سنة 2006- فستشهد مصر والمعالم الجيوسياسية في الشرق الأوسط ثورة شاملة وتغييرات جذرية قد تؤدي إلى تسريع اندلاع حرب كبرى. في هذه الحالة، ستسقط المنطقة سريعاً في قبضة التحالف الإيراني المصري وستصبح معاهدة السلام التي عُقدت بين مصر وإسرائيل عام 1979 في مهب الريح.

أما إذا فازت الأحزاب العلمانية، ثم نجحت في التحالف في ما بينها لإبعاد خطر الإسلاميين، فقد تستفيد مصر من مجتمعٍ أفضل يتمتع بهامش أكبر من الحريات، وقد يسعى الشرق الأوسط عموماً إلى تعزيز السلام الدائم وإقامة توازن مستمر بين العلمانية والنزعة الإسلامية. قد تكون هذه الانتخابات الأهم على الإطلاق في الشرق الأوسط كلّه منذ حقبة السبعينيات.