بعد مقتل أيبك ثم شجرة الدر، انتقل عرش مصر عام 1257 إلى علي بن أيبك ولقب بالملك المنصور، وكان طفلاً يجهل أمور الحكم، فتولى الأمير المملوكي قطز، نائب السلطنة في عهد والده، إدارة أمور البلاد وكان نجمه لمع بعدما قتل أقطاي بأوامر من أستاذه أيبك ثم شجرة الدر انتقاماً لمقتل أيبك.

Ad

يفيد بعض المصادر أن قطز هو ابن أخت السلطان جلال الدين الخوارزمي، اسمه الحقيقي محمود بن ممدود، أسره المغول وأطلقوا عليه اسم «قطز» ومعناه في لغتهم «الكلب»، ثم باعوه في أسواق الرقيق ووصل إلى دمشق فأصبح من رق ابن الزعيم ثم بيع في مصر وصار من مماليك أيبك التركماني وظلّ لصيقاً به حتى أصبح نائبه.

بينما كان هولاكو يجتاح بلاد الخلافة في العراق وسورية، كان نجم قطز يزداد سطوعاً، ولما اجتاحت جيوش المغول مدن سورية أيقن أنهم قادمون إلى مصر، فقرر التخلص من المنصور باعتبار أنه لم يكن حاكماً فعلياً، وتنصيب نفسه سلطاناً على مصر، لهذه الغاية قبض على المنصور وأخيه وأمهما وأودعهم في سجن القلعة وأعلن نفسه سلطاناً على مصر بشكل رسمي يوم السبت 14 من ذي القعدة سنة 657 هـ (الموافق أول نوفمبر سنة 1259) وأصبح لقبه الملك المظفر سيف الدين قطز.

رعب وهلع

كان لسقوط بغداد وخرابها وقع الصاعقة على العالم الإسلامي، وتمكن الرعب والفزع من قلوب المسلمين، فهرع الحكام ومن بيدهم مقاليد الأمور إلى هولاكو، ليس لتقديم فروض الولاء والطاعة وإعلان خضوعهم فحسب، إنما لتهنئته بالنصر على حاضرة الخلافة، وأقدم بعضهم على تصرفات مشينة وسمت سيرتهم بالخزي والعار.

بعد ذلك، أرسل هولاكو جيوشه لاجتياح بلاد الشام ومصر، وكانت إمارة ميافارين أول منطقة في سورية وصلها جيش المغول، فاستمات أهلها في الدفاع عنها وحاصرها المغول قرابة العام، نفذ خلاله الطعام في المدينة وانهارت مقاومتها فسقطت في أيدي المغول، ولما دخلوها وجدوا أهلها موتى، وقد تراكمت جثثهم بعضها فوق بعض، ماعدا سبعين شخصاً نصف أحياء.

من ثم استولى هولاكو على الإمارات الإسلامية من كردستان حتى الجزيرة وعلى نصيبين واستسلمت له الرها من دون مقاومة، ثم وصلت القوات المغولية إلى حلب، وبعد قتال عنيف استمر أسبوعاً سقط فيه 50 ألفا من المدافعين عن المدينة، تمّكن المغول من دخولها فسلبوها وذبحوا سكانها، بعد ذلك سقطت حماة وحم والمعرة، وسارع أمراء كثر إلى تقديم فروض الطاعة لهولاكو قبل الوصول إليهم، وخرج الآلاف من المسلمين في طوابير هجرة نحو مصر وبلاد الجزيرة، فراراً من وحشية المغول.

لما علم أهل دمشق بما حدث، أيقنوا أن الكارثة واقعة بهم لا محالة، فأرسلوا وفداً من أعيان المدينة لملاقاة هولاكو ومعهم الهدايا وسلموه مفاتيح المدينة وأعلنوا خضوعهم له.

بعد دخولهم دمشق، فتح المغول باقي مدن سورية ثم أكملوا زحفهم نحو فلسطين، فاستولوا على نابلس والسامرة وغيرهما من المدن، ثم تقدموا غرباً حتى غزة من دون مقاومة تُذكر، وبدا واضحاً للجميع أن زحف المغول لا نهاية له، فوقف ما تبقى من العالم الإسلامي ينتظر دوره، وكان الأمير بيبرس البندقداري من أبرز المماليك الذين عادوا من الشام بعد اجتياح التتار لها وأعلن خضوعه للسلطان المظفر سيف الدين قطز.

مفاجأة مأساويّة

في خضم حروبه للسيطرة على ما تبقى من العالم الإسلامي، تبلّغ هولاكو نبأ موت شقيقه منكو خان في الصين وصراع شقيقيه قوبلاي وأريقو بوق على منصب الخاقان الأكبر، فقرر العودة فوراً إلى قراقورم، وقبيل مغادرته الشام أسند قيادة الجيش إلى كاتوبغا وأرسل رسولاً برفقته 40 مغولياً إلى السلطان سيف الدين قطز في مصر وحمّلهم رسالة إليه، جاء فيها:

«باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء... يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه... يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته في الديار المصرية وما حولها من أعمال، أننا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلطنا على من حلّ به غضبه فلكم بجميع البلاد معتبر وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا إلينا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكى، وقد سمعتم أننا فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا بالطلب، فأي أرض تأويكم وأي طريق تنجيكم وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا من خلاص ولا من مهابتنا من خلاص، فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال. الحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتالنا لا تنفع ودعاؤكم علينا لا يسمع، لأنكم أكلتم الحرام ولا تعفون عند كلام وخنتم العهود والإيمان وتفشّى فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان.

من طلب حربنا ندم ومن قصد أمامنا سلم، فإن أنتم لأمرنا أطعتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا أنفسكم بأيديكم، فقد أعذر من أنذر، وقد ثبت عندكم أننا نحن الكفرة وقد ثبت عندنا أنكم أنتم الفجرة، وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدّرة والأحكام المدبّرة، فكثيركم عندنا قليل وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب وأسرعوا بردّ الجواب قبل أن تضرم الحرب نارها وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منها جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم... والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى».

عندما استلم السلطان قطز رسالة هولاكو استدعى الأمراء وقادة الجيش وأعيان البلد وقرأها عليهم ، ثم عقّب عليها قائلاً:

«توجه هولاكو خان من توران إلى إيران بجيش جرار ولم يكن لأي مخلوق من الخلفاء والسلاطين والملوك طاقة على مقاومته واستولى على جميع البلاد، ثم جاء إلى دمشق ولو لم يبلغه نعي شقيقه لألحق مصر بالبلاد الأخرى، مع هذا ترك في هذه النواحي كاتبغا الذي هو كالأسد الهصور والتنين القوي في الكمين، وإذا قصد مصر فلن يكون لأحد قدرة على مقاومته، فيجب تدبر الأمر قبل فوات الفرصة».

قال الأمير ناصر الدين قميري:

«فضلا عن أنه حفيد جنكيز خان وابن تولوي وأخو مونكو خان، فإن شهرة هولاكو خان وهيبته في غنى عن الشرح والبيان، البلاد الممتدة من الصين إلى باب مصر كلها في قبضته الآن، فلو ذهبنا إليه لطلب الأمان فليس في ذلك عيب وعار، بل خداع النفس واستقبال الموت هما بعيدان عن حكم العقل، إنه ليس بالإنسان الذي نطمئن إليه، لا يتورع عن اجتزاز الرؤوس ولا يعني بعهده وميثاقه، قتل خورشاه والخليفة وحسام الدين عكا وصاحب أربيل، بعدما أعطاهم العهد والميثاق، فإذا سرنا إليه فسيكون مصيرنا هذا السبيل».

قال قطز:

«والحالة هذه فإن كل بلاد ديار بكر وربيعة والشام، ممتلئة بالمناحات والفجائع، وأضحت البلاد من بغداد حتى الروم خراباً يباباً، وقضى على من فيها من حرث ونسل، فخلت الأرواح والأبقار والبذور، فلو أننا تقدمنا وقاومناهم، فسوف تخرب مصر خراباً تاماً كغيرها من البلاد، ينبغي أن نختار مع هذه الجماعة، التي تريد بلادنا، واحداً من ثلاثة: الصلح أو القتال أو الجلاء عن الوطن، فأما الجلاء عن الوطن فأمر متعذر، لأنه لا يمكن أن نجد لنا مفراً إلا المغرب، وبيننا وبينه مسافات بعيدة».

وقال سائر الأمراء والقادة: «ليس لنا طاقة ولا قدرة على مقاومتهم، فمر بما يقتضيه رأيك».

فحسم قطز القضية وقال: «إن الرأي عندي أن نتوجه جميعاً إلى القتال، فإذا ظفرنا فهو المراد، وإلا فلن نكون ملومين أمام الشعب».

ثم أخذ السلطان قطز بيد بيبرس وانفرد به وسأله رأيه، فقال له بيبرس: «أرى أن نقتل رسل التتار ونقصد كاتبغا متحدين، فإذا انتصرنا أو هزمنا فسنكون في كلتا الحالتين معذورين».

الجهاد ضد المغول

أمر قطز بقتل رسل هولاكو وتعليق رؤوسهم على أبواب القاهرة ووسط أسواقها ونادى في أنحاء مصر بالخروج للجهاد في سبيل الله، ونصرة دين الإسلام، وراح يجمع المال والسلاح، فهو مرغم على خوض حرب مع عدو رهيب لا سابق للبشر بمثله في وحشيته وهمجيته، والحرب ضده أشبه بمغامرة، والجيش الذي سيواجه به المغول استبدّ به الخوف وسيطرت عليه الرهبة من هول الفظائع التي سمعها عن هؤلاء ووحشيتهم وسفكهم للدماء وتخريبهم للديار، فضعفت روحه المعنوية وخانته الجرأة على الوقوف في مهبّ هذا الإعصار المهلك.

يقول المقريزي:

«فلما كان يوم الاثنين 15 شعبان سنة 658هـ (26 يوليو 1260)، خرج الملك المظفر بجميع عسكر مصر ومن انضم إليه من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم، من قلعة الجبل يريد الصالحية».

تقدم الملك المظفر لسائر الولاة بإزعاج الأجناد في الخروج للسفر، ومن وجد منهم قد اختفى يضرب بالمقارع، وسار حتى نزل في الصالحية وتكامل عنده العسكر، فطلب الأمراء وتكلم معهم في الرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا عن الرحيل، فقال لهم: «يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال وأنتم للغزاة كارهون وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين»، فتكلم الأمراء الذين تخيرهم وحلفهم في موافقته على المسير، فلم يسع البقية إلا الموافقة، وانفضّ الجميع.

فلما كان الليل، ركب السلطان وحرك كوساته، وقال: «أنا ألقى التتار وحدي بنفسي، فلما رأى الأمراء مسير السلطان ساروا على كره وأمر الملك قطز الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري التقدم في عسكر ليعرف أخبار التتر، فسار بيبرس إلى غزة وبها جموع التتر، فرحلوا عند نزوله وملك هو غزة».

لما علم كاتبغا بهزيمة طليعة الجيش المغولي في غزة، انفجر كالبركان الثائر وزحف على رأس جيشه لملاقاة المصريين وكان الغرور يغمره، فهو قائد مغولي وباتت كلمة المغول وحدها تثير الرعب لدى البشر في سائر أنحاء الأرض آنذاك، وهذا ما اعتمد عليه كاتبغا لانتزاع النصر، لأن جيشه لم يكن يتجاوز 20 ألف فارس وجندي وفي أقصى التقديرات لا يزيد على 30 ألفاً.

في الوقت نفسه كان السلطان قطز على رأس جيش كبير يضمّ المصريين والمماليك ومن تطوع من أهل الشام لحق بقائده بيبرس، تحرّك الجيش الإسلامي من غزة باتجاه الشمال محاذياً ساحل البحر المتوسط، فمرّ بيافا وقيسارية إلى جبل الكرمل جنوب حيفا لملاقاة المغول، وتقابل الجيشان عند قرية عين جالوت بين نابلس وبيسان.

مقتل كاتبغا

انهمك قطز وقادته في وضع خطة حربية، واضعين في اعتبارهم طريقة المغول في القتال، من الحركة السريعة والضربات الخاطفة، وهي أساليب نجح فيها المغول وحققوا انتصاراتهم ويعجز الجيش الإسلامي عن مجاراتها وكان أملهم في النصر ضعيفاً.

رتّب قطز جيشه بحيث تبدو خطته كما لو كانت الخطة نفسها التي ألف المغول التعامل معها وخبروا نواحي ضعفها وقوتها، لمزيد من التمويه والخداع زودها قطز بفرق من الفرسان، بينما وضع الفرسان - وهم قوة الجيش الرئيسية - في كمين أعد إعداداً جيداً وأسند القيادة إلى الأمير بيبرس.

هدفت خطة قطز إلى جر فرسان المغول للاصطدام المباشر بصفوف المشاة المتراصة والثابتة في مواقعها القتالية وإجبارهم على قتال متلاحم وقريب، بذلك يخفف من حركتهم الشديدة ويجرّدهم من عنصري الخفة والسرعة، بمجرد أن تنتشر الفوضى في صفوفهم يفسح المشاة في المجال لفرسان المماليك في الخلف للاندفاع بقوة نحو الصفوف المرتبكة والقضاء عليها بسرعة.

أما إذا فطن المغول للخدعة وشعروا بعجزهم عن الحركة وأرادوا تغيير خطتهم الحربية، أو إذا اشتدّ ضغطهم بحيث يمكنهم استعادة ما فقدوه، هنا يلجأ الجيش المصري إلى حيلة المغول التقليدية، التي طالما خدعوا بها الناس وأنزلوا بهم الهزائم المميتة، وهي التظاهر بالتقهقر والفرار وإيهامهم بهزيمتهم وترك ثغرة في الجيش تخفف على المشاة من جهة وعلى فرسان المغول من جهة أخرى، ليندفع خلالها فرسان المغول اندفاعهم العاتي، وبعد أن يمعنوا في مطاردة الفارين حتى الكمين المعدّ مسبقاً، يطبق عليهم الفرسان من ثلاث جهات ويلتحم معهم في قتال متشابك.

في صباح الجمعة، 25 من رمضان سنة 658هـ (الموافق 3 سبتمبر 1260)، بدأت المعركة بهجوم عنيف من المغول، فتراجعت ميسرة الجيش الإسلامي، وإذا بنداء يدوي في ساحة المعركة «وا إسلاماه.. وا إسلاماه»، فاتجهت الأنظار إلى مصدر الصوت، فإذا بالسلطان قطز نفسه هو الذي يصيح في قلب المعركة، فألهب هذا النداء حماسة الجند وعادت ميسرة الجيش إلى مكانها، وحمل الجيش الإسلامي حملة صادقة على المغول حتى أنزل بهم هزيمة ساحقة ماحقة ومزقهم شر تمزيق، واعتصمت طائفة منهم في التلة المجاورة لمكان الموقعة، فأحدق بهم جنود المسلمين وحملوا عليهم حتى قتلوا معظمهم وفر الباقون لا يلوون على شيء، وقتل الأهالي كل من وقع في أيديهم من المغول الفارين.

على رغم فرار جنوده، ظلّ كاتبغا نوين، قائد الجيش المغولي وصديق هولاكو وصهره، يقاوم ويقاتل ألف رجل إلى أن كبا به جواده وسقط أرضاً وفقد سيفه، فاجتمع عليه الجند وكبلوه وأخذوه أسيراً إلى السلطان قطز، فقال له السلطان:

«أيها الرجل الناكث العهد، ها أنت، بعدما سفكت دماء بريئة وقضيت على الأبطال والعظماء بالوعود الكاذبة وهدمت البيوت، وقعت أخيرا في الشرك».

فرد عليه كاتبغا قائلاً:

«أيها الرجل الفخور المغترّ، لا تتباهى كثيراً بيوم النصر هذا، فأنا إذا قتلت على يدك، فإني أعلم أن ذلك من الله لا منك، فلا تنخدع بهذه المصادفة العاجلة ولا بهذا الغرور العابر، فإنه حين يبلغ حضرة هولاكو نبأ وفاتي، سوف يغلي بحر غضبه وستطأ سنابك خيل المغول من أذربيجان حتى ديار مصر وستحمل رمال مصر في مخالي خيولهم إلى هناك، إن لهولاكو 300 ألف فارس مثل كاتبغا، فافرض أنه نقص واحد منهم».

فعقب السلطان على كلامه قائلاً:

«إنكم تزاولون أعمالكم بالمكر والخداع لا بالرجولة والشهامة».

ولما انتهى هذا الحوار القصير بين المنتصر والمهزوم، أمر السلطان بقتل كاتبغا، ففصلوا رأسه عن جسده ثم أرسل فرقاً من فرسانه لمطاردة فلول المغول من الشام وحتى شاطئ الفرات، واستمرت تلك المطاردات فترة قصيرة من الزمن، حتى تطهّرت منهم أراضي الشام وفلسطين.

أفول المغول

بلغ هولاكو خبر مقتل صديقه وقائد جيشه كاتبغا وعلم بالمذبحة التي فني فيها معظم جيشه، ونقل إليه حرفياً نص حديثه مع قطز وهو مكبّل اليدين، فأسف أسفاً شديداً واشتعلت نيران غضبه وشرع في إعداد حملة جديدة إلى الشام ومصر لينتقم لمقتل كاتبغا، لكن الخلاف الذي ظهر داخل الأسرة الإمبراطورية جعله يعدل عن هذه الفكرة، وقد اعتبر ذلك من مظاهر الخمود الذي انتاب قوم يأجوج ومأجوج، فلم يمضِ عامان على موقعة عين جالوت حتى تلاشت مهابتهم من القلوب وبدأت روابط الوحدة بينهم تتآكل ودائرة الخلاف تتسع، حتى أصبح من المستحيل أن يلتقوا ثانية على أمر.

خلال تلك الفترة، اعتنق بركاي، ابن جوجي وابن عم هولاكو، الإسلام، وصار يدافع عن المسلمين ويفتخر بانتمائه إليهم، وربط مصيره بمصير المسلمين في منطقتي القوقاز والقبجاق اللتين ملكهما بالفتح واستنكر أفعال المغول، وهو حفيد جنكيز خان قائد خروجهم السابع والمدمر.

بعد وفاة هولاكو باثنتي عشرة سنة، لم يعد للمغول ما يميزهم عن سائر سكان المنطقة، ففي عام 1274، اشتبك آبغا ابن هولاكو في معارك مع جيوش الملك الظاهر بيبرس، أسفرت جميعها عن هزيمته واندحاره.

بعد ذلك بدأت سلسلة من الحروب والنزاعات الطويلة بين المغول، كرّست روح الفرقة والانفصال في ما بينهم وفككت الإمبراطورية الرهيبة، لتتحول في النهاية إلى ممالك ودول مستقلة عن بعضها، اصطبغت بصبغة الشعوب التي حكمتها، واندمجت في محيطها وتشبعت بتقاليدها وعاداتها إلى حدّ الذوبان والتلاشي.