في مدرسة ما، في مكان ما، تدرس مقررات ما، على أيادي مدرسين ما، لكل أفراد الأنظمة العربية الحاكمة. ذات الدرس البائد الفاشل يعاد تطبيقه وتدويره من أيدي هذا النظام إلى أيدي ذاك، ذات المنطق، ذات المنهجية، وذات الفشل. سبحان الله، «حافظين الدرس صم» تجاهل وتساهل، ترضية فتنحية، تهديد فوعيد، ردع فقمع، تخوين... فدماء.

Ad

أنظمة نسخة طبق الأصل، لا تصريح ساذجاً زائد ولا قرار قمعياً ناقص، ما شاء الله، توحيد منهجية يجب توحيد العملة، وتواصل قمعي يغني عن تواصل سكة القطار الموعودة. إنه تطابق يثير الدهشة، تكرار يثير العجب، فمن تونس إلى مصر، من اليمن إلى البحرين، من ليبيا إلى سورية، خطوة أمام خطوة، تطابق بالسنتيمتر، يبدأ الموضوع بالتجاهل التام «لشوية الرعاع» المتظاهرين إلى أن تتزايد أعدادهم، فتتوجه الحكومة إلى «الشعب الحبيب» بالحوار، يرفض الشعب هذه الخطوة التي عادة ما تأتي متأخرة، فيبدأ التهديد والوعيد، وسنضرب بيد من حديد، ولن نسمح لأحد المساس بأمن البلد، ولا تهاون مع «الخارجين عن القانون»، فقط ليهتاج «الخارجين» أكثر محترقين بنيران غضب ظل يتجمر بين طيات رماد الذل والأسى. عندها تبدأ سيمفونية التخوين فمن «الرعاع» إلى «البلطجية»، ومن «المقملين المحششين» إلى «الخونة المتآمرين» ومن «الخارجين عن الدين» إلى «الإرهابيين» ليتحول الشعب كله من أهل بلد إلى دسيسة يجب مكافحتها والقضاء عليها ليدوم النظام المخلص الأصيل.

تتردد أميركا، تتشجع أوروبا، ويشجب الغرب عموماً على استحياء، ثم «يفكر» في تطبيق العقوبات. في هذه الأثناء، يستمر النظام على خطة المنهج الدراسي الذي وضع في القرن الثالث ما قبل الميلاد، فبعد أن يخون الشعب ويطالب بإسقاطه، ينزل الجيوش لتحارب الخونة المتآمرين الإرهابيين، فتطير الرؤوس وتسيل الدماء حافرة أخاديدها في تراب المنطقة وفي ذاكرة التاريخ. تتراقص صحفنا الإقليمية على «الإيقاع»، في البداية عتب محافظ وتأكيد على رغبة بإعادة الاستقرار «بما يضمن سلامة ومصلحة شعب ال... الحبيب»، وعندما يزيد إصرار الشعب، تزيد جرأة الجرائد، وعندما يعلو أنين الشعب تحت وقع قمعية تستحي منها وحشية الرومان القديمة، تتعاطف الجرائد وتتباكى في صدى متخاذل لمواقف الجمعيات الإنسانية العالمية وليدة «الغرب الكافر»، وفي طيات تعاطفها تجد الكلمات البليدة الباهتة المغروسة شوكاً في ضمير الصحافة الحقة، موجودة لتضمن خط رجعة مع النظام القمعي الدموي في حال «انتصر» على الشعب، وأعاد «الأمن» إلى البلد.

ثم هناك نحن، شعوب المنطقة المنكوبة، ما الذي يخدرنا إلى هذا الحد المهين؟ كيف ومتى نمنا في صحونا فلم تعد أخبار الدم تغثينا ومنظر القتلى صغارهم وكبارهم يثقل ضمائرنا؟ لا أدري إن كان توالي الجرائم الصهيونية على مدى المئة سنة الماضية في حق شعب أعزل قد أمات حتى المشاعر الإنسانية الطبيعية فينا وسيّس كل موقف حولنا حتى لم نعد نرى الإنسان، ولم نعد نشعر به، ولم نعد نتعاطف غرائزياً معه، فترانا وقد انقسمنا اليوم حول أبسط المبادئ والمثل، التي تحتمها إنسانيتنا قبل أي شيء آخر، فنجد البعض وقد تعاطف مع حسني مبارك بسبب موقف هو واجب عليه وليس فضلاً، والبعض الآخر قد برر للنظام البحريني بسبب مخاوف لا يمكن أن ترقى إلى القمع والدموية التي شهد عليهما «دوار اللؤلؤة»، وآخرين اليوم يبررون للنظام السوري وحشية ودموية تستحي منها الجوارح والكواسر.

أي بشر نحن... ونحن نبرر قتل الأطفال وتعذيبهم وتشريد العوائل والبطش بالمدنيين، كما يحدث في سورية حالياً، أو الفتك بالأجساد والتمثيل بها ثم منع الطبابة عن الجرحى المكلومين كما حدث في البحرين؟ ما الذي أصابنا حتى باتت الدمعة عزيزة عن طفل مقتول مُلقى على ناصية الشارع حتى نعرف مذهبه؟ أي مرض غارق في النجاسة أصاب نفوسنا حتى أصبح الجريح لا يستحق سوى ضمادة مذهبه، ولا يتحصل على تعاطف إلا من بني طائفته ولا يلقى قلباً رحيماً إلا على مقاس دينه؟ الأخبار تأتي بأطفال سورية يعذبون ويقتلون، ونحن هنا نتصارع على سنّية النظام البحريني وشيعية النظام السوري؟ بئس البشر نحن وإلى بئس المصير.

ألا فليمتلئ فم كل من خرج علينا يبرر للنظام السوري أفعاله بطعم الدم حتى يجرب، فقط يجرب هذا المذاق، ولتنتهي الدنيا كلها عند صرخة طفل تخلع أظفاره ويعذب جسده وقلبه. وإلى جحيم ساعر ترتفع ألسنة لهبه لتحرقه بخلاياه الفاسدة كل من وظف اسم الخالق ليعذب وينكل بمخلوقيه، سحقاً لزمان أنجب بشراً يجد في القتل فضيلة، فلا يعود بشراً، لا يعود بشراً أبداً.