يثير الكاتب والمفكّر الإسلامي جمال البنا زوابع حول مسائل هامشية تغطي أحياناً كثيرة على مشروعين فكريين أطلقهما على مدار عمره المديد، الأول يتمثل في التقريب بين الفكر السياسي الإسلامي والفكر النقابي الحديث، والثاني هو ما أطلق عليه «دعوة الإحياء» التي هي في نظره «ليست هيئة، أو تنظيماً أو جمعية لها كيان إداري ولائحة ونظام أساسي كما هو الشأن في الهيئات والأحزاب والجمعيات، بل هي ببساطة دعوة، أو حركة، أو تيار فكري وصل إلى درجة البلورة والتنظير التي تجعل له كينونة خاصة متميزة تبرّئه من السطحية أو التلفيق أو الانتقائية أو الاتباعية... إنها نهاية عمر وليست بداية فكر، وهي نهاية المطاف وليست بداية المسيرة وهي ثمرة لثقافة موسوعية متعددة الأبعاد وليست نتيجة لتخصص فني أو دراسة أكاديمية في فرع معين من المعرفة الإسلامية، أو حتى فيها كلها». تعود بذرة هذه الفكرة إلى 54 عاماً مضت عندما أفرد جمال البنا في كتابه «ديمقراطية جديدة» (1946) باباً بعنوان «فهم جديد للدين» نادى في من تابعوه وقرأوه: «لا تؤمنوا بالإيمان، ولكن آمنوا بالإنسان» وهي الفكرة التي أخذت صيغتها الأخيرة عبارة دالة تقول: «إن الإسلام أراد الإنسان ولكن الفقهاء أرادوا الإسلام». يرى البنا، وهو الشقيق الأصغر للشيخ حسن البنا مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين»، أن الفكرة الرئيسة في «دعوة الإحياء» هي إعادة الإسلام الى ما كان عليه عندما نزل منذ 14 قرناً ثورة لتحرير الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإرادة تغيير مجتمع يعبد ما كان عليه الآباء والأجداد وإشاعة للقيم النبيلة وتكريم الإنسان. كانت هذه الفكرة هي مدار معالجة البنا طوال خمسين عاماً وعنها صدرت كتاباته الكثيرة، ومع هذا فإنه لم يسمح لنفسه بإعلان دعوة الإحياء الإسلامي إلا بعد أن صدر الجزء الثالث من «نحو فقه جديد» وأصبح على باب التسعين من العمر ووجد أن من واجبه أن يبلور الفكر المنشور في ثلاثين كتاباً، وينسق بينها، وينظّمها في سلك دعوة واحدة، يسلّمها الى جيل جديد كي لا تموت بموت صاحبها. ولما كانت دعوة الإحياء الإسلامي - كما يرى صاحبها - تياراً فكرياً ونظرية في فهم الإسلام، فإنها تصبح ملكاً لكل من يؤمن بها، وهنا يقول: «الأفكار لا تكون موضوعاً لاحتكار وما إن ينشرها صاحبها الأول حتى تصبح ملكاً للجميع. ومع أننا حرصنا قدر الطاقة على الكمال فإن هذا لا يمنع من ظهور من يقدم لهذه الدعوة إضافة تثريها أو يكشف مأخذاً فيها، ودعوة الإحياء تحذر من أن تتحول إلى مؤسسة يكون لها - كما يحدث لكل المؤسسات مصلحة خاصة بها - حتى على حساب فكرتها نفسها، وتأمل أن تظل دعوة حرة أو على أسوأ الأحوال مؤسسة مفتوحة». وفي رأي البنا فإن الدعوات الإسلامية قد ضلت الطريق لأنها نصّبت نفسها للدفاع عن الإسلام وإظهار مزاياه. ولم تحسن القيام بهذه المهمة لأنها عرضت الإسلام السلفي. ولأنها جعلت من نفسها أداة لإذاعة أفكار بعض الفقهاء أو المذاهب مما لا يمثل إضافة إلى الفكر الإسلامي، وقد عنيت بعض هذه الدعوات بطبع كتب التراث، وبيعها بأثمان زهيدة أو على أجزاء ونشرها بين طلبة الجامعة...يؤخّر ولا يقدّميقول البنا إن «هذا في حقيقة الحال لا يخدم الإسلام بل يقدم صورة عقيمة عن الإسلام ويؤخر بدلاً من أن يقدم فهم الإسلام. وهذا الفهم المغلوط هو السبب في ظهور دعوات تقوم على التعصب أو تمارس العنف أو تقتصر على الطقوس والشعائر والوعظ والإرشاد أو تؤمن « بالحاكمية الإلهية « التي ضللت فريقاً من المحدثين، كما ضللت الخوارج من قبل وأدت إلى تضخم «التدين الأخروي» بين معظم فئات المجتمع، خاصة شباب الجامعات والمهنيين ويتبلور هذا التدين في الشعائر وبوجه خاص في الصلاة. فكل جزئية في الصلاة بدءا من الوضوء والتيمم حتى التسليم في نهاية الصلاة هي محل عناية وتدقيق يعاد فيها إلى المراجع أو يسأل فيها الفقهاء، وقل مثل ذلك عن جزئيات الصيام والحج وعذاب القبر والجنة والنار... وتنعكس هذه الحالة الفكرية النفسية على سلوك وتصرفات أصحابها وطريقة عملهم. يقابل هذه الجرعة الزائدة من «التدين الأخروي» إهمال «للتدين الدنيوي} أي الأخلاق والقيم التي يدعو إليها الإسلام لتستقيم الحياة من صدق، أو إنفاق، أو حرية أو سماحة أو عدل أو إعمال للعقل أو بذل للجهد. لأن التدين الأخروي لم يبق شيئاً، أو لم يبق إلا القليل للتدين الدنيوي، وهذه هي بالدرجة الأولى - جريرة الدعوات الإسلامية».يمضى البنا مبرراً دعوة «الإحياء التي أطلقها»: «بعض الدعوات الإسلامية، كالإخوان المسلمين مثلاً حاولت أن تجمع ما بين الدنيا والدين وأن تجعل من الإسلام منهج حياة، ولكن الوقت الأعظم لمنشئها النابغ قد أمضّى في التنظيم أكثر مما أمضى في التنظير وكانت النتيجة أن الإخوان احتفظت بكيانها رغم ما تعرضت له من صدمات تنوء بها الجبال، ولكن الحصيلة في الجانب النظري كانت محدودة ولا تتناسب مع المادة التي سلختها والجمهور الذي جذبته، إذ لم تستطع مجاوزة الإطار السلفي، حتى وإن كانت وسعت في هذا الإطار وأعطته قدراً كبيراً من المرونة، ولكن التجديد الحقيقي يقع وراء هذا الإطار السلفي، وهذا ما لم تستطع - لا هي ولا غيرها من الدعوات الإسلامية - مجاوزته وخوض غماره واكتشاف غياهبه وليس أدل على العجز الفكري للدعوات الإسلامية على الساحة من أنها لم تقدم تنظيراً أو تحليلاً لتحديات العصر ولكيفية تعامل الإسلام فيها، لأنها جميعاً محكومة بالأطر السلفية التي ليس لديها ما تقدّمه حلاً لمشكلات العصر». وحين تسأل البنا: ما لديك من جديد عن هذه الدعوات؟ يجيبك فوراً: «تجاوز الأطر السلفية، والعودة إلى القرآن واعتباره صيحة إنقاذ، ودعوة هداية وإرادة تغيير ورسالة، باختصار تـثوير القرآن وليس تفسير القرآن هي المهمة التي ادخرها الله تعالى لهذه الدعوة وهي وحدها القديرة على إشاعة القيم وإعمال العقل والتنظير لها والتبشير بها لأنها مؤصلة الفكر ومتحررة تماما من الروابط والصلات التي يمكن أن تقيدها أو المصالح أو الضغوط الأخرى وليس أدل على تميزها من أنها تعالج بقوة وصراحة التحديات التي يثيرها المجتمع... من هنا يتضح أن هناك مبرراً قوياً لظهور دعوة الإحياء الإسلامي، لأنها هي التي يمكن أن ترد على التساؤل المهم والمركزي: كيف الخلاص؟». ميثاق الإحياءتتلخّص دعوة الإحياء في نقاط عشر، كما ذكر صاحبها، سواء في البيان المؤسس أو ما جاء في ثنايا كتبه لا سيما «نحو فقه جديد» و{تثوير القرآن» و{تجديد الإسلام» و{روح الإسلام» و{الإسلام دين وأمة وليس دينا ودولة». 1 ـ نؤمن بالله. إنه محور الوجود ورمز الكمال والعقل والغائية. وما ينبثق منها من قيم، ومن دونه يصبح الوجود عبثاً، والكون تحت رحمة الصدفة والشرود، والإنسان حيواناً متطوراً. فالإيمان بالله الذي يكون قوة ملهمة وهو ما يغرس في النفس تصوير القرآن الكريم لله تعالى، أما ما يرد في كتب التوحيد فلا يغنى شيئاً، بل قد يضر.2 ـ الأنبياء هم القادة الحقيقيون للبشرية، ويجب جعلهم المثل في القيادة، وإطراح أحكام الطاغوت من قادة جيوش أو أباطرة أو ملوك... وما وضعوه من سياسات القهر التي لوّثت فكرة الحكم والقيادة وأساءت إلى البشرية.. ونحن نؤمن بأن الإسلام قد قدم الصورة المثلى لله والرسول. على أننا نفهم الصور التي قدمتها الأديان الأخرى، لأن الدين أصلاً واحد، ولكن الشرائع متعدّدة، ونحن نؤمن بالرسل جميعاً، وأن الله تعالى أراد التعدد والتنوع ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ). وأن الفصل في هذا التعدّد هو إلى الله تعالى يوم القيامة.3 ـ نؤمن بأن الدين هو المقوم الأعظم للمجتمع العربي، وأنه يمثل التاريخ والحضارة والضمير، وأن تجاهله يقطع التواصل مع الشعب، ولا ينفي هذه الحقيقة أن تكون الفلسفة والآداب والفنون قد حلت محل الدين في المجتمع الأوروبي فلكل مجتمع طبيعته الخاصة وقدره الذي لا يمكن التمرد عليه أو التنكر له، وفي الوقت نفسه - فإنه لا يحول دون تلاقح الأفكار وتحاور الحضارات، وتقارب الديانات لأن الحكمة ضالة المؤمن.ونؤمن بكرامة الإنسان، والله تعالى هو الذي أضفاها على بني آدم جميعاً، فلا تملك قوة أن تحرمهم منها، وهي الجنس البشري من رجال ونساء، بيض وسود، أغنياء وفقراء... وقد رمز القرآن الى هذه الكرامة بسجود الملائكة لآدم، وتسخير قوى الطبيعة له. يجب أن تكون كرامة الإنسان في أصل النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأن تحرم تحريماً باتاً كل ما يهدر كرامة الإنسان: جسداً ونفساً. ولما كان الإسلام قد جاوز - كماً ونوعاً - الاتفاقيات الدولية عن حقوق الإنسان، فإن أقل ما يجب أن يتم هو التطبيق الفوري لهذه الاتفاقيات.4 ـ لما كان القرآن قد جعل مبرر سجود الملائكة هو تملكه المعرفة التي تميز الإنسان عن بقية الكائنات، والتي تنقذه من الخرافة، فيفترض أن تكون المعرفة هدفاً رئيساً للمسلمين وما يتبع هذا من استخدام العقل، وما يثمره من علم وحكمة. ويجب على كل نظام إسلامي أن يشيع الثقافة والمعرفة، ويفتح النوافذ عليها، ويهيئ كل السبل التي تيسر للجماهير معارف ومهارات العصر، إننا لا نستطيع أن ندخل القرن الواحد والعشرين بأمية أبجدية.5 ـ نؤمن بحرية الفكر، وأنها أساس كل تقدم، وأنه لا يجوز أن يقف في سبيلها شيء، ويكون الرد على ما يخالف ثوابت العقيدة بالكلمة لا بالمصادرة أو الإرهاب أو التكفير وليس ثمة تعارض بين حرية الفكر المطلقة والدين لأن الدين يقوم على إيمان، ولا إيمان من دون اقتناع وإرادة ولا إرادة أو اقتناع إلا في بيئة تسمح بالدراسة الحرة، والإرادة الطوعية والنظر الدقيق، وفي القرآن الكريم قرابة مائة آية تقرر حرية العقيدة بصفة مطلقة وأن مردها إلى الله نفسه مثل [لا إكراه في الدين] [من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها ] [وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر]... ولا توجد الحرية إلا بتقرير حرية إصدار الصحف والمطبوعات وتكوين الأحزاب والهيئات والنقابات وبقية مؤسسات المجتمع، وحرية هذه الهيئات في العمل لتطبيق أهدافها ما دام ذلك يتم بطرق سليمة.ونحن نرفض تماماً دعاوى التكفير والردة، ونكلها إلى الله تعالى يفصل فيها يوم القيامة، كما قرر القرآن ذلك وطبقته ممارسات الرسول، أما ما قد ينشأ من أخطار، فإن الحرية نفسها تفسح في المجال لإصلاحه.6 ـ يجب أن يكون العدل أساس التعامل بين الحكام والمحكومين، الرؤساء والمرؤوسين، الرأسماليين والعمال، الرجال والنساء... لأن كل ما يمت إلى عالم العمل والعلاقات لا يمكن أن يستقر إلا على أساس العدل ولا يجوز إعطاء فئات.. سلطات تمكنها من أن تحيف على حقوق فئات أخرى. إن هذا نوع من الظلم يماثل الكفر، ويجب ألا يسمح به. 7 ـ التحدي العملي الذي يجابه الدول الإسلامية اليوم هو التخلف اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً واجتماعياً، ولا يمكن وقف هذا التخلف إلا بجعل «التنمية» معركة حضارية تتم تحت لواء الإسلام باعتبارها النمط المطلوب من «الجهاد» واستنفار كل أفراد الشعب للمشاركة فيها من وضع الخطة حتى متابعتها وتقييمها. ويجب أن تكون هذه التنمية إنسانية. تبدأ من محطة العدالة الممكن تحقيقها لتصل إلى محطة الكفاية المطلوب تحقيقها، إن الإيمان وحده هو الذي يولد الطاقة المجانية اللازمة ويوظفها لدفع التنمية وتجاوز المعوقات من دون حاجة للاستثمارات التي تفسح في المجال للتبعية والسير في مسار وإسار الدول الكبرى وأي محاولة لتنمية تستسلم لادعاءات البنك الدولي أو تقلد النماذج الأوروبية والأميركية لن تسفر إلا عن مزيد من التخلّف والفاقة والتخبط، وبالمثل فإن أي محاولة لتنمية يضعها خبراء أو حكومات من دون أن يكون لها الأساس الإيماني والمشاركة الجماهيرية أو تستهدف مصلحة الأقلية على حساب الجماهير العريضة هي تنمية محكوم عليها بالفشل.8 ـ الصورة النمطية لشخصية المسلم التي تتسم عادة بالسلبية والماضوية والتركيز على الطقوس والشعائر ليست صورة المسلم أيام الرسول، ويعود هذا الاختلاف إلى أن قصر مدة الرسالة النبوية والخلافة الراشدة ( 50سنة) لم تكن كافية لتعميق جذور الشخصية الإسلامية. ثم جاء الملك العضوض، وتدهورت الخلافة وسد باب الاجتهاد لأكثر من ألف عام، وغلبة الجهالة والاستبداد... وتمخض هذا كله عن الصورة المعروفة اليوم والتي تتقبلها وتبقي عليها المؤسسة الدينية والنظم الحاكمة لأسباب تتعلق بالقصور.. أو الإبقاء على المصالح المكتسبة، ونحن نرفض هذه الصورة ونعمل لإحياء إسلامي.9 ـ لا يمكن تحقيق أي إحياء إلا بالعودة رأساً إلى القرآن الكريم، وضبط السنة بضوابطه وعدم التقيد بما وضعه الأسلاف من فنون واجتهادات تأثروا فيها بروح عصرهم وسيادة الجهالة واستبداد الحكام وصعوبات البحث والدرس، وانعكس هذا على تفاسير القرآن وأحكام الفقه وفنون الحديث وأقحم فيها مفاهيم دخيلة ومناقضة لروح الإسلام، لقد كان الإسلام أصلاً دعوة لإنقاذ الناس من الظلمات إلى النور، وإحلال «الكتاب والميزان»، أي المعرفة والعدل محل الجهالة والظلم وإشاعة قيم الخير، والعدل، والحرية، والعلم... التي هي روح الإسلام بينما تكون الطقوس والشعائر جسم الإسلام والاقتصار عليها - دون القيم - هو احتفال بجسم لا روح في. وبالنسبة الى دعوة الإحياء الإسلامي، فليس المهم الآن تفسير القرآن، ولكن تثويره... وهو ما دعا إليه الرسول وطبّقه الصحابة، فإنهم لم يعكفوا على تفسير القرآن وإنما هبوا كإعصار ليقوموا بأكبر حركة تغيير في العالم القديم. 10 ـ ثمة حقيقة تصل إلى مستوى البداءة، وإن أخفتها الغشاوات الكثيفة. تلك هي أن على كل جيل أن يعيش عصره من دون الإخلال بقيم الإسلام العظمى. التطور الاجتماعي للأمم والشعوب هو كنمو الأفراد الجسدي للأفراد لا يمكن أن يقاوم. فضلاً عن أنه علامة صحة وتطبيق لعالمية الإسلام وموضوعيته وصلاحيته لكل زمان ومكان. الإسلام لا يحتكر - وحده - الحكمة، ولكنه ينشدها أنّى وجدها، وهو يتقبل كل الخبرات. كذلك، يقدم خبراته « فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»، من هنا فإن النزعة الماضوية الانعزالية واتخاذ نمط المجتمع الذي كان موجوداً سابقاً باعتباره النمط الأمثل، والضيق بكل مستجدات العصر من فنون وآداب، والنظرة المتخلفة للمرأة وحبسها وراء الأسوار... هذا كله يخالف جوهر الإسلام... وعالميته، وصلاحيته لكل زمان ومكان، ويخالف أيضاً ما أراده الله تعالى عندما قال «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم، إن الله عليم خبير».وليس هناك خوف من أن يذوب الإنسان في الحضارة العصرية، لأن خيطاً وثيقاً يربطه بالله والرسول يبقي له قدراً من القيم يكبح جماحه ويحول دون انفلاته وذوبانه .تعقيب يعقّب جمال البنا على هذه البنود العشرة قائلاً: «ليس في هذا الميثاق ما يتطلب الشرح، لأن لغته سهلة وبراهينه ناطقة وواضحة، وما نريد أن نثبته هنا هو أننا في مفاهيم الميثاق العشرة استلهمنا أولاً القرآن ثم الصحيح الثابت من ممارسات وأقوال الرسول. صحيح أننا لم نتوصل إلى هذا إلا بفضل المفاهيم الأوروبية والثقافة الحضارية الحديثة التي فتحت آفاقاً كنا غافلين عنها وما كان يمكن أن نصل إليها لو ظللنا عاكفين على ثقافة التراث، وبذلك أعدنا استكشاف الإسلام ووجدنا أن كثيراً من القيم التي تدعو إليها الحضارة الحديثة مثل حقوق وكرامة الإنسان وحرية الفكر، وأهمية العلم والعمل في نهضة الشعوب والتعددية والانفتاح... هي مما سبق إليه الإسلام ومما قرره القرآن صراحة وتكراراً».لكن الذين ينتقدون مشروع البنا يرون أن الرجل يعادي التراث لأنه لم يطلع عليه بشكل كافٍ، ويغلب العقل أحياناً على الشرع، ويشطح في بعض الأوقات والمسائل في أمور تثير الجدل، وبينما يرى البنا أن مشروعه ولد ليعيش ويراهن على أن الأجيال المقبلة ستعيد اكتشافه، يرى معارضوه أن مشروعه سيذوب في الهواء قريباً لأنه يفتقد التماسك، ولا يتجاوز كونه جمعاً متفرقاً.
توابل
المجددون والتجديد في الإسلام 7 جمال البنا...تثوير القرآن وإعلاء العقل
31-08-2010