تشتكي قبائل البدو في شمال سيناء من أنها مهمشة ومتروكة لتتخبط في الفقر، في حين أن مصريين من وادي النيل استولوا على أراضٍ اختاروها على ساحل سيناء الجنوبي لأهداف سياحية. نتيجة لذلك، أصبحت هوايتهم القديمة، التهريب، ضرورة ملحة أخيراً، وصارت تعود عليهم بفوائد أكبر، إلا أنها باتت أيضاً أكثر خطورة.لمَ بدو شبه جزيرة سيناء غاضبون؟ تشتهر سيناء بأنها المكان حيث خاطب الله النبي موسى في القِدم وحيث يلهو السياح اليوم في منتجعات فخمة، لكن هذه المنطقة البالغة الأهمية سببت أخيراً مشاكل كثيرة لمصر، علماً أن هذه الأخيرة خاضت ثلاث حروب ضد إسرائيل لتؤكد ملكيتها لهذه الأرض التي شكلت جزءاً منها منذ أيام الفراعنة.لا شك في أن المشاكل الأخيرة لم تكن بفظاعة ما شهدته الأعوام 2004 إلى 2006، حين هزت شواطئ سيناء الجنوبية تفجيرات تتبع أسلوب تنظيم القاعدة أودت بحياة 130 شخصاً. غير أن الحوادث الراهنة شملت احتجاجات مناهضة للحكومة نفذها بدو سيناء الأصليون، تبادل لإطلاق النار مع المهربين، وقتل الشرطة للاجئين، وإطلاق صواريخ من سيناء على دولتي إسرائيل والأردن المجاورتين. وتشير كل هذه الحوادث إلى تزايد المشاكل في سيناء على نحو حاد ومفاجئ.في الثاني من أغسطس، سقطت خمسة صواريخ على الأقل، أُطلقت في الغالب من مكان قريب في صحراء سيناء، على الطرف الشمالي المكتظ من خليج العقبة، حيث يقع مرفآ إيلات الإسرائيلي والعقبة الأردني. لم تسبب أربعة منها خسائر في الأرواح، غير أن الخامس قتل سائقاً خارج فندق أردني وجرح خمسة آخرين. ويُعتبر هذا ثاني اعتداء من النوع نفسه منذ شهر أبريل. ويبدو أن الشرطة المصرية عاجزة عن منع ما يُفترض أنهم مجاهدون متسللون يجرون قاذفات مزودة بصواريخ طول كل منها ثلاثة أمتار إلى منطقة تبعد بضعة كيلومترات فقط عن الحدود المصرية الإسرائيلية، التي يصل طولها إلى 250 كيلومتراً.في الرابع والعشرين من يوليو والتاسع والعشرين منه، قتلت الشرطة المصرية مهاجرين أفارقة غير مسلحين كانوا يحاولون عبور الحدود، كان هؤلاء لاجئين من السودان وإريتريا جاؤوا إلى إسرائيل بحثاً عن عمل أو طلباً للجوء السياسي. وقد أدت سياسة مصر هذه في التعامل مع اللاجئين حتى هذه المرحلة من السنة إلى ما لا يقل عن 21 قتيلاً، بعد أن كانت حصيلة القتلى لعام 2009 كله تسعة عشر شخصاً. وتتحجج مصر بالضغط الذي تتعرض له من إسرائيل لضبط حركة المهاجرين وخطر التصادم مع المهربين المدججين بالسلاح الذين يقودونهم. وبهذه الطريقة تنجح في التخلص من إصرار مجموعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، التي تطالبها باتباع طرق أكثر إنسانية في سعيها لوقف عمليات التهريب.يشير إطلاق الصواريخ وقتل اللاجئين كلاهما إلى مشكلة العلاقات المتوترة على الحدود بين الحكومة المصرية المركزية وبدو سيناء، الذين تزايدت أعدادهم باطراد، نظراً إلى ارتفاع معدلات الولادات منذ عودة شبه الجزيرة إلى مصر في عام 1982، بعد 15 سنة من الاحتلال الإسرائيلي. تشتكي قبائل البدو في شمال سيناء من أنها مهمشة ومتروكة لتتخبط في الفقر، في حين أن مصريين من وادي النيل استولوا على أراض اختاروها على ساحل سيناء الجنوبي لأهداف سياحية. نتيجة لذلك، أصبحت هوايتهم القديمة، التهريب، ضرورة ملحة أخيراً، وصارت تعود عليهم بفوائد أكبر، إلا أنها باتت أيضاً أكثر خطورة. حظي البدو بسوق كبير عبر الأنفاق التي حُفرت بسبب حصار إسرائيل غزة. إلا أن الناس والمخدرات والأسلحة يعبرون كلهم مناطق سيناء الجبلية الوعرة بفضل مهارات البدو في التنقل في سيناء والروابط القوية التي تجمع القبائل المختلفة، فضلاً عن قابلية الشرطة المصرية إلى الارتشاء.اتخذت الشكوك، التي تساور الحكومة المصرية منذ زمن بشأن البدو، منحى قاسياً بعد تفجيرات المنتجعات بين عامي 2004 و2006. فخلال سعي الشرطة لسحق خلية مجاهدة في سيناء يُقال إنها نفذت هذه الاعتداءات، أوقفت نحو 3 آلاف شخص من البدو، حتى ان بعضهم احتُجز فترة طويلة من دون أن تُوجَّه إليه أي تهم، وذلك بفضل قانون الطوارئ المصري القاسي. ولّدت هذه الحملة الأمنية الوحشية مرارة في النفوس، تجلت في وقت سابق من هذه السنة من خلال الإضرابات ومسيرات الاحتجاج وهجمات متفرقة على المنشآت الحكومية.حاول وزير الداخلية المصري بعد فوات الأوان تهدئة النفوس المضطربة. وعقب اجتماع مع زعماء القبائل، حرر نحو 12 بدوياً معتقلاً، كذلك وعدت وزارات أخرى بتأمين المزيد من الوظائف والاستثمارات، أما إسرائيل، فتخطط لإقامة سياج على طول قسم من حدودها، ولربما يأتي يوم تتخلص فيه سيناء من مشاكلها.
مقالات - Oped
في مثلث المتاعب... بدو مصر مستاءون
11-08-2010