لا شك أن بعض المراقبين سيعتبرون إطلاق إيران سراح أميركية ظلت مسجونة طوال أكثر من سنة بتهمة التجسس إشارة إلى تحسن العلاقات الأميركية الإيرانية المتعثرة، لكن هذا الاستنتاج غير حكيم، فقلما تكون المسائل بسيطة عندما ترتبط بجمهورية إيران الإسلامية، وتعكس معمعة الصراع، الذي دار بين أذرع الحكومة الإيرانية المختلفة قبل تحرير سارة شورد يوم الثلاثاء، مقداراً من الفوضى والصراع السياسي داخل النظام قد يعرقل المساعي الدبلوماسية في المستقبل.مازال زميلا شورد، شاين باور وجوش فتال، محتجزين في سجون طهران، ولم تطلق السلطات الإيرانية هذه الأميركية إلا لأسباب إنسانية وبكفالة سُددت إلى أحد المصارف في سلطنة عمان. تذكر التقارير أن شورد مريضة، وتُظهر التجارب السابقة أن الإيرانيين يُطلقون سراح أسراهم عندما تبدأ صحتهم في التدهور، لأن المرض يقلل من الأهمية التي يراها النظام في احتجازهم، لكن المميز في إطلاق سراح شورد الانتقاد الذي وجهه الجهاز القضائي الإيراني إلى الرئيس محمود أحمدي نجاد. كان أحمدي نجاد قد خطط لإطلاق سراح هذه الأسيرة يوم السبت في احتفال في القصر الرئاسي كجزء من جهوده ليُظهر كرمه، قبيل زيارته الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك في وقت لاحق من هذا الشهر. ولكن ما إن انتشر هذا الخبر حتى دعا الجهاز القضائي الإيراني إلى وقف هذه الخطة، مع العلم أن القضاء الإيراني خاضع لسيطرة خصوم أحمدي نجاد المحافظين، الذين يؤيدون المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، إلا أنهم يعارضون أحمدي نجاد، خصوصاً بعدما اغتصب سلطة هيئات أخرى في الحكومة. فقد اعتبر هؤلاء أن إطلاق سراح المساجين الذين ينتظرون المحاكمة مسألة منوطة بالقضاء، وأصروا على كفالة قدرها 500 ألف دولار أميركي، وحرصوا على عدم إقامة حفل يكرم فيه الرئيس نفسه.يوضح غاري سيك، خبير في الشؤون الإيرانية من جامعة كولومبيا ومسؤول سابق في مجلس الأمن القومي: "يُشكّل القضاء واحدة من مؤسسات كثيرة أهانها أحمدي نجاد. بدا هذا الجهاز مستعداً لإطلاق سراح شورد، إلا أنه ما كان ليقبل بأن يُعزى كل الفضل إلى أحمدي نجاد، لذلك أوضح القضاة أن قرار إطلاق سراحها يعود إليهم هم، لا هو. وقد بلغ الصراع الداخلي في طهران مرحلة شرسة اليوم، وبات أكثر علانية من ذي قبل، ولا شك أن هذا أحرج أحمدي نجاد".وعن هذه المسألة تذكر فريدة فرحي، محللة متخصصة في الشؤون الإيرانية من جامعة هاواي: "تمثّل هذه الحالة بكل بساطة تفاعل الهيئات الحكومية المختلفة بطرق متعارضة، كل لأسبابه الخاصة. وتعكس مدى الفوضى في النظام، لا صراعات يمكن تحديدها بسهولة. فيحتاج الجهاز القضائي إلى أن يبدو مستقلاً. فكلما قصد أحمدي نجاد نيويورك وسئل عن هذا المسجون أو ذاك، أجاب ألا دخل له في هذه المسألة لأن القضاء الإيراني مستقل".يخوض أحمدي نجاد والقوى الداعمة له صراعاً مفتوحاً لا مع القضاء فحسب، بل مع مجلس الشورى الإيراني المنتخب ووزارة الخارجية (التي تُعتبر مسؤولة أمام المرشد الأعلى) ومجلس صيانة الدستور (هيئة من رجال الدين المعينين استُحدثت خصوصاً لحلّ الخلافات بين مختلف أجزاء النظام شبه الديمقراطي الثيوقراطي المعقد في إيران)، أيضاً. وتخضع هذه الهيئات لخصوم أحمدي نجاد المحافظين، الذين يدين بعضهم بالولاء للمرشد الأعلى، ويبدو أن الخلافات تتزايد اليوم بين رجال الدين المحافظين وأحمدي نجاد، الذي يعتمد إلى حد كبير على دعم حرس الثورة. كذلك كثرت الإشارات إلى صراع مفتوح بين الرئيس والمرشد الأعلى، مع أن هذا الأخير دعم أحمدي نجاد خلال الفوضى التي عمت السنة الماضية عقب الانتخابات المتنازع عليها، عندما شكك المصلحون وخصومه المحافظون بشرعية إعادة انتخابه كرئيس.على الرغم من حدة الصراع، لا تُعتبر هذه المعارك بين المؤسسات المختلفة معارك واضحة بين صقور وحمائم، بل تدور جميعها حول السلطة وامتيازاتها في نظام يضع السلطة التنفيذية النهائية بين يدي رجل دين منتخب، غير أنه يطرح مقداراً معيناً من الفصل بين السلطات مع المؤسسات المنتخبة. ففي حين ينتقد المصلحون أحمدي نجاد لأنه قوّض الديمقراطية، يهاجمه رجال الدين لأنه حاول اغتصاب سلطتهم وانتهاك مبادئ الوصاية الدينية على شؤون الدولة، هذه المبادئ التي تشكّل قلب النظام الإيراني.في هذا الصدد، يذكر سيك: "تتمحور هذه الصراعات حول السؤال: مَن المسؤول؟ يؤكد أحمدي نجاد استقلالية صلاحيات الرئاسة بطريقة لم نشهدها من قبل، حتى أنه يعارض المرشد الأعلى. ويعتبر البعض هذا التصرف هرطقة".تجلت تحديات تعامل القوى الأجنبية مع النظام الإيراني، الذي يزداد تشرذماً، في أواخر السنة الماضية حين تفاوض ممثل أحمدي نجاد على صفقة تبادل اليورانيوم مع روسيا وفرنسا والأمم المتحدة في جنيف وفيينا، إلا أن خصومه المحافظين في طهران عطلوها بدعم من المرشد الأعلى، وحتى لو ساد توافق عام على الشروط الأساسية لتسوية في المسألة النووية، فإن شريحة من السياسيين الإيرانيين تعتبر أن التقرب من الغرب سيشكّل جائزة سياسية كبيرة جداً لن يرضوا بأن يستولي عليها أحمدي نجاد.إذن، في حال حملت الأشهر المقبلة معها فرصاً لتحقيق تقدم دبلوماسي في الأزمة النووية بين إيران والغرب، تشير طريقة التعاطي مع إطلاق سارة شودر أن ثمة صراعات كبيرة للسيطرة على عملية التفاوض داخل النظام الإيراني. صحيح أن التفاوض مع إيران لم يكن يوماً سهلاً، لكن الصراع على السلطة داخل طهران سيزيد على الأرجح من صعوبته.
مقالات - Oped
السجينة الأميركية والصراع الإيراني على السلطة
20-09-2010