رغم النجاح الذي حققه برنامجه «بلا مزح» على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، قرّر المخرج جو قديح التوقّف عن كتابته وتقديمه معتبراً أن العمل التلفزيوني استهلاكي يأخذ من عصارة الروح، وأن المواد التي قدّمها عبر البرنامج قد تساوي ثلاث مسرحيات.حول قراره الابتعاد عن الشاشة الصغيرة والاستمرار في عرض مسرحيته الجديدة «أنا» بعد «حياة الجغل صعبة» و{الأشرفية» كان اللقاء التالي. ماذا استجدّ لكي تقرر فجأة وقف برنامجك «بلا مزح»؟لم يعد البرنامج، الذي ابتكرت فكرته وكتبته وقدّمته، مطابقاً لنظرتي إلى الكتابة وقيمة النص الفكرية.هل سيتوقف نهائيًا أم انك ستتوقف عن كتابته؟سيستمر إنما لن أكون الكاتب.هل وظّفت مواد مسرحك في «بلا مزح»؟نقلت خمس أفكار تقريبًا من مسرحي إلى البرنامج وقد انتهى الأمر عند هذا الحدّ.كيف تقيم تجربتك مع الضيوف في البرنامج؟ بداية كتبت الحلقات والمونولوجات كافة، من ثم ارتأيت أنه من الأفضل أن يكتب كل ضيف نصه الخاص فيما أتولى الإشراف إذا اقتضى الأمر، في ما بعد صرت أكتب نصوصي وأؤدي دوري وأغادر.هل خاب ظنّك؟لم يخب ظني في البرنامج بحدّ ذاته لأنني أنا صاحب فكرته، إنما في المسار الذي سلكه. كانت المعاملة جيدة على صعيد إدارة تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال، إنما لدي مآخذ على الإنتاج.تبدو حزينًا.وظّفت جهدي كلّه لإنجاح «بلا مزح» إلا أنني تعرّضت للطعن في الظهر. أتمنى الخير لمن سيتولاه وأنا منصرف راهناً إلى مسرحي.هل خشيت أن تطغى صفة التلفزيوني على المسرحي؟الجندي هو الأساس وليس السلاح، وقد أختبر التلفزيون إنما على أسس جديدة. في المسرح نعمل من منطلق حبّ العمل فيما يقوم العمل التلفزيوني عموماً على المحسوبيات والأرقام وأنا لا أحبذ هذه الطريقة.من تعني بـ «أنا» في مسرحيتك؟اللبناني أو أي شخص في العالم، مع أن هذه الـ «أنا» جسدتها في المسرحية بشخصيتي إلا أنها من نسيج الخيال. تعمدت هذا الأسلوب لأبتعد عن الوعظ.هل جمّلت نفسك؟كنت موضوعيًا وتحدثت عن الوقائع بطريقة مباشرة ومن دون إيذاء من أتوجّه إليهم لأنني أفضّل أن يستنتج الجمهور ما يريد.ما مدى ضخامة الـ «أنا» عند اللبناني؟هو كتلة من الـ «أنا». لبنان عبارة عن مجتمعات أو فئات مجتمعية تجسّد «أنا» كبيرة مرتبطة بالـ «أنا» الكبرى أي الطائفة أو اللون السياسي...لكن ممنوع أن تتحدث عن الـ «أنا» الكبرى في لبنان.ثمة محرمات في دول العالم كافة وليس في لبنان فحسب، لذا اتبعت أسلوب الموضوعية من دون تجريح وليطلق علي الرصاص كل من يتضايق مني.أين نجد جو قديح في هذا النص؟موجود في كل كلمة وفي الصمت أيضًا. هل تحمل مسرحياتك رسالة معيّنة؟لا رسائل في مسرحياتي، لأن الرسالة تتخذ الطابع الديني والسياسي المباشر لذا أبتعد عنها قدر المستطاع وأترك للآخرين استنتاج ما يريدون.«الجغل» بطل مسرحيتك الأولى، «الأشرفية» بطلة مسرحيتك الثانية، و{أنا» الثالثة، كيف تختار مواضيعك؟كتبت «حياة الجغل صعبة» للممثل عمار شلق لكنه اعتذر عن أداء الدور بسبب انشغاله. أما «الأشرفية» فهي منطقة في بيروت وتشكّل صورة مصغّرة عن لبنان. بالنسبة إلى «أنا»، انبثقت الفكرة من صديقي جينو نادر وجسّدتها وفق طريقتي الخاصة.كيف تقيّم تجربتك في المسرح؟المسرح فن غربي انطلق في لبنان مع مارون نقاش في مسرحية «البخيل» لموليير. ثمة حال مسرحية عالمية تتحدث فيها كل فئة عن معاناتها الخاصة، لذا لا أستبعد تقديم مسرحية لشكسبير مثلاً، فكل شيء محتمل.يحدد البعض تجربتك بأنها «ستاند أب كوميدي»، ما تعليقك؟لا أقدم «ستاند أب كوميدي» ولست جزءاً من مسرح الشانسونييه أو مسرح الـ «وان مان شو»... فليسمّوني كما يشاؤون لكني لست أول من اعتلى خشبة المسرح وقدم مسرحية بمفرده. قدمت مسرحيات على مدى عشر سنوات كتابة وإخراجًا، لمعت في مسرحيتين وبقيت الأخرى في الظل. راهنًا، أركز على التفاعل في نصي وأجتهد في التمثيل.أنت كاتب ومخرج وخضت عفويًا مجال التمثيل، من يقول لك أين أخطأت وأين أصبت؟أتكل على إحساسي أولاً، من ثم على حكمة الأصدقاء ورأيهم حتى لو كانوا من خارج الوسط الفني.إلى أي مدى تؤثر هذه الشمولية على عملك؟لا أقيّم عملي بل الجمهور. في النهاية يجب أن تخضع عناصر المسرح كافة لخدمة الممثل لأن الممثل والمسرح يتكاملان في لحظة منتهية غير مرتبطة بزمان ومكان.هل تعدّل في النص بعد عرض المسرحية؟غالبًا ما أقوم بذلك انطلاقاً من التفاعل مع الجمهور.ماذا تضيف إليك الحركة الحياتية اليومية في الشارع؟على رغم أنني أستوحي منها أفكاري، إلا أنني لا أقصد التفتيش عنها بل أنطلق مما تبقى في ذهني بعد يومي الطويل.ما شعورك وأنت واقف على خشبة المسرح؟أشعر بمزيج من الفرح والقلق في آن.ما دور الجمهور في أدائك المسرحي؟التفاعل مع الجمهور مهمّ إنما لا أحبذ تحوّل المسرحية إلى حفلة زجل، فمن يبادرني بالابتسامة أردّ بالمثل ومن يبادرني بالسوء أردّ بطريقة أسوأ. من جهة أخرى، غالبًا ما أظن أن الجمهور لن يبادرني بالضحكة التي أطمح إليها لكني أفاجأ بردة الفعل الإيجابية.أنت رسام أيضًا، فهل هذه الموهبة ناشطة اليوم؟هي نائمة راهناً. أشتاق إلى الطبيعة ولبنان الذي لم يعد كما كان سابقًا.ماذا أصبح؟أصبح مصالح ضيّقة وتغييراً ديمغرافياً ومحسوبيات وزحمة سير واستهلاكاً.أليس العالم كله هكذا؟طبعًا. لكن يستأهل اللبنانيون واقعًا أفضل مما نعيش اليوم. حولنا بلدان حوّلت الصحراء إلى جنة فيما حوّلنا جنتنا إلى يباس.ماذا عن التمثيل الدرامي؟شاركت في أعمال درامية في بداية مسيرتي الفنية، إلا أن الدراما اللبنانية ما زالت فقيرة بسبب الضعف في الكتابة والإنتاج الذي يقف حجر عثرة في وجه كتّاب مبدعين وممثلين جيدين. هل من تواصل على الصعيد العربي؟قدمت مسرحيتي في دبي وأبو ظبي وأتمنى تقديمها في سورية والأردن أيضًا.ألا يحدّ تركيزك على المجتمع اللبناني من انتشارك العربي؟تحدث شكسبير وموليير عن مجتمعهما! تناولت في مسرحيات عدة مواضيع كونية، إنما يكفي بيعنا أرضنا وشرفنا فهل أبيع كتابتي أيضًا؟
توابل - مزاج
جو قديح: اللبنانيّون يستحقّون واقعاً أفضل
19-01-2011