لا شك أن الانتخابات الديمقراطية الرابعة في أفغانستان منذ إطاحة نظام "طالبان" في عام 2001 أُفسدت بسبب تدني مستويات المشاركة في ظل موجة أعمال العنف التي أطلقتها "طالبان"، وبسبب مزاعم شائعة عن حدوث عملية تزوير واسعة في مراكز الاقتراع، لكن أياً من ذلك لن يؤثر كثيراً في مستقبل أفغانستان.

تشكّل أدنى مشاركة بين الانتخابات الأربعة التي أُجريت منذ عام 2001 والتي بلغت 3.6 ملايين صوت فُرزت يوم السبت دليلاً على انبعاث حركة التمرد الطالباني التي أجبرت هجماتها على رؤساء اللجان الانتخابية والمرشحين، أكثر من مركز اقتراع من أصل ستة على إبقاء أبوابه مغلقة. أما بالنظر إلى مزاعم التزوير الكثيرة، فقد لا تُعرَف نتائج الانتخابات البرلمانية لأشهر، لكن جميع المراهنين البارزين في أفغانستان يعرفون أن السباق بين المسؤولين الذين ترشحوا في انتخابات يوم السبت ذو أهمية كبرى، لأن السباق السياسي الجوهري الذي سيحدد مستقبل أفغانستان يدور بين متمردي "طالبان" وتحالف منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة. لكن الأمور لا تسير في مصلحة التحالف الغربي.

Ad

في ضوء الوضع الأمني الخطير، تطلّب الأمر جرأةً كبيرة من أكثر من 2500 مرشح للتنافس على المقاعد البرلمانية البالغ عددها 249، ومن 3.6 ملايين شخص للتوجه إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثلهم في البرلمان، يُذكَر أن تضحيتهم تجعل من عملية التزوير المزعومة مدعاةً لتشاؤم أكبر، لكن حركة "طالبان" ستعتبر المشاركة المتواضعة انتصاراً لها، كونها طلبت مقاطعة الانتخابات وعطّلتها بواسطة أعمال العنف، مانعةً التصويت بوجه خاص في جنوب وشرق البلاد اللذين يتوزّع فيهما البشتون، وحيث يشكّل المدنيون عنصراً أساسياً في جهود مكافحة التمرّد التي تقودها الولايات المتحدة.

مع ذلك، لا تتوقعوا هبوب عاصفة من الاحتجاجات في العواصم الغربية بشأن أي تزوير انتخابي مُثبَت، فالولايات المتحدة والدول الحليفة لم تعد تولي أهميةً كبيرةً بنتيجة الانتخابات وشفافيتها لأنها باتت تسلّط اهتمامها اليوم على كبح النشاط الطالباني المتجدد وإتاحة الظروف المناسبة لتسريع إنهاء حرب يبدو الفوز فيها بعيد المنال أكثر فأكثر. في هذا الإطار، قبلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالعمل مع حكومة حامد كرزاي المعيبة لعدم توافر حلول بديلة قابلة للحياة على ما يبدو، فضلاً عن ذلك، تخضع الحملة الأميركية الرامية إلى الحد من الفساد في الحكومة الأفغانية على ما يُفترَض لإعادة نظر، في وقت يرى فيه المسؤولون الأميركيون أن الأهداف الأمنية تُقوَّض حين يُتهم مقربون من الرئيس الأفغاني في قضايا بارزة تحرج كرزاي وتدفعه إلى التراجع. في المقابل، يشعر أفغانيون كثر بلا شك بالاستياء إزاء سلوك قادتهم، لذا من شأن حس العزلة الناجم تعزيز قوة "طالبان". لذلك السبب، لايزال كثيرون في واشنطن يصرون على أن معالجة الفساد عنصر أساسي لتحقيق الأهداف الأميركية في أفغانستان.

لكن من غير المنطقي وضع النضال من أجل تحسين الحوكمة في صميم الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان إلا في حال كانت واشنطن تخطط لحرب طويلة الأمد ضد التمرد ستتطلب من القوات الأميركية أن تكون الضامن الأساسي للأمن في البلاد لعقد من الزمن أو أكثر. في المقابل، تحاول إدارة أوباما إيجاد نهاية سريعة لحرب تُكبّد الولايات المتحدة 100 مليار دولار أميركي في العام لقاء عائدات استراتيجية محدودة. يشدّد الرئيس أوباما من جهته على أن التزام القوات الأميركية بأفغانستان بلغ ذروته، وأن عملية الانسحاب المخطط لها يجب أن تبدأ في الصيف المقبل. لكن بغض النظر عما إذا كان الجدول الزمني أُخذ في الاعتبار، لا تسير الحرب كما يجب، ويُستبعد أن تتقبل واشنطن بصدر رحب اعتراف حتى الجنرال ديفيد بترايوس المتفائل باستمرار بأن التغلب على "طالبان" قد يستغرق تسع أو عشر سنوات.

في سياق آخر، ستركز المناظرة التي ستقيم الإدارة على أساسها استراتيجيتها الأفغانية في وقت لاحق من العام الحالي على ما تستطيع الولايات المتحدة توقع منطقياً تحقيقه في أفغانستان. يعتقد كثيرون في واشنطن أن "طالبان" حركة نشأت بشكل طبيعي في أفغانستان ويستحيل بالتالي هزمها عسكرياً- لا بل يوافق معظمهم على أنه يستحيل الانتصار عليها في السنوات المقبلة- وبأن القضاء على "طالبان" ليس ضرورياً لحاجات الغرب الأمنية. لذلك يقضي الهدف الأولي في نسخة أصغر نطاقاً عن الأهداف الحربية الأميركية بمنع تنظيم "القاعدة" من إنشاء قاعدة عمليات له، الأمر الذي يتطلب العمل مع  مسؤولين نافذين في السلطة قادرين على فرض أوامرهم على الأرض، غالباً على حساب الحوكمة الجيدة. ففي النهاية، يشكل الفساد والمحاباة جزءاً من معادلة السلطة المحلية الأفغانية: حين دخل العملاء السريون الأميركيون للمرة الأولى أفغانستان في أواخر عام 2001 في مهمة لإطاحة "طالبان"، تسلحوا بشكل رئيس بحقائب مليئة بالمال لاستمالة أسياد الحرب المحليين إلى صفهم.

يعمل معظم اللاعبين الأساسيين في المنطقة، بمن فيهم الرئيس كرزاي بحد ذاته، على افتراض أن النهاية المنطقية الوحيدة للحرب في أفغانستان تتمثل في شكل من أشكال التسوية السياسية مع "طالبان"، وتشير التقارير الصادرة من المنطقة إلى أن السعي وراء مثل هذه التسوية، حيث ستؤدي باكستان دور الوسيط، بدأ مسبقاً عبر محادثات حذرة. لكن المهم في هذه التسوية أن توافق "طالبان" على منع استخدام الأراضي الواقعة تحت سيطرتها لتصدير الإرهاب وتقبّل واقع أنها لن تكون قادرة على استعادة حكمها الديني على البلاد بكاملها. وهكذا سيكون تشاطر السلطة أمراً حتمياً، حيث ستصبح "طالبان" على الأرجح  في النهاية السلطة السياسية المسيطرة في الجنوب والشرق اللذين يتوزع فيهما البشتون. لكن بالرغم من التقارير التي تفيد بأن قادة "طالبان" منفتحون على مقاربة أخرى بديلة عن الاستئثار بالسلطة واستضافة "القاعدة"، فإنه ليس من السهل التوصل إلى اتفاق، ذلك لأن زخم "طالبان" العسكري يقلّص الدوافع التي تحفّزها لتقديم تنازلات، في حين يعارض قادة التحالف الشمالي الذين قاتلوا "طالبان" لسنوات ونصبوا الرئيس كرزاي في السلطة بشراسة فكرة منح أي منصب في السلطة للحركة. مع ذلك، من الواضح أن توزيع السلطة في أفغانستان ستحدده نتيجة الجهود الوسيطة المبذولة لمساعدة من يتحكمون بالقوة العسكرية على الأرض في التوصل إلى حل سياسي. وفي ذلك الصدد، كان تصويت يوم السبت للأسف عرضاً لتشتيت الانتباه.