يجب اعتبار إعلان إدارة أوباما استسلامها قبل صدور موقف إسرائيل المتعنت بشأن تجميد الاستيطان كصرخة لطلب المساعدة. لقد اتخذ أوباما خطوة جريئة حين اعترف صراحةً بأنه يواجه مشكلة، لطالما كرر الرئيس تشكيكه بعملية أوسلو الفاشلة لتحقيق السلام على أمل التوصل إلى نتيجة مختلفة، وها هو يجد نفسه اليوم مضطراً للاعتراف بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس مجرد مشكلة في التواصل بين الطرفين ويمكن حلها ببساطة عبر إقناع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس محمود عباس بالتحاور.ويأتي هذا الاعتراف الصريح من جانب أوباما بعد الإهانة الأخيرة التي تعرض لها على يد نتنياهو الذي رفض عرضاً مغرياً يشمل مساعدات عسكرية وتنازلات سياسية مقابل تجميد موقت وجزئي لعمليات الاستيطان خلال تسعين يوماً إضافياً بهدف إعادة إطلاق المحادثات. لقد نجح نتنياهو بمقاومة الإدارة الأميركية في ما يخص تجميد بناء المستوطنات إلى حد أن موقف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون فقد مصداقيته، خلال الخطاب الذي ألقته يوم الجمعة، حين قالت: "إن موقف الولايات المتحدة من الاستيطان لم ولن يتغير... نحن لا نعترف بشرعية النشاطات الاستيطانية المتواصلة". قد يكون وقع تلك الكلمات قوياً، ولكن لا يكاد سماعه يمكن وسط الضجة التي تحدثها معدات البناء في الضفة الغربية والقدس الشرقية. صحيح أن الولايات المتحدة لا توافق على هذه النشاطات، ولكنها في الوقت نفسه لن تفرض أي عواقب على إسرائيل بسبب تجاهلها الرفض الأميركي والقانون الدولي من خلال متابعة البناء خارج حدود عام 1967.لقد قدم خطاب كلينتون بعض التشجيع للأشخاص الذين يريدون تدخّلاً أقوى من جانب الولايات المتحدة. بعد اليوم، لن تهدف المحادثات المتوازية التي يقيمها كل طرف، بشكل منفصل، مع المبعوث الأميركي جورج ميتشل، إلى حث الفريقين على إقامة محادثات مباشرة (كما طالب نتنياهو)، بل سيتم التفاوض بدل ذلك بشأن شروط الاستيطان.حتى الآن، يسعى نتنياهو بكل قوته إلى تجنب منح أجوبة وافية عن شروطه الخاصة بشأن إقامة دولة فلسطينية. عبر رئيس الوزراء الاسرائيلي عن رأيه في هذا الموضوع للمرة الأولى في السنة الماضية، مع أنه بنى مسيرته السياسية على أساس معارضة حل إقامة دولتين، ولكنه يحتاج الآن إلى التعبير عما قصده بكلامه، حتى أن اعترافه العلني الأولي بقبول ذلك الحل دفع والده إلى طمأنة الموالين لحزب الليكود بأن نتنياهو، على الرغم من ابتعاده الظاهري عن مبدأ معارضة الدولة الفلسطينية الذي يقوم عليه الحزب، فهو سيفرض شروطاً مسبقة لا يمكن أن يقبلها أي قائد عربي.لطالما كانت خطوة إجراء محادثات مباشرة مع عباس، مع حد أدنى من التدخل الأميركي، شكل التواصل المفضل بالنسبة إلى نتنياهو لأن عباس لا يطرح أي أوراق ضغط على طاولة المفاوضات. تُسمى هذه المفاوضات بمحادثات "سلام"، لكن عباس لا يخوض حرباً مع إسرائيل التي لا تخفي أنها تعتبره رئيساً غير فاعل.لكن يشير خطاب كلينتون أيضاً إلى أن الخيبة ستصيب كل من يتوقع أن يجبر أوباما الإسرائيليين على العودة إلى حدود عام 1967. فحذّرت كلينتون قائلة: "لا تستطيع الولايات المتحدة ولا المجتمع الدولي فرض أي حل". ثم أضافت من دون أن تعني كلامها: "أحياناً، أظن أن الطرفين يظنان أننا قادرون على إيجاد حلّ. ولكننا لسنا قادرين على ذلك، وحتى لو كنا قادرين، فلن نُقدم على ذلك، إذ لا يمكن أن يصمد أي اتفاق إلا إذا جرى التفاوض عليه بين الطرفين".تشكل الإشارة إلى أن إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 في الأراضي الفلسطينية يستلزم موافقة الفلسطينيين والمحتلين في آن تراجعاً صريحاً عن العبء الأخلاقي الذي تحمله أوباما في الخطاب الذي ألقاه في القاهرة، في السنة الماضية. فقد قال أوباما، في إشارةٍ إلى 60 عاماً من التهجير والإهانة بسبب الاحتلال: "إن وضع الشعب الفلسطيني لا يُحتمَل. ولن تدير الولايات المتحدة ظهرها لطموحات الفلسطينيين المشروعة والمتمثلة بالكرامة والحصول على الفرص وإقامة دولة خاصة بهم".تقول الحقيقة الصريحة، التي غالباً ما يتم إخفاؤها وراء اللغة التي يرغب في سماعها الطرف السياسي الأميركي المحلي المؤيد لإسرائيل، إن إنهاء الاحتلال يستلزم بكل وضوح أن ترغب الأطراف في تحقيق ذلك فعلاً، أكثر مما يفعل الإسرائيليون الآن. من الواضح أن الإسرائيليين يشعرون بالراحة بسبب المراوحة في الوضع لأنه لا ينعكس سلباً عليهم. خضع نتنياهو للضغوط المحلية في الأسبوع الماضي، لا بسبب فشله في عملية السلام، بل بسبب الطريقة التي اعتمدها لمعالجة حادثة الحرائق التي اندلعت في الغابات الإسرائيلية.يدرك أوباما أن فشل العملية الدبلوماسية سيؤدي إلى وضع لا يُحتمل بالنسبة إلى الفلسطينيين، غير أن اعتباراته السياسية المحلية تمنعه من الظهور علناً للمطالبة بحرية الفلسطينيين رغم الاحتجاجات الإسرائيلية، لكن في حال تقدم آخرون لاتخاذ الخطوات التي لا يستطيع أوباما اتخاذها سياسياً، فقد تتبدل المعادلة... إنه نداء استغاثة من جانب أوباما!في الأسبوع الماضي، حث 26 من كبار المسؤولين الأوروبيين السابقين قيادة الاتحاد الأوروبي على فرض عواقب على شكل عقوبات محدودة في حال استمرت اسرائيل بتحدي القانون الدولي عبر بناء مستوطنات خارج حدود عام 1967. لاحظت إسرائيل مجرى الأمور، تماماً كما فعلت حين أعلنت الأرجنتين والبرازيل أنهما تعترفان بدولة فلسطينية مبنية على أساس حدود عام 1967. ربما يشعر أوباما بالعجز بسبب سياسته المحلية، لكن في حال أقدم آخرون على خطوة جريئة وأكدوا حقوق الفلسطينيين والقانون الدولي ورفعوا حجم العزلة الدولية، عندها قد يسهل على الرئيس الأميركي الضغط على إسرائيل ومنحها الضمانات اللازمة كي تقوم ببعض الأمور التي تقاوم فعلها راهناً.غير أن العنصر الرئيس في هذا المجال يتعلق بمدى استعداد الفلسطينيين لرفع كلفة الاحتلال على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية بالنسبة إلى إسرائيل. لقد بدأ المجتمع المدني الفلسطيني بالتصرف في هذا الاتجاه تحديداً، ما ساهم في تجنب أعمال العنف الكارثية التي طبعت الانتفاضة الثانية والتي صبت في مصلحة إسرائيل، وبدأ أيضاً بتنفيذ التحدي الذي أطلقه أوباما من القاهرة لمواجهة صراعات الحقوق المدنية الجارية في أماكن أخرى. بدأت شخصيات في منظمة التحرير الفلسطينية بالتداول باحتمال طرح قضيتهم أمام الأمم المتحدة، وتشير الردود الدولية الأخيرة إلى أن هذه الخطوة قد تكون خياراً مثمراً شرط ألا تكون مجرّد تهديد عابر. لقد وجّه أوباما في الأسبوع الماضي رسالة واضحة، ولو لم يعبّر عنها صراحةً، بأن مصير الفلسطينيين بين أيديهم، لا بين يديه.* محلل سياسي مقره نيويورك.
مقالات - Oped
«جرعة أوباما» قد تكون حلاً للفلسطينيين
16-12-2010