بأسلوب يفتقد الحس الديمقراطي ويعاني تخمة في تعظيم الذات، قام أربعة من السادة أعضاء لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة بإقصاء الرأي الآخر. وهو رأي الأطراف الأكثر خبرة، والأقوى حجة، بشأن قانون غرفة تجارة وصناعة الكويت. وبأسلوب لمّاح، يلتزم دبلوماسية التعبير ويعتمد على فطنة القارئ، عزت الغرفة تصرف اللجنة المالية البرلمانية هذا إلى ضيق الصدر بمواقفها دفاعاً عن مستقبل الكويت وأجيالها القادمة، مستلهمة في تفسيرها هذا على الأغلب قول العرب: "لا يصلح للصدر إلا واسع الصدر"، وقولهم: "من نصح جاهلاً فقد عاداه".نحن لسنا بدبلوماسية الغرفة، ولسنا من الطيبة، بحيث نرى في أسلوب اللجنة المالية الفج وفي التقرير الهجين الذي انتهت إليه، مجرد ضيق صدر. ذلك لأن دور الصحافة هو البحث عن الحقيقة، والكشف عن مدى التناقض أو الانسجام بين ما تعلنه التصريحات والسطور، وما تعنيه وتخفيه الصدور.خلافاً للوائح مجلس الأمة، وجه رئيس اللجنة المالية البرلمانية الدعوة إلى اجتماع بشأن قانون الغرفة، قبل أقل من 24 ساعة من الموعد المحدد له.وخلافاً لأصول الزمالة واحترام الزملاء وجهت الدعوة رغم معرفة رئيس اللجنة- وربما بسبب معرفة رئيس اللجنة- بغياب ثلاثة من أعضائها السبعة.وخلافاً لما يقتضيه مثل هذا القانون من دراية وتأن، فقد قامت اللجنة بدراسة مقارنة لمشروع حكومي ولثلاثة مقترحات نيابية، وأنجزت مهمتها، ووضعت تقريرها خلال ساعة واحدة، ونحن نرفض أن نبرر هذا كله بأنه مجرد ضيق صدر. هذه خطة مدبرة سدفاً، وقرار متخذ سلفاً، غير أن الإخراج جاء متسرعاً مرتبكاً فكشف ضيق الصدر وحقيقة القصد.من جهة أخرى، في أدراج اللجنة المالية البرلمانية مشاريع ومقترحات بقوانين، أكثر أهمية وإلحاحاً، نذكر منها على سبيل المثال: قانون حماية المستهلك، وقانون الشركات، وقانون الاستقرار المالي.فقانون حماية المستهلك قدمت المشاريع والاقتراحات بشأنه منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ومع ذلك، لم تعطه اللجنة أولوية ولم تعره اهتماماً. بل الأولوية والأهمية لحماية التاجر عضو الغرفة من رسم سنوي لا يتجاوز أربعين ديناراً.وقانون الشركات التجارية، يدخل أدراج اللجنة ويخرج منها ليعود إليها منذ سنوات عديدة. لكن إنجاز تشريع يحدِّث مثل هذا القانون، ويجعله صالحاً لمواكبة التطورات الاقتصادية والتنظيمية على مدى أطول من أربعين عاماً، ويهيئ الأرضية اللازمة لتنفيذ رؤية المركز المالي والتجاري، ويلبي مقتضيات العولمة، ليس بالأمر المهم أو المستعجل. الأمر الأهم والأكثر إلحاحاً هو الحد من نجاح مؤسسة وطنية كغرفة تجارة وصناعة الكويت، وتكميم صوتها الرافض لسرقة آمال أجيالنا القادمة.أما قانون الاستقرار المالي، الذي ينظم تسوية قروض بمليارات الدنانير، فقد مضى على صدوره أكثر من 18 شهراً، دون أن تحاول اللجنة المالية البرلمانية العتيدة أن تفتح صفحاته، خشية أن تغضب بعض ناخبيها إن أقرته، وخيفة أن تغضب الحكومة إن رفضته.مرة أخرى، نحن نرفض أن نعتبر كل هذا من نتائج "ضيق الصدر"، ونؤكد جازمين أنه خطة مدبرة سدفاًً، وقرار متخذ سلفاً. والهدف من هذا وتلك ليس الغيرة المفاجئة بعد سبات دام خمسين عاماً على دستورية قانون الغرفة، فهذه الدستورية ثابتة ومستقرة برأي كبار أساتذة القانون في الكويت، ومنهم: د. محمد المقاطع، ود. محمد الفيلي، والمستشار شفيق إمام، ود. أحمد الفارسي، ود. فيصل الفهيد. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟والهدف من الخطة المدبرة، ليس إلغاء الرسوم على المهنيين وأصحاب الحرف، لأن هؤلاء لا يملكون سجلاً تجارياً أو صناعياً، وبالتالي، لا يحق لهم أن ينتسبوا إلى عضوية الغرفة. كما أن الهدف من الحملة الظالمة على الغرفة ليس تحسين خدماتها وتطوير دورها. بل العكس هو الصحيح، لأن الغرفة هي المؤسسة التي يجب أن تكون موضع فخر الكويت واعتزاز الكويتيين، لما تقدمه من صورة حضارية راقية، وصورة مهنية متقدمة عن وطنها ومجتمعها، فهي في طليعة الغرف العربية كفاءة وتنظيماً. وهي الأولى على غرف العالم تقنياً ومعلوماتياً، وهي أول غرفة تخاطب القمة العربية مباشرة، وهي أول غرفة في العالم تعقد من أجلها غرفة التجارة الدولية جلسة خاصة لشجب الغزو الظالم، وهي مؤسسة المجتمع المدني الكويتية الوحيدة التي عملت أثناء الغزو من خارج الكويت لتنظيم جهود أصحاب الأعمال الكويتيين، وإنقاذ بضائعهم التي تم تفريغها في موانئ الخليج، وهي- في الوقت ذاته- أول غرفة عربية تنظم مؤتمراً عن الفسادين الإداري والمالي، ومؤتمراً عن إحباطات الإصلاح الاقتصادي.الهدف الحقيقي من الخطة المدبرة هو كل ما تمثله الغرفة من فكر اقتصادي مستقبلي، ومن تاريخ وطني إصلاحي دستوري، وكل من تمثلهم الغرفة من مؤسسات وشركات رائدة، ومن شخصيات ورموز وطنية قائدة، ومن قطاعات إنتاجية تشكل بنية الكويت الاقتصادية، وتمثل أملها في اقتصاد يقوم على ثروة متنامية متجددة هي المواطن المتعلم العامل.والمحزن والمؤلم فعلاً، أن أداة الطعن في الغرفة، كتاريخ وطني، ورمز مستقبلي وفكر ديمقراطي، وعميدة مؤسسات المجتمع المدني الكويتي، قد وُضعت بأيدي أعضاء في مجلس الأمة. وهو المجلس الذي كان لرواد الغرفة دور كبير في الدعوة إليه، والإصرار على المشاركة الشعبية من خلاله. وهو المجلس الذي وقفت الغرفة دائماً معه، وتمسكت به، وسعت، كلما غاب، إلى عودته.وإذا كانت الغرفة قد اكتفت بالقول أنها تدفع ثمن مواقفها من ملفات الإصلاح والقروض وخطة التنمية، فإننا على يقين أن موقفها الثابت في الدفاع عن الديمقراطية بكل مؤسساتها، وعن المؤسسة البرلمانية بالذات، كان له الدور الأهم في حشد أصحاب المصالح الشخصية والسياسية المتباينة ضدها.لقد بدأوا بأغلاها وأثمنها، وأكثرها عراقة وكفاءة لكي يتعظ غيرها فيرتعد ويرتدع، ويسقط قبل أن يطعن. وإذا كان خيارهم الأول هو الغرفة، فإن سؤالنا الأهم... لمن تقرع الأجراس؟
آخر الأخبار
افتتاحية: لمن تقرع الأجراس؟
03-10-2010