جلس بشار مصري وراء طاولة مكتبه الصفراء في رام الله وأمامه صحيفتان إسرائيليتان. ظهرت صورة كبيرة له في إحداهما وصورة لزوجته جاين في الأخرى. وفيما راح يتكلم، أدخل النص إلى موقع {غوغل} ليحصل على الترجمة.

Ad

قرأ {كبار رجال المال فلسطينيون} وهو يهز رأسه. لم تعجبه هذه العبارة، بل فضّل عنوان مقال آخر منشور قربها: {نحتاج إلى السلام، أو سنواجه كارثة اقتصادية}. كتب هذا المقال الافتتاحي إيدان أوفر، أحد أغنى رجال الأعمال الإسرائيليين. ابتسم مصري ثم حمل الهاتف واتصل بأوفر، قائلاً: {مقال ممتاز!}. تبادلا الحديث لبضع لحظات ثم أقفل مصري الخط. وتجمع بين أوفر ومصري، اثنين من كبار رجال أعمال تل أبيب ورام الله، علاقة صداقة.

قد يكون مصري أحد أغرب رجال الأعمال في الأراضي الفلسطينية. إذ يُعتبر هذا الرجل البالغ من العمر 50 عاماً ضيفاً دائماً في منازل أثرياء إسرائيل. وتدير زوجته أكبر وكالة إعلانات في الأراضي الفلسطينية وتدرس في تل أبيب. أما عمّه فرجل فاحش الثراء من نابلس. قصد مصري الولايات المتحدة وهو في السابعة عشرة من عمره ليتابع دراسته الجامعية. بعد ذلك، انتقل للعمل في هذا البلد وتزوّج من أميركية، إلى أن عاد إلى وطنه عام 1994. فأسّس شركة مسار الدولية وبدأ ببناء إمبراطوريته الصغيرة. كان يحلم آنذاك ببناء مدينة فلسطينية، لكن سرعان ما حلّت الانتفاضة الثانية. لذلك، استهل أعمال البناء في المغرب بدلاً من ذلك.

على رغم ذلك، لم ينسَ حلمه بتأسيس أول مدينة عصرية في الأراضي الفلسطينية. هكذا، بدأ بتشييدها في الضفة الغربية في رام الله قبل أكثر من سنة. تفوق تكلفة هذه المدينة الجديدة، التي تحمل اسم روابي، الـ850 مليون دولار (586 مليون يورو). وتشكّل الحكومة القطرية أهم مستثمر في مشروع مصري هذا. وبالإضافة إلى الخمسة آلاف وحدة سكنية، سيقيم مصري منشأة لمعالجة المياه المبتذلة ومسجداً، ومتاجر كبرى، ومركزاً إدارياً. وعندما تبلغ المدينة الجديدة عدد سكانها المتوقع (40 ألف نسمة)، ستصبح أكبر من رام الله بحد ذاتها.

مساحات خضراء

استخدم مصري مهندسين ومصممين ومدراء ليبتكروا مدينة لم يسبق لها وجود، تمتاز بمساحات خضراء ونوافير مميزة وتخلو من النفايات المرمية في الطرقات والحفر والأبنية الإسمنتية غير المزيّنة. يوضح مصري: {يملك العالم في فلسطين فرصة بناء دولة جديدة فاعلة وعصرية في آن}. ويريد رجل الأعمال هذا أن تتحوّل {روابي} إلى محط أنظار الجميع.

يأمل الفلسطينيون في الفوز باعتراف الأمم المتحدة بدولتهم المستقلة في شهر سبتمبر. وثمة احتمال كبير أن يقبل العالم بهذه الخطوة. ففي الأشهر الثمانية عشر الماضية، حقق رئيس الوزراء سلام فياض تغييرات جذرية في الأراضي الفلسطينية المستقلة، أو على الأقل في الضفة الغربية. فبات بإمكان الوزارات العمل بفاعلية أكبر من السابق، حين كانت مجرد مرتع لأتباع القائد الفلسطيني السابق ياسر عرفات.

شقّ فياض 2250 كيلومتراً من الطرقات المعبّدة وأوصل شبكة الطاقة إلى القرى. فساهم في انخفاض البطالة إلى 17% في الضفة الغربية، مقارنة بـ37.4% في قطاع غزة. كذلك، أُسست أكثر من 500 شركة جديدة خلال الأشهر الأخيرة. لذلك، يبدو أن كثراً في الأمم المتحدة والبنك الدولي مقتنعين بأن فلسطين جاهزة لتنال استقلالها.

تضم رام الله راهناً فندق خمس نجوم، مطاعم تقدّم السوشي، وعدادات لمواقف السيارات. كذلك، سيفتح مطعم دوار يطل على مناظر خلابة أبوابه قريباً. يقع هذا المطعم في الطابق 28 من برج فلسطين التجاري، فيبدو كما لو أنه طافٍ كمركبة فضائية فوق رام الله. فضلاً عن ذلك، نما الاقتصاد بعدل 9.3% السنة الماضية. يذكر سمير عبد الله، وزير التخطيط السابق الذي يرأس راهناً نادي روتاري ومعهد أبحاث اقتصادية: {عندما يصبح بإمكاننا استغلال مواردنا بحريّة ولا يعود يحدّها الاحتلال، سيتمكّن اقتصادنا من النمو بمعدل 25% سنوياً، وهكذا سيصبح الاقتصاد الجديد في مجموعة اقتصادات النمور}.

يؤمن بشار مصري بإمكانات اقتصاد موطنه، ويذكر في هذا السياق: {نرى مقاولين وعلماء فلسطينيين في مختلف بلدان العالم. وإن عادوا جميعاً إلى أرض الوطن واستثمروا فيه، ستتحوّل فلسطين إلى أحد أنجح بلدان المنطقة}. أسس مصري نحو 15 شركة فرعية، فضلاً عن صندوق استثمار خاص يُدعى {سراج} سيستثمر 60 مليون دولار في الزراعة، شركات للأعمال اللوجستية، وشركات تكنولوجية.

علاوة على ذلك، يود مصري أيضاً تشييد أبنية سكنية على نطاق واسع في غزة، حيث أقام لنفسه مكتباً وشكّل طاقم عمل. لكن بسبب الحصار الإسرائيلي لا يتوافر الإسمنت في القطاع. كذلك، أخفق أخيراً في شراء مستوطنة إسرائيلية في القدس الشرقية، بعدما أعلن المطوّر إفلاسه. لكنه يدرس راهناً نحو 20 عرضاً لشراء مواقع بناء في القدس الشرقية، علماً أن ثمة باعة محتملين إسرائيليين. يوضح مصري: {إن لم نشترِ الأرض في القدس الشرقية، فكن على ثقة تامة بأن المستوطنين المتشدّدين سيفعلون ذلك. لا أتدخّل في الشأن السياسي. لكنني أشعر بالرضا عندما أبدّد وضعاً خطراً}.

لكن مدينة {روابي} تبقى مشروع مصري المفضّل. يركب رجل الأعمال هذا سيارة {جيب} جديدة، يحصل على بعض المثلجات، ثم يتوجّه إلى موقع البناء. يعمل الحفارون راهناً على تمهيد رأس قمة التلة وصنع مصاطب على جوانبها. تمكّن العمال من إعداد الأسس الأولى. يخرج مصري من سيارته ويتنفّس عميقاً. ما زال مصري يتصرّف كما لو أنه والد طفل حديث الولادة عندما يصطحب بعض زواره إلى روابي. يذكر: {يمكنك من هنا رؤية كامل المنطقة من أشدود إلى الخضيرة، فضلاً عن السفن في الميناء هنا وناطحات السحاب في تل أبيب هناك}.

يستقل مصري سيارته مجدداً وينطلق مجتازاً الطرقات الوعرة التي شُقّت أخيراً. ثم يبدأ بوصف تفاصيل هذه المدينة: {هناك سيُقام وسط المدينة ومنطقته المخصصة للمشاة فحسب، كما هي الحال في الأجزاء القديمة من مختلف المدن الفلسطينية. لكن مدينة كهذه ستكون عصرية. سنشيد أيضاً مركزاً للمؤتمرات، فندق خمسة نجوم، ومركزاً تجارياً، ومباني تمتاز بتقنيتها العالية وستحيط بها وحدات سكنية فائقة الجودة مخصصة للطبقة المتوسطة. أعمل على بناء مدينة لجيل موقع Facebook}.

يضغط فجأة على المكابح. ويصيح في وجه المشرف على العمل: {ما سبب وجود هذا الإسمنت هنا؟ من المفترض أن يبدو طبيعياً}. يشير مصري بكلامه هذا إلى حدّ أحد الشوارع، الذي ينبغي بناؤه بحجارة طبيعية. ثم ينادي لمجموعة من المهندسين الإيطاليين الذين يبنون مصنعاً لمعالجة الحجارة. فيقول لهم، واضعاً أطراف أصابعه على المقود أمامه: {علينا تسريع العمل هنا. فنحن مستعدون للانطلاق بمشروع ضخم جداً}.

مجتمع جديد

لا يود مصري تشييد مدينة جديدة فحسب، بل بناء مجتمع جديد أيضاً. لذلك، يعدّ دور الحضانة كي لا يبقى عمل الزوجة محصوراً داخل منزلها. كذلك، يجهّز الأبنية بقدرة عالية على ولوج شبكة الإنترنت، كي يتمكن الآباء من العمل في المنزل. تُشيّد الأبنية من حجارة رملية عادية. وقد منع مصري المهندسين من استعمال الأقواس أو الأبراج الصغيرة أو الأعمدة التي تميّز طراز الروكوكو الفلسطيني.

أزال مصري {ال} التعريف من اسمه لأنه اعتبرها قديمة الطراز، عيّن نساء في مناصب بارزة، وحوّل يوم الخميس إلى يوم {الملابس العادية}، إذ منع ارتداء ربطات العنق والسترات الرسمية في هذا اليوم. وبما أننا قابلناه يوم الخميس، كان مصري يرتدي سروال جينز.

لكن إسرائيل من جهتها لا تبدو مستعدّة لحلم مصري بفلسطين حديثة. صحيح أن مشروع {روابي} يُقام في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية، إلا أن نحو 2.8 كيلومتر من الطريق المستقبلي الذي سيفضي إلى هذه المدينة ستمرّ عبر ما يُعرف بالمنطقة {ج} (Territory C)، منطقة خاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيلية وتشكّل 59% من الضفة الغربية. لكن إسرائيل لم توافق بعد على هذا الطريق، وما زال مصري ينتظر إذن شقه منذ ثلاث سنوات. لذلك، تأخرت أعمال البناء. تعتبر الحكومة في تل أبيب أن هذا الطريق أداة تفاوض وتنازل على الفلسطينيين دفع ثمنها السياسي. فضلاً عن ذلك، يشعر مصري أن السلطات الفلسطينية لم تقدّم له الدعم الكافي. يقول: {لا أفهم سبب تقاعسهم هذا. فكل دولار نستثمره هنا يعود عليهم بعشرين أو ثلاثين دولاراً. على رغم ذلك، لم نلقَ منهم بعد أي دعم}.

مغامرة

حجز نحو 7 آلاف مشترٍ منازل في هذه المدينة، إلا أن عملية البيع لا يمكن أن تبدأ ما لم توافق إسرائيل على الطريق. فما العمل؟ يؤكد مصري: {ما من عودة إلى الوراء. وإن لم نغامر، لا نحقّق أي أهداف}.

لكن إذا أخفق مشروع روابي، فلن يشكّل ذلك مجرد انهيار لحلم مصري. فالهدف من هذا المشروع الوطني الفلسطيني أن يكون نموذجاً لمقاولين جريئين ورمزاً لمستقبل أفضل. يخبر مصري: {نعيش اليوم حالة من الازدهار المحدود بعد سنوات من المعاناة. ولكن قد تعود الأوضاع بسرعة إلى سابق عهدها}. فقد لاحظ أن مزوديه وشركات البناء، الذين رفضوا العمل معه سابقاً لأنهم فازوا بعقود عمل تدر عليهم ربحاً أكبر، يرجونه اليوم للمشاركة في مشروعه. كذلك، يحذر البنك الدولي من أن النمو سيعاود تراجعه، في حال واصلت إسرائيل احتلالها ولم تُقدّم للفلسطينيين مساعدات إضافية.

يُعتبر محمد مصطفى وراء هذا الازدهار. فما من أحد أدخل أموالاً إلى الأراضي الفلسطينية أكثر منه: ما لا يقل عن ملياري دولار خلال السنوات الخمس الماضية. ويخطط ليستثمر 4 مليارات إضافية في السنوات الخمس المقبلة. يتبوأ مصطفى (67 سنة) الذي يرتدي بزة زرقاء داكنة، منصب مدير صندوق الاستثمار الفلسطيني، ما يجعله النظير العام لبشار مصري. كان مصطفى يعمل في البنك الدولي قبل ست سنوات. أما اليوم، فهو مسؤول عن وضع الأسس المتينة لدولة فلسطين المستقبلية. يشمل عمله التخطيط لمشاريع جديدة من جنين إلى الخليل ومراكز أعمال وفنادق في منطقة البحر الميت والقدس الشرقية. يخطط مصطفى لبناء 30 ألف وحدة سكنية أسعارها مقبولة خلال العقد المقبل، فضلاً عن تسهيل الحصول على القروض للمشترين المحتملين.

في ذلك اليوم، كان مصطفى واقفاً داخل منزل مؤلّف من طابقين على تلّة قرب جنين، التي كانت في الماضي مرتعاً للانتحاريين. أما اليوم، فتحاول جنين تصوير نفسها على أنها مقصد للسياح. يذكر مصطفى: {يود كل فلسطيني العيش في منزل كهذا}. يتألف هذا المنزل من أربع غرف وحمام للضيوف، فضلاً عن باحة صغيرة، ويبلغ ثمنه 110 آلاف دولار. لكن سكان مخيّم اللاجئين الذي يقع على بعد بضع كيلومترات لا يسعهم إلا أن يحلموا بالعيش في مسكن مماثل. شُيد نحو 86 من هذه المنازل، ومن المقرر بناء ألف أخرى خلال السنوات الثلاث المقبلة. يوضح مصطفى: {سيُظهر ما نقوم به للعالم أن الفلسطينيين ليسوا مجرد أناس فقراء، غير أكفاء، وعنيفين. فنحن أناس عاديون تماماً. وأنا واثق من أن هذه المشاريع ستعزّز الاستقرار السياسي والاقتصادي}.

يطمح مصطفى إلى إعادة بناء رام الله. فبما أنه ينظر إلى الحياة بواقعية، لا يتوقع أن تصبح القدس الشرقية عاصمة فلسطين في أحد الأيام. لذلك، يعمل على بناء مركز أعمال على بعد أمتار قليلة من قبر عرفات. ويخطّط لتشييد عشرة أبنية ضخمة أخرى في هذا الموقع. سيشمل هذا المشروع أيضاً مركزاً تجارياً، فندقاً، وشققاً سكنية. ومن أبرز أهداف هذا المشروع {تعزيز الالتزام تجاه فلسطين}.

يعتبر مصطفى أن فلسطين مستعدّة للاستقلال. لا شك في أنه مطّلع جيداً على أوضاع الفلسطينيين المالية. فما من بلد يتلقى مساعدات أجنبية للفرد الواحد بقدر الضفة الغربية وقطاع غزة (نحو 500 دولار لكل مواطن). وقد تقدّم رئيس الوزراء فياض أخيراً بطلب مزيد من المساعدات: 5 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة. لكن مصطفى يذكر: {علينا أن نتأمل في الشوط الكبير الذي قطعناه. فقد كانت الأوضاع أكثر سوءاً في الماضي}. فخلال الانتفاضة، تقلّص الاقتصاد بنسبة 10% سنوياً، في حين تضاعفت البطالة.

نمو غير مستدام

يُشاطر سام بحور مصطفى رأيه. إلا أنه سرعان ما يستدرك موضحاً أن {النمو الراهن ليس مستداماً}. ويضيف أن قطاع البناء يشكّل أكثر من نصف إجمالي الاستثمارات، في حين أن الصادرات الرئيسة تقتصر على الفاكهة والزيتون والحجارة. لذلك يؤكد بحور: {لا أرى راهناً استقلالاً اقتصادياً، بل استمراراً اقتصادياً}. يعمل بحور مستشاراً، وأسس سلسلة متاجر ضخمة وأقام مركز تسوق.

ينتقي بحور طاولة في {بيستو}، أحد مطاعم رام الله الجديدة حيث يجلس الرجال إلى طاولات داكنة اللون ويعملون على كمبيوتراتهم المحمولة، فيما يتناولون سندويشات بثمانية دولارات. يقول بحماسة: {تكثر التقارير حول العالم عن أن رام الله باتت تضم مطاعم تقدّم السوشي وأخرى تبيع المشروبات. صحيح أن الفنادق والمطاعم بالغة الأهمية، إلا أنها لا تقرّبنا من تأسيس دولة}. وماذا عن فندق موفنبيك الجديد؟ يجيب بحور: {فندق خمس نجوم واحد لأكثر من 4.6 ملايين فلسطيني. تضم عمان وحدها 15 فندقاً}. لذلك، يحض بحور الناس على التركيز على ما تفتقر إليه المنطقة. يخبر: {فتحت عشرة متاجر كبيرة في غضون خمس سنوات. علينا أن نسأل أنفسنا: ما كنا نستطيع تحقيقه لولا الاحتلال؟ لدي ملء الثقة بأن عدد فروعنا كان سيبلغ الأربعين}.

صحيح أن إسرائيل أزالت بعض نقاط التفتيش في الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى تحسّن حرية التنقل، لكن الكثير من هذه الحواجز لا يزال قائماً. تُبرر هذه الحواجز رسمياً بأن غايتها حماية إسرائيل من الاعتداءات. ولكن ما دامت إسرائيل تعيق حرية التنقل وتسلب الفلسطينيين الماء والكوادر، سيبقى التطوّر والتنمية مستحيلين، وفق بحور.

يعدّد بحور مجموعة من العقبات التي تعترض سبيل الفلسطينيين. فلا يستطيع مالكو الشركات والمؤسسات في الضفة الغربية الوصول الى 1.7 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة. كذلك، يعجز الفلسطينيون عن استخراج الغاز الطبيعي قبالة سواحلهم، الذي تُقدّر قيمته بأربعة مليارات دولار. فضلاً عن ذلك، لا تزال عملية تصدير المنتجات إلى الخارج معقدة، هذا إن لم تكن مستحيلة. وقلما تُتاح للشركات والجامعات الفلسطينية فرصة الاستعانة بخبراء أجانب. أضف إلى ذلك مخاطر التقلبات السياسية. وما يزيد الطين بلة، في رأي بحور، واقع أن هذه الظروف لن تتبدّل على الأرجح بحلول شهر سبتمبر، بغض النظر عن مدى توق الفلسطينيين إلى الاستقلال. يقول: {تعيق إسرائيل النمو الحقيقي لأنها ترفض تشكّل دولة فلسطينية قابلة للحياة}.

ثمة قاسم مشترك يجمع بحور المتشائم ببشار مصري. فهو أيضاً يؤمن بمستقبل فلسطين الواعد في مجال التكنولوجيا العالية. يستطيع الفلسطينيون، وفق بحور، إنتاج أي نوع من برامج الكمبيوتر والهواتف الخليوية وغيرها بكلفة منخفضة وبجودة رفيعة، حتى أن المستثمرين بدأوا يتقاطرون على هذه المنطقة من الخليج العربي ومن إسرائيل. فقد أعلنت شركة الكمبيوتر الإسرائيلية Mellanox عن خططها لفتح مكتب لها في الأراضي الفلسطينية. كذلك، اشترى مصري عدداً من الحصص في شركة برامج إلكترونية إسرائيلية ستعمل في المستقبل على توظيف فلسطينيين. ومن الممكن أن نشهد مشاريع مماثلة كثيرة مستقبلاً. يتقاضى المهندسون من ألف إلى ألفي دولار شهرياً. فضلاً عن ذلك، تخرّج الجامعات طلاباً متمرسين كثراً. ويعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في المنطقة الزمنية ذاتها ويستعملون العملة عينها.

أسس إسرائيلي وفلسطيني {صدارة}، أول صندوق للرأسمال المخاطر في فلسطين. ومع رأسمال تأسيسي يبلغ 29 مليون دولار، يخطّط هذا الصندوق لدعم الشركات الناشئة. يتمتع هذان الشريكان بمؤهلات عالية. فيادين كوفمان الإسرائيلي مقاول في مجال تكنولوجيا المعلومات. أما سائد الناشف الفلسطيني، فمطوّر في قطاع البرمجيات. ويشمل المستثمرون في هذا الصندوق غوغل، سيسكو، وستيف كيس مؤسس شركة AOL.

صحيح أن هذه المبالغ تُعتبر محدودة، إلا أنها أكبر استثمارات في مجال التكنولوجيا العالية شهدتها الضفة الغربية. يوضح كوفمان أن {صدارة} يُضاهي بحجمه ما كان عليه أول صندوق للرأسمال المخاطر أطلق في إسرائيل في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. بعد ذلك، أصبحت إسرائيل رائدة في مجال الاتصالات الهاتفية عبر الإنترنت. وقد تغدو فلسطين اليوم أمة الشركات الناشئة التالية.