ليس ما أقدَمَ عليه رئيس اللجنة المالية وزملاؤه الثلاثة في شأن الغرفة مجردَ خطأ تقني في المهلة المطلوبة في الدعوة إلى انعقاد اللجنة، بل هو افتراء موصوف في الشكل والأساس، لأن السيّئ الظاهر من نتائجه كافٍ لإغفال المُضمَر الأسوأ فيه، فاللجنة لم تفاجئ المتابعين لعملها ولمقدمات الحملة الشعواء على الغرفة، بل أكدت شكوكهم في ما كانوا يرفضون تصديقه، وبرهنت لهم، مع الأسف، أن هناك ممثلين للأمة لا يتورعون عن الحنث بقسمهم بعدما "سوَّلت لهم أنفسهم"، ولم يكونوا إلا كإخوة يوسف عليه السلام.     

Ad

وإذا كان مستنكراً ما جاء في نص المشروع، وتناولناه سابقاً بالتفصيل، من بنود تعتدي على دور الغرفة وتاريخها، فإن المُستهجَن فعلاً أن تلجأ "مجموعة الأربعة" إلى تجاوز اللوائح علناً، وبينهم من تمرس في العمل البرلماني وتخصص في علم اللوائح، من دون أي توضيح، لتنفيذ أجندة الحقد واستهداف إحدى قلاع الديمقراطية والدستور وإحدى المؤسسات العريقة التي ساهمت في نهضة الكويت وأدت أدواراً بارزة في دفع مسيرة التقدم والنمو وتكريس دولة القانون.

ولا ندري فعلياً، هل هو الاطمئنان المبالغ فيه الذي حدا بـ"الأربعة" إلى انتهاز فرصة غياب أعضاء اللجنة الباقين لعقد الاجتماع، أم هو التجاهل المقصود الذي دفعهم إلى ارتكاب المخالفة وطعن ظهر زملائهم والغرفة في آن معاً، لكن ما ندركه عملياً أن "التحفة الفريدة" التي خرجت من بين أيديهم في ذلك النهار لا تتمتع بمصداقية الحُرصاء، ولا تبتغي المصلحة العامة، ولا تشرِّف عمل المشرعين المترفّعين عن الصغائر والمصالح الشخصية.

لن نكرر القول إن "ما بُني على باطل هو باطل"، فقبل أن يكشف مقرر اللجنة زيف الاجتماع وبطلانه لمخالفته الأصول واللوائح، كان سقوط اللجنة مدوّياً في عيون أهل الكويت الذين يؤمنون بتراكم تجربة الديمقراطية والإنجاز، ويرفضون الأساليب الانقلابية والمؤامرات، ويأسفون لتحول بعض النواب إلى أدوات صغيرة في لعبة الكراسي وبيادق مجهرية تتحرك بـ"ريموت كونترول" مشغّليهم في الكواليس ووراء الستارة.

لم تكُن اللعبة مخفية، فالحملة على الغرفة جزء من محاولات الهيمنة على كل المفاصل الديمقراطية الناجحة في البلاد، لإلحاقها بنهج الزبائنية والاستتباع، لكن اللعبة انفضحت بعدما أُضيف الإخلال باللوائح إلى وقاحة الاستهداف المتمثلة في عدم دعوة الغرفة لأخذ رأيها بالمشروع، وتجاهل الاعتراض التام الذي أبداه وزير التجارة وصفاقة الاكتفاء بالاستماع إلى رأيه من دون فتح باب النقاش، وبناء المشروع على تشويه الحقائق التاريخية بهدف تصفية الحسابات.

ومن اليوم حتى تعود الأمور إلى نصابها بدفن مشروع اللجنة، ليس لبطلان الجلسة قانونياً فحسب، بل لفساد المضمون والمبررات من الأساس، سنستمر في تذكير "الأربعة" بأن واجب النواب هو التشريع خدمةً للمصلحة العامة، والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية، ودعم كل ما يفيد الاقتصاد.