من يتمنى الغضب والأذى لنفسه؟ أي عاقل يغوص في الأسى ويمكِّن شعور الغبن والذل من نفسه مختاراً؟ أريد أن أخرج من إطار هذا الموضوع، «ودفنة» الحريات في الكويت، أود أن أحرر عقلي وأخلص قلبي من الهم، أريد للمبلغ الذي دفعه زوجي في هدية المقال الماضي أن يؤتي أُكُله فيبرد قلبي ولو إلى حين، ولكن «ما كل ما يتمنى المرء يدركه» فما إن تفتح قبراً لحرية، حتى يتوالى تساقط القتلى وحفر الألحاد وتتعالى صرخات المولولات، اللواتي بعد أن «يعددن» على القتيل يأخذن المقسوم ويذهبن «ليقيّلن» في البيوت. موضوع اليوم بسيط، بل فظيع، والله لا أدري أيهما؟! إليكم الموضوع ولكم الحكم:

Ad

أرسلت إلينا إدارة مدرسة الأولاد الأميركية النشطة القائمة السنوية لكتب «سكولاستك» للأطفال وذلك تشجيعاً منها لملكة القراءة وحب اقتناء الكتب، حيث يُرسل الطلب ثم تُسلم الكتب عن طريق المدرسة. أحب أنا وصغيرتي هذا النشاط جداً وننتظره كل سنة لنجلس معا نتصفح الكتالوج الملون اللطيف لكتب الأطفال ونختار معاً الكتب المغالى في أسعارها، والتي ندفع ثمنها عن طيب خاطر، ليس لقيمتها الفعلية ولكن لجمال النشاط بحد ذاته الذي يرسخ فكرة البحث عن الكتب وطلبها وانتظارها بشوق ولهفة.

قائمة هذه السنة وصلتني مرفقة بقائمة من كتب «سكولاستك» الممنوعة بأمر من وزارة الإعلام والتي من ضمنها كتاب «نحلة العسل»، و»اليراعة»، و»المرجيحة»، وهي كتب للأطفال بالإنكليزية ترجمت أنا عناوينها للعربية، وفي الحقيقة، لا يمكنني أن أتخيل ما يمكن أن تكون المادة بالغة الخطر في كتاب «نحلة العسل» والتي تبرر منعه من قبل الوزارة إلا إذا كان، والنظرية لزميلة العمل الجميلة وعمة الأولاد د. حنان مظفر، هناك خنزير في القصة نغّص صفاءها ودنّس براءتها.

إلا أن هذه ليست هي القضية، إنما القضية تكمن في أن هذه الكتب تأتي من شركة خاصة بواسطة مدرسة خاصة تقوم بدورها بإرسال كتالوجات الكتب لأولياء الأمور «الخاصين» والذين يطلبون بأنفسهم الكتب ويدفعون لها من أموالهم «الخاصة»، أين موقع الوزارة في هذه المعادلة من الإعراب؟ ولماذا يعلوني الرقيب درجة في تقرير ما يقرؤه وما لا يقرؤه أولادي؟ أنا أريد لابنتي أن تقرأ «نحلة العسل» ولو سكرت النحلة من الرحيق وأريدها أن تقرأ «اليراعة» ولو تدنست بصداقتها للخنزير، ذلك حقي الذي كفله لي الدستور، فمن أين للرقيب كل هذه السلطة؟ كم عدد الأشخاص الذين يشتركون معي في تربية أولادي وتقرير مساراتهم؟

يبدو أن هناك حالة من التجاذب بيني وبين «الجماعة» وكأننا نتعارك على حق الحضانة، فأنا أريد لابنتي دراسة مشتركة وهم يريدونها منفصلة، أنا أريد لها أن تدرس مقررات معتدلة وهم يصرون على المنهج السلفي المتطرف، أنا أريدها أن تتعلم الموسيقى والفلسفة والرسم وهم يريدونها أن تتعلم «حقائق» حياة الجن واختلاطهم بالإنس، أنا أريدها أن تقرأ «نحلة العسل» وهم يطاردون النحلة ويحرقون العسل ليسكبوه فوق رأس النحلة المطاردة، فإلى متى؟

حسب علمي، فإن شهادة ميلاد الصغيرة تحتوي على اسمها واسمي والدها ووالدتها، واللذين هما أنا وزوجي، وليس لي علم بوجود أسماء أعضاء مجلس الأمة والرقباء في الوزارات على الشهادة كذلك، فمن يملك حق الفصل في تربية هذه الصغيرة؟ اتركوا النحلة في حالها جزاكم الله خيراً، فبالرغم من أن عسلها شهد فإن لسعتها والقبر.

آخر شي:

الشاعر الواعد عبدالله دحام الشمري نجل المدعي العام دحام الشمري أصدر ديوانه الأول بالإنكليزية Confessions from a Rebel أو «اعترافات ثائر»، أختار منه قصيدة قصيرة بعنوان Aging أو «الهرم» وأقدم ترجمتي العربية لها:

Aging

Look at me since we last met and look at you.

I have aged an eternity, and not a second has touched you.

الهرم

انظر إلي منذ لقائنا الأخير، وانظر إلى نفسك

شخت أنا دهراً، وأبت ثانية زمان أن تمسك.

كيف يبدع هؤلاء الشباب في أجوائنا المشحونة هذه؟ أم أنهم يبدعون على وقع عذاباتها؟ إذا شددتم الرحايل إلى معرض الكتاب فاقصدوا محطة شاعرنا، فكتابه سيجعل للرحلة بعداً جميلاً.